لميشاهد إيان ريتش البالغ من العمر أربع سنوات، وأخوه جايسن ذو الست سنوات، التلفاز «ولم يستعملا أي جهاز آخر ذي شاشة» إلا في السنة الثانية والنصف من عمرهما، وهذا ليس غريبًا بما أن والدهما ليس سوى الدكتور مايكل ريتش، مدير مركز الإعلام وصحة الطفل بمستشفى بوسطن للأطفال، وهو يعلم أن الدراسات أثبتت أن الأطفال الصغار لا يستفيدون من المشاهدة. ولكن الآن وقد كبر الطفلان فإن الدكتور ريتش «وهو أيضًا مستشار لمجلة بيرنس» يسمح لهما باستكشاف التقنية العالية من خلال أجهزته وقد أبهرته قدرتهما على التحكم في هذه الأجهزة. وقد تمكن إيان مؤخرًا من استعمال جهاز الآي فون لالتقاط صور لوالدته وهي تخرج من غرفة الاستحمام. ويقول الدكتور ريتش، على سبيل الدعابة: «على الأقل لم يقم إيان بنشر هذه الصور لحد الآن». نعم، فها نحن في سنة 2012 حيث لا يقدر جل الأطفال ما دون سن الدراسة على ربط أحذيتهم بينما يستطيعون التحكم في أحدث الأجهزة الإلكترونية بشكل يكاد يكون غريزيًا. ورغم أننا نعي أهمية قدرة أطفالنا على التعرف إلى كل ما يحيط بهم في عالمنا من التقنية لنضمن نجاحهم في الدراسة وما بعدها، فإننا لا نملك إلا أن نعجب لاستحواذ هذه التقنية على حياتنا. وقد كشفت دراسة أجرتها مؤسسة كايزر للأسرة السنة الماضية أن الأطفال في سن الدراسة يقضون ما يعادل سبع ساعات ونصف الساعة أمام شاشة التلفاز أو الحاسوب أو الهاتف الذكي وأي جهاز رقمي آخر. وذلك بزيادة قدرها ساعة وسبع عشرة دقيقة عما رصدته آخر دراسة أجريت منذ خمس سنوات، وبما أن معظم الأجهزة نقالة فإنه أصبح يسهل على الطفل استعمالها في أماكن لم تكن متاحة لهم من قبل مثل حافلة المدرسة وقاعة الانتظار في عيادة الطبيب أو في أثناء رحلة في السيارة لزيارة الجدة. ورغم أن الدراسة التي أجرتها كايزر شملت أطفالاً يبلغون من العمر ثماني سنوات إلى ثماني عشرة سنة فإن أي أسرة لديها أكثر من طفل واحد تعلم أن الإخوة والأخوات الصغار يقلدون الأخ أو الأخت الأكبر سنًا. وفي هذا السياق تقول ستيفاني دينينجر القاطنة براد لندس: «تبلغ ابنتي الكبرى اثنتي عشرة سنة من العمر، والصغرى أربع سنوات، ويفاجئني الكم الهائل من التقنية الذي تعاملت معه ابنتي الصغرى إيلينا وهي تتعلم الآن كيف تقرأ موضوعات من المواقع المخصصة للأطفال مثل PBSkids.org. كما تعلمت كيف تستعمل جهاز الحاسوب المحمول وألعاب DS وقارئ إم بي 3 MP3، وهي تجيد استعمال هذه الأجهزة بقدر أختها الكبرى تقريبًا. نحن نحدد المدة الزمنية للعب بهذه الأجهزة ولكن التقنية تجذب الأطفال إلى حد أنه يصعب عليَّ أحيانًا جعل إيلينا تطفئ الجهاز».
عالم التحدي
أما الخبراء الذين أصبحوا قلقين بسبب انغماس الأطفال في التقنية التفاعلية فيستشهدون بالدراسات التي تربط بين قضاء وقت طويل أمام شاشات هذه الأجهزة وداء السمنة، وضعف التركيز، وعدم القدرة على ربط صداقات حقيقية، إضافة إلى فقر المخيلة وضعف التحصيل العلمي والعنف الزائد. ويذهب الخبراء إلى أبعد من ذلك حيث يرون أن التقنية الرقمية تسلب الأطفال متعة اللعب اليدوي الخلاق الذي يعد أساسيًا لنموهم. بينما يثمِّن خبراء آخرون قدرة التقنية الرقمية على جعل التعلم ماتعًا وعلى تشجيع الطفل على الاستكشاف وحل المشاكل. وفي إحدى الدراسات التي أجريت في ماساشيوستس وتكساس وبنسلفانيا تابع الباحثون أطفالاً منذ سن ما قبل الدراسة إلى سن المراهقة ووجدوا أن أولئك الذين شاهدوا كمًّا قليلاً من برامج التلفاز التربوية في سن ما قبل الدراسة يولون أهمية أكبر للإنجاز ويطالعون أكثر، كما أن علاماتهم المدرسية مرتفعة مقارنة بتلك التي يحققها أولئك الذين تابعوا برامج تلفازية ترفيهية في المرحلة العمرية نفسها «أي في سن ما قبل الدراسة». وأما بالنسبة إلى الأطفال دون سن الثانية فيصعب الجزم حسب الدكتورة إيلين وارتيلا، أستاذة الاتصال وعلم النفس بجامعة نوروسترن بإيفنستن من ولاية إيلينوي التي تضيف أن جل البحوث ركزت على انعكاسات برامج التلفاز والحاسوب على الأطفال في سن ما قبل الدراسة فما بعد، وأما الدراسات المقامة على التطبيقات الرقمية فلا تزال في بدايتها. ويمكن للطفل أن يتعلم حرفًا يراه على برامج الهاتف تمامًا كما يتعرف إليه بعد أن يراه على رسالة أو ورقة. وتضيف الدكتورة وارتيلا: «لكننا لا نعرف بعد إن كان الأطفال يتعلمون أشياء من وسائل الإعلام الإلكترونية قد لا يتعلمونها من وسيلة أخرى، كما لا نعرف النتائج طويلة المدى لذلك».
أهمية المحتوى
يمكننا أن نلخِّص ما يجعل برنامج حاسوب أو تطبيق هاتف ذكي أو برنامج تلفاز تربويًا في كلمة واحدة: المحتوى. تقول الدكتورة ديبره لينبرجر، وهي مديرة مختبر وسائل إعلام الطفل بجامعة بنسلفانيا: «إن البرنامج المصمم بدقة يسهم في تحسين قدرة الطفل على القراءة والكتابة وتطوير مهارة الحساب، كما يجعل الطفل أكثر استعدادًا للدراسة بغض النظر عن الشكل الذي يقدم من خلاله». لا بد أن يتماشى البرنامج مع مرحلة النمو التي يمر بها الطفل، وأن يحتوي على خط سردي بسيط «دون ومضات ورائية أو انقطاعات»، وعلاوة على ذلك يجب أن يصوِّر شخصيات قريبة من الطفل، إضافة إلى كثير من التكرار، وأن يسمح للطفل بالاستيعاب حسب نسقه الخاص، وبالطبع تجدر حماية الصغير من مشاهد العنف والرعب والمحتوى التجاري الصرف. تقول ليز بيرل، رئيسة تحرير وأحد مؤسسي جمعية «إعلام معقول» (Common Sense Media ) غير الربحية والتي تساعد أولياء الأمور على فهم أفضل للتقنية وتأثيرها في الأطفال: «لا يستطيع الأطفال دون سن السابعة التمييز في كل الحالات بين الخيال والواقع. فهم يتعلمون مما يرونه ويقلدونه، فإذا شاهدوا مثلاً أحدهم يضرب شخصًا على رأسه فيمكن أن يقلدوا ذلك في البيت».
أطفال التقنية
حتى الخبراء المرتابون بشأن استعمال الأطفال الصغار المتزايد للتقنية يعترفون بفضلها. فببساطة تترجم معرفة كيفية استعمال جهاز الحاسب إلى ثقة بالنفس عند الدراسة، فالبرامج والموسوعات الإلكترونية تفتح نوافذ للطلاب لم تكن موجودة حتى قبل خمس سنوات. فإذا أردت أن تشاهد الفراشات تخرج من خادراتها أو أن تعرف لمَ لم يعد بلوتو كوكبًا، فما عليك إلا أن تنقر على جهازك لتجد نفسك داخل المتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي وتجد الإجابات لأسئلتك. إن تعلّم العيش في عالم من التقنية المتطورة بكل نجاعة وسلامة ومسؤولية يعد مهارة ينبغي أن نشرع في تعليمها لأبنائنا في أقرب وقت ممكن. تقول ليز بيرل في هذا السياق: «عندما يستكشف الأطفال مواقع التواصل الاجتماعي من قبيل Club Penguin أو KidSwirl يجب على الآباء زيارة هذه المواقع معهم والإشراف على كل المحادثات. وينبغي على الأولياء، أيضًا، أن يحرصوا على انتقاء الألعاب المناسبة لفئة الطفل العمرية، فكثير من الألعاب تضم محتويات جنسية أو عنيفة أو تجارية». وعند بلوغ الطفل سن السابعة يبدأ في فهم أن الإعلان يرغبه في شراء المنتج، ولهذا فعلى الأولياء أن يشرحوا لأطفالهم كيف يكونون مستهلكي إعلام أذكياء. وككل الآباء يحرص الدكتور ريتش على مراقبة مغامرات ابنه الرقمية التي توَّجها مؤخرًا بتصوير والدته وهي نائمة ثم وضع الصورة كخلفية لجهاز الآي فون الخاص بوالده.
لا يستطيع الأطفال دون سن السابعة التمييز في كل الحالات بين الخيال والواقع. فهم يتعلمون مما يرونه ويقلدونه