برشلونة.. حاضنة الجمال والثقافة


أوميد عبدالكريم الإبراهيم

لكل مدينة خصائص معينة تطغى عليها وتميزها، فهذه ترفع شعار الثقافة، وتلك متخصصة في التجارة والأعمال، وأخرى شهيرة بجمال الطبيعة والإقبال على الحياة. ولكن قليلة هي تلك المدن التي تجمع بين كل ذلك معًا، وفي طليعتها مدينة برشلونة الإسبانية، فالمدينة تنبسط على مهل، ما بين البحر والجبل، وتقع في الشمال الشرقي من إسبانيا على شاطئ البحر المتوسط بين مصبي نهري لوبريجات وبيزيوس، وفيها واحد من أجمل المرافئ في العالم، كما أنها تشتهر بالصناعة والتجارة، وتُعد برشلونة ثاني أكبر مدينة في إسبانيا بعد العاصمة مدريد، حيث يقدر عدد سكانها بـ1.625.000 نسمة تقريبًا، وهي عاصمة إقليم كاتالونيا الإسباني.
تقدم برشلونة لزوارها مفاجآت لا تنتهي، في مزيج جميل يجمع بين سحر المتوسط ونكهة أوروبا الفريدة، ففي برشلونة يعيش الناس بكل طاقتهم كما لو كانوا على سباق مع الزمن، ويحاولون أن يغرفوا من أيامهم ما استطاعوا، وليس هناك أمتع من أن يجد الزائر نفسه وسط هذا الاحتفال اليومي الصاخب. أكثر ما يشدك إلى برشلونة هو أسلوبها المعماري المميز، فقد حرص البناؤون على أن تتخذ كل عمارة طابعًا يميزها عن سواها، والكثير منها ذات ألوان زاهية تُدخل البهجة والقشعريرة إلى النفوس، كما أن شرفات المنازل تزينها نباتات الزينة والشوارع الفسيحة والحدائق المتنوعة. تقول بعض الروايات إن «هاملسار بارسا» والد هنيبعل أسس مدينة بارسينو في المكان الذي توجد فيه برشلونة اليوم في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، ثم اتخذ الرومان من المنطقة حصنًا أو مخيمًا لجيوش الدولة، وفي أوائل القرن الخامس الميلادي احتلت المنطقة من قبل القوط الغربيين، إلى أن فتحها المسلمون في القرن الثامن الميلادي، ثم حكمها لويس الورع بن شارلمان عام 801، وبقيت تحت حكمه حتى عام 985 عندما حكمها أبو عامر المنصور أحد أقوى حكام الأندلس. شارع «لارامبلا» الرئيس في المدينة، والقلب النابض لها، والذي يضم سلسلة مترامية من المطاعم والمقاهي تمتد على طول الشارع الذي يحظى فيه المشاة بالنصيب الأكبر، ففي النهار يمتلىء بالباعة والسياح، وفي الليل يتحول إلى خلية نحل، وخصوصًا في نهاية الأسبوع . الحديث عن جميع المعالم التاريخية والحضارية والثقافية التي تميز برشلونة يحتاج إلى مؤلفات، نذكر منها سلسلة متعددة من المتاحف، أشهرها متحف الفن المعاصر في كاتالونيا، والذي يتخذ شكل قصر يشرف على المدينة، ومن مدخل القصر المتحف، تطل برشلونة بهية متألقة وسط الجبال كطفلة جميلة اختبأت بين ذراعي والدها، ويبدو بناء المتحف في بعض النواحي متأثرًا بفن العمارة العربية، فتشعر وكأنك داخل بيت دمشقي عتيق، ويعد المهندس المعماري «جودي» من بناة مدينة برشلونة، ويرجع له تصميم المدينة من عام 1880 إلى يومنا هذا، وقد أقام ما يمكن تسميته «مدرسة معمارية» لتنفيذ أفكاره، وذلك قبل وفاته.
من المعالم الأخرى التي تميز برشلونة «حديقة جول»، والتي استخدموا في بنائها ما تبقى من مواد بناء المدينة، فصممت تلك الحديقة في أبهى صورة، حيث أقيمت على قمة جبل تستطيع من خلالها رؤية المدينة كاملة، إلى جانب حديقة الأسماك الشهيرة، والتي تعد من أغرب وأمتع المعالم، وأكثرها شعبية في برشلونة، وذلك لتميزها بعروض الحيوانات البحرية بطريقة جذابة، وقد افتتحت في عام 1996، ويوجد فيها حوض للأسماك يعد من أكبر الأحواض في أوروبا. وبالحديث عن هذه المدينة العريقة لا بد من أن نتطرق إلى فريقها الكروي الشهير «نادي برشلونة الرياضي»، والذي تأسس في عام 1899 على يد مجموعة من اللاعبين الإسبان بقيادة «خوان غامبر»، وقد أصبح النادي رمزًا للثقافة الكاتالونية والقومية الكاتالانية، ولهذا فشعاره هو (Més que un club)، بالعربية «أكثر من مجرد ناد»، والنشيد الرسمي لفريق برشلونة هو «لا أحد قادر على قهرنا» ، والذي كتبه «جاومي بيكاس» و«وجوسيب ماريا أسبيناس»، وعلى عكس العديد من أندية كرة القدم الأخرى، فإن أنصار الفريق هم الذين يمتلكونه ويديرونه.
أما أشهر الفنادق فنذكر منها فندق «ماجيستسك برشلونة»، ويقع في منطقة باسيو دي غراسيا الأنيقة، حيث تجد بعض أشهر نماذج الفنون المعمارية الكاتالونية العصرية، ويحيط بالفندق ذي المبنى الكلاسيكي أشهر المحال العالمية الشهيرة، وقد تم تجديد الفندق وترميمه عام 2004 ليصبح واحدًا من أجمل فنادق برشلونة، ويحتوي الفندق على 303 غرف وجناح مصممة بذوق رفيع وأثاث حديث، وجميع الغرف مزودة بأحدث سبل الراحة، ويبعد الفندق مسافة كيلومتر واحد من شارع لاس رامبلاس الشهير، يضاف إلى ما سبق كثير من المعالم الأخرى التي جعلت من مدينة برشلونة واحدة من أهم مدن أوروبا وأجملها، إضافة إلى مناخها الممتاز وموقعها المتميز في قلب القارة العجوز.