النماص

جمال الطبيعة يعانق السحاب في جبال السروات.

تمثل محافظة النماص إحدى الأيقونات الجمالية على سلسلة جبال السروات في منطقة عسير جنوبي المملكة العربية السعودية، وتعد امتدادًا طبيعيًا لجمال هذه المنطقة «عسير» الشهيرة بالخضرة والجبال الشاهقة والأودية المخضرة، والعيون المتدفقة وكل مظاهر الجمال الأخرى

خير الله زربان | تصوير: أحمد ماطر

تقع النماص على بعد 450 كيلومترًا تقريبًا عن مدينة الطائف في جزئها الجنوبي، تحدها من الشمال محافظة بلقرن، ومن الشرق محافظة بيشة، ومن الجنوب مدينة تنومة، ومن الغرب محافظة المجاردة. وتنقسم المحافظة من الناحية التضاريسية إلى ثلاثة أقسام رئيسة منها المنحدرات المطلة على سهل تهامة أو ما يسمى بالإصدار والسراة «جبال السروات»، وهي جزء من المرتفعات الغربية أو الدرع الغربي والهضاب الشرقية المسماة لدى سكان المنطقة «بنجد»، كما تبعد عن مدينة أبها مسافة 150 كيلومترًا. فهي بهذا الموقع الفريد بين الطائف وأبها تعد امتدادًا منسجمًا مع الطبيعة الساحرة في هذه المنطقة، فوق ما لها من ميزات جمالية أخرى تتجلى في الغطاء النباتي الذي يستمد خضرته الدائمة من مناخ معتدل حتى في الصيف، حيث لا تتجاوز درجة الحرارة 26 درجة مئوية، وذلك لارتفاعها الكبير عن سطح البحر، والذي يصل إلى أكثر من 2500 متر. أما في فصل الشتاء فتتدنى درجة الحرارة كثيرًا، وتصل أحيانًا إلى الصفر المئوي. ويغطيها الضباب بشكل كلي أو جزئي في أغلب أوقات السنة، ما يجعل من هذه المحافظة بمراكزها الثلاثة بني عمرو، ووادي زيد، والسرح مقصدًا للسواح من داخل المملكة وخارجها. كما أنها المركز الرئيس لقبائل رجال الحجر قديمًا وحديثًا، خصوصًا بني شهر وبني عمرو. يعود تاريخ هذه المحافظة إلى هجرات القبائل العربية القحطانية اليمنية القديمة إلى مناطق الجزيرة العربية المختلفة، لتقوم هذه المحافظة على أنقاض مدينة الجهوة بحسب ما أوردته العديد من المصادر التاريخية. وزاد من الاهتمام بهذه المحافظة، وعلا ذكرها قديمًا وحديثًا كون موقعها على طريق الحج القديم، ما جعل منها مركزًا تجاريًا مزدهرًا وعامرًا بكل أصناف البضائع والمؤن التي كان الحجاج يحتاجون إليها في طريق رحلتهم المقدسة القاصدة إلى بيت الله الحرام. ولم يختلف الحال في الزمن الراهن حيث ساهم الطريق الرئيس الرابط بين الطائف وأبها في انتقال السكان إلى النماص، ما أدى إلى زيادة رقعتها العمرانية، وازدهار الخدمات الحكومية بها، ما أسهم في نموها اقتصاديًا وثقافيًا واجتماعيًا.
ثراء أثري
وكبقية محافظات منطقة عسير تتضمن محافظة النماص العديد من الأماكن الأثرية الضاربة الجذور في الحقب الزمنية الغابرة. فبعض هذه المواقع الأثرية يعود تاريخها إلى القرون الأولى من تاريخ الإسلام. ومن أشهر هذه المواقع الأثرية مدينة الجهوة الأثرية، التي يعود تاريخها إلى عام 250هـ. وهناك، أيضًا، مسجد صدريد الواقع في مركز بني عمرو. وهذا المسجد بحسب المصادر التاريخية قد بني في عام 110هـ، وقريبًا منه مسجد الأعاسرة في المركز نفسه «بني عمرو» ويعود بناؤه إلى عام 190هـ، هذا بجانب قلعة آل عليان الأثرية الواقعة في مركز السرح بوادي حلباء ويعود تاريخه إلى حقبة ما قبل الإسلام. كما أن بعض الأماكن فيها تحتفظ بنقوش وكتابات ورسوم أثرية، وينظر ذلك فيما هو موجود إلى الآن في جبال ذي عين، والسجين، وذي الزد، والفرقة، والغرامة، والجسر، وعجمة، وجبل قرن الغلة.
كما تشتهر المحافظة بكثرة القلاع والحصون التي تمثل شاهدًا واضحًا على طبيعة الحياة السائدة قديمًا، وما زالت هذه المعالم قائمة. وهي تتميز بشكل عام بإبداع البناء وتناسق في لولبية الحصون أو تربيعها وميولها. كما تتميز بتعدد طبقاتها وكبر أحجارها واستراتيجية الموقع الذي عليه، بالإضافة إلى البيوت التي ما زالت في قمة الروعة من التوزيع التقليدي وجمال البناء. وتعد هذه الحصون والقلاع من الأماكن اللافتة للانتباه في المحافظة وكانت تستخدم للمراقبة والدفاع عن القرى وقت الحرب. كما تستخدم في تخزين الحبوب وتشاهد غالبًا في الأماكن المرتفعة وقمم الجبال ومن أشهرها قصور العسابلة بمدينة النماص، وقصور آل عثمان بقرية آل الشيخ ببني عمرو. ويقدر عمر هذه المباني بما يزيد على 300 عام.
أعلام في ذاكرة النماص
وليست المناطق الأثرية والنقوش والآثار هي وحدها مصدر الثراء الحضاري في هذه المنطقة. فتاريخ هذه المحافظة يحفظ ذاكرة أسماء لبعض العلماء وشعراء الجاهلية عاشوا في هذه المحافظة، ومن بينهم الإمام ابن سلامة الطحاوي الحجري الأزدي، المكنى بأبي جعفر الطحاوي، صاحب «العقيدة الطحاوية». وهناك، أيضًا، عاش الفقيه سعيد بن بشر العامري الحجري الأزدي، صاحب المصنفات في علم الفرائض، والشاعر الجاهلي الشنفرى الحجري صاحب «لامية العرب»، والشاعر عبيد بن عبدالعزيز السلاماني الأزدي الحجري، وأبو الحياش الحجري الأزدي، وغيرهم من الأعلام الكبار الذين برزوا في العديد من المجالات المختلفة.
استثمار سياحي
ولما كانت محافظة النماص بهذه القيمة السياحية والحضارية والأثرية، كان لابد من أن تطالها يد الاهتمام والرعاية. وهذا ما قامت به الجهات المختصة بالسياحة وعلى رأسها الهيئة العامة للسياحة والآثار، حيث تم توفير العديد من الخدمات الضرورية والمساندة التي تمنح المتعة لكل زائر وتوفر ما يحتاج إليه المصطاف من خدمات عامة، إضافة إلى ملاعب الأطفال وتهيئة الجلسات العائلية ذات الخصوصية مثلما هو موجود في متنزه آل وليد وجبل ناصر، ومتنزه شحر، ومتنزه شعب العين، ومتنزه سنان وبدعه. كما أن هناك العديد من المتنزهات التي توفر للمصطافين الخصوصية كما هو ملاحظ في غابات الغمى وجبل العرفج ومتنزهما، ومتنزه العقيقة، وشعف صدريد، وشعف آل زيدان، ومتنزهات آل جميرة، ووادي ترج، ووادي بدوة، ووادي مدار.
كما يعد متنزه آل وليد العائلي المتنزه الرئيس في المحافظة، حيث توجد فيه المرافق الترفيهية مثل الملاهي وملاعب الأطفال. وتتوفر به الخدمات العامة مثل الكهرباء، ودورات المياه، والمواقع المحددة للشواء، ويبعد عن طريق الطائف السياحي حوالي كيلو متر، بالإضافة إلى متنزه جبل ناصر الذي يقع إلى شمال متنزه شعف آل وليد. ومن مطلاته العالية ينظر السائح إلى أغوار مناطق تهامة السحيقة. ويمتاز الجبل بكثافة غاباته ومعانقته الدائمة للسحاب. هذا فضلاً عن المتنزهات في مركز السرح والتي تتميز بالعيون الجارية وما يكسوها من غطاء نباتي أخضر قوامه أشجار العرعر والطلح والشث. ومن هذه المتنزهات سقف القبل، وسقف القرية، وشعف آل نشوان، وشعف البويرة والسناة، وحواس وأبو عفار بالدقائق، والغرة والشبارق.
أما المتنزهات في مركز بني عمرو فحالها في الجمال مثل متنزهات مركز السرح. ومن بين هذه المتنزهات متنزهات العطف، وشط رافي، والوغل، والمضباع، وشط الخبار، وماء لسله، والموبل، وغدير مضحي، وعيمة مخرز، وجبل حرفة، الاشعاف، المطلى، البارقة. كما أن أبعد متنزه عن الطريق العام هو عيمة مخرز حيث يبعد حوالي 7كم وطريقه ترابي. وهذه المتنزهات تحتاج إلى عناية وسفلتة للطرق المؤدية إليها.
كل هذه المعينات والخدمات التي تشهدها محافظة النماص في المتنزهات المذكورة آنفًا وغيرها أسهمت بصورة كبيرة في جعل المحافظة مصيفًا يمتلك كل مقومات السياحة.