في مثل هذا اليوم من عام 1351هـ 1932م سجل التاريخ مولد المملكة العربية السعودية بعد ملحمة البطولة التي قادها المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، على مدى اثنين وثلاثين عامًا بعد استرداده لمدينة الرياض عاصمة ملك آبائه وأجداده. وفي الخامس من شهر شوال عام 1319هـ الموافق 15 يناير 1902م، وفي 17 جمادى الأولى 1351هـ صدر مرسوم ملكي بتوحيد كل أجزاء الدولة السعودية الحديثة تحت اسم المملكة العربية السعودية، واختار الملك عبدالعزيز يوم الخميس الموافق 21 جمادى الأولى من العام نفسه الموافق 23 سبتمبر 1932م يومًا لإعلان قيام المملكة العربية السعودية.
واختارت الدولة السعودية في عهد الملك عبدالعزيز شعار الدولة الحالي وهو «سيفان متقاطعان بينهما نخلة». أما العلم فأصبح لونه أخضر مستطيل الشكل، تتوسطه شهادة التوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله» باللون الأبيض وتحتها سيف باللون الأبيض. ونظم الملك عبدالعزيز دولته الحديثة على أساس من التحديث والتطوير المعاصر، وأقامت الدولة علاقات دبلوماسية وفق التمثيل السياسي الدولي المتعارف عليه رسميًا.
ومن منجزات الملك عبدالعزيز، طيب الله ثراه، العمل على تحسين وضع المملكة الاجتماعي والاقتصادي، فوجه عناية واهتمامًا بالتعليم بفتح المدارس والمعاهد، وأرسل البعثات إلى الخارج، وشجع طباعة الكتب، وبخاصة الكتب العربية والإسلامية. كما اهتم بالدعوة الإسلامية ومحاربة البدع والخرافات، وأنشأ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزودها بالإمكانات والصلاحيات، إلى جانب قيامه بتوسعة الحـــرم النبوي الشــريف.
ولم يكتف الملك عبدالعزيز ببناء هذه الوحدة السياسية والحفاظ عليها فحسب، بل سعى إلى تطويرها وإصلاحها في المجالات كافة، فتكونت الوزارات وظهرت المؤسسات وقامت الإدارات لمواجهة التطور، وأدخلت المخترعات الحديثة لأول مرة في شبه الجزيرة العربية، فحلت تدريجيًا محل الوسائل التقليدية. وأقام طيب الله ثراه القضاء على أساس من تحكيم الشريعة الإسلامية في كل الأمور، وأصدر الأنظمة التي تدعم المحاكم، وتبين وظائفها، وتحدد اختصاصاتها وسلطاتها وتنظم سير العمل بها. كما حقق الملك عبدالعزيز إنجازات كبيرة في مجال إقرار الأمن والمحافظة على النظام في الدولة لتوفير الراحة والاطمئنان للمواطنين والوافدين.
إن الحديث عن التطورات التي حصلت في المملكة يقودنا تلقائيًا إلى التطرق عن المنجزات الكبيرة التي تحققت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. فمنذ اليوم الأول لتوليه الحكم بتاريخ 26 جمادى الآخرة 1426هـ الموافق للأول من أغسطس 2005، وضع خادم الحرمين الشريفين هموم شعبه وأمته نصب عينيه، وتمثل ذلك في العديد من القرارات والأوامر الملكية السامية التي تصب في مصلحة وطنه وأبناء شعبه. وخلال عام واحد فقط توالت إنجازات الملك عبدالله بن عبدالعزيز وعطاءاته في المجالات كافة.
وعلى الصعيد الخارجي قام، يحفظه الله، بعدة زيارات لدول شقيقة وصديقة من أجل دعم العلاقات الثنائية وتعزيزها لخدمة المصالح المشتركة، وبحث مجمل القضايا الإقليمية والدولية. وكان للملك عبدالله بن عبدالعزيز دور بارز في إرساء دعائم العمل السياسى الخليجي والعربي والإسلامي المعاصر، وصياغة تصوراته والتخطيط لمستقبله. أما على الصعيد الداخلي فإنجازاته لا تُحصى، نذكر منها القيام بأكبر توسعة للحرم المكي الشريف، إلى جانب استكمال الأعمال المتبقية من مشروع توسعة المسجد النبوي الشريف، وزيادة رواتب فئات العاملين السعوديين من مدنيين وعسكريين ومتقاعدين، إلى جانب دعم القطاعات الخدمية، ومنها زيادة الحد الأعلى لمخصصات الضمان الاجتماعي للأسرة، وتخصيص مبالغ إضافية كبيرة للإسكان الشعبي في مناطق المملكة.
هذا وكان للتعليم نصيب وافر من اهتمام خادم الحرمين الشريفين، وذلك من خلال عدد من القرارات التي اتخذها مجلس التعليم العالي، وفي مقدمتها إنشاء العديد من الكليات في مختلف مناطق المملكة، منها إنشاء أربع كليات في منطقة حائل، وهي كلية العلوم والهندسة، وكلية علوم وهندسة الحاسب الآلي، وكلية الطب والعلوم الطبية. كما وافق المجلس على إنشاء كليــــة للعلوم في محافظة الخرج، إلى جانب إنشاء كلية للعــلوم في عرعر، وكلية للمجتمع في رفحاء، وغيرها الكثير. ولا ننسى جامعة الأميرة نورة، ذلك الصرح التعليمي العملاق غير المسبوق في المنطقة. أما على صعيد الأمن فقد أرسى خادم الحرمين الشريفين دعائم الأمن و الاستقرار على طول البلاد وعرضها، وجعل من المملكة رقمًا صعبًا في المعادلة الأمنية عربيًا وإقليميًا ودوليًا.
لم يكن مشوار النماء سهلاً، وكانت عزيمة القيادات السعودية تقود مسيرة شعب انهمك في البناء، يفتت كل عقبة تقف أمامه وهو يشيد اقتصادًا امتد هيكله ليستوعب =قطاعات صناعية وزراعية وخدمية خلقت منظومة متكاملة تجسد ملحمة تنموية سابقت الزمن، ورسمت معالم حضارية جمعت بين عبق الماضي وزهو الحاضر، وتهيأت للمستقبل بتطلعات واعدة واثقة.
حريٌّ بكل سعودي أن يقف في ذكرى اليوم الوطني وقفة تأمل يسترجع فيها مسيرة سنوات من البذل والعطاء يشحذ بها همته، ويوطن بها نفسه عزة وشموخًا، ليكون امتدادًا للأوائل من الذين مهدوا بداية الطريق وأفسحوا لنا الفرصة للسير نحو آفاق المستقبل. .