هل عاشت الديناصورات في الجزيرة العربية؟
تم اكتشاف مجموعة من الفقاريات الأرضية تعود إلى العصر الطباشيري عندما كانت المملكة متصلة بقارة أفريقيا
د.زهير بن عبدالحفيظ نواب
رئيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية
يزخر السجل الأحفوريالعالمي بقائمة طويلة من أسماء لحيوانات منقرضة لا تكاد تنتهي لكثرة اكتشافها من بقايا كائنات عاشت في عصور وأزمان ما قبل التاريخ، تميزت بتنوع كبير وانتشار جغرافي واسع. من وحيدات الخلية التي تكيفت في بيئات المياه الحارة (الساخنة) قبل حوالي 2500 مليون سنة إلى عمالقة الديناصورات التي اجتاحت الأرض في حقب الحياة الوسطى (Mesozoic) من دهر الحياة الظاهرة والواقع في الفترة بين (235 و65) مليون سنة، وصولاً إلى الحيتان البحرية الضخمة التي تعيش في مياه المحيطات.
نقف مندهشين وصامتين متأملين عظمة الخالق، سبحانه وتعالى، عبر هذه الأحقاب والأزمان الجيولوجية من خلال ما وجد في البحار والأنهار والأرضين من بقايا حياتية تدل على عظمة الخالق، سبحانه وتعالى، وغرابة الحياة القديمة بكل ما رافقها من تطورات وتغيرات مناخية وجغرافية على كوكب لم يعرف الهدوء منذ نشأته منذ حوالي 5000 مليون سنة، كما قدر العلماء بدراستهم للنظائر المشعة (Isotopes) وقياس نصف العمر الإشعاعي لها. ولا شك في أن تطور العلم في القرنين الماضيين في جميع النواحي قد أسهم إلى حد بعيد في زيادة معرفتنا لتاريخ الأرض والحياة، والبيئات القديمة المحفوظة في الصخور الرسوبية على اليابسة وحتى في رواسب قيعان المحيطات، وكما هو معروف فإن الفضول يدفع بني البشر للاهتمام بكل ما هو غريب وعجيب، فكيف إذا كانت الغرابة والعجب قادمَين من أكثر الحيوانات غرابة في الشكل، وتنوعًا في الحجم، حتى أنها جابت كوكبنا من القطب إلى القطب عندما كانت قاراته متصلة مع بعضها بعضًا إلى حد ما بوساطة جسور أرضية أو مياه ضحلة، أو حتى جزر بحرية. وتعدّ الديناصورات (الزواحف الغريبة الشكل) والحيوانات المنقرضة من أكثر المستحاثات دراسة في علم الأحافير القديمة (Paleontology). فهناك ما يزيد على حوالي 1200 نوع موثق علميًا من هذه الحيوانات المنقرضة مكتشفة في حوالي (10.000) عشرة آلاف موقع موزعة على القارات الست، لكن تبقى حصتا الأمريكيتين وآسيا من أكثر المناطق الجغرافية التي تحتضن الطبقات الرسوبية التي تم اكتشاف المخلوقات المنقرضة فيها. وكباقي الزواحف، فإن الديناصورات تتكاثر بالبيض وترعى فراخها، وتمر بمراحل نمو وتطور وتزاوج مختلفة، ومنها آكلة اللحوم، ومنها آكلة الأعشاب، ومنها ما يمشي على رجلين، ومنها ما يمشي على أربع، ومنها العملاق ومنها المقزم، ومنها ما كُسي جلده ريشًا ذا ألوان زاهية، ومنها ما أنشئت قرون على رأسه أو نتوءات على ظهره.
هذا السجل العظيم لهذه المخلوقات الأرضية التي هيمنت على أجزاء في الكرة الأرضية منذ وقت نشوئها كحيوانات مفترسة ذات أحجام وأشكال تكيفت مع بيئات وتضاريس مختلفة على سطح هذه البسيطة. هذا السجل الديناصوري البائد ترك لنا قصصًا هي أشبه بالخيال، وتبقى عظامها وهياكلها التي كساها اللحم والجلد في يوم من الأيام دليلاً قاطعًا على غرابة المنظر وسوء المنقلب الذي حل بها.
ويبقى السؤال الدائم: هل جابت الديناصورات شبه الجزيرة العربية بشكل عام؟ وهل كانت المملكة العربية السعودية في يوم من الأيام مرتعًا لهذه الحيوانات المخيفة؟ للإجابة عن هذا السؤال قامت هيئة المساحة الجيولوجية السعودية بالتعاون مع هيئات ومؤسسات علمية عالمية عدة ذات باع طويل في هذا الموضوع بدراسة صخور العصر الجيولوجي الأوسط (Mesozoic) في شمال غرب المملكة في إقليم تبوك، وبخاصة في منطقة عينونة القريبة من البحر الأحمر 110كم شمال محافظة ضباء، وقد تمكنت وحدة الأحافير في الهيئة من اكتشاف مجموعة من الفقاريات الأرضية التي عاشت حوالي 75 مليون سنة قبل الميلاد على ضفاف أحد روافد الأنهار في العصر الطباشيري (Cretaceous) عندما كانت المملكة العربية السعودية متصلة بقارة أفريقيا وكان البحر الأحمر عبارة عن يابسة منخفضة، وقامت الهيئة بحملة تنقيب عن هذه الحفريات، وجمعها بطرق علمية وتصنيفها بمساعدة الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية، وكذلك علماء من متحف فكتوريا في أستراليا ومتحف التاريخ الطبيعي في جامعة ميتشيغان بالولايات المتحدة الأمريكية، وقد صنفت الأحافير المستخرجة من هذه المنطقة إلى مجموعات عدة تحتوي على الأسماك الرئوية (lungfish) والتماسيح العملاقة (Sarcosuchus) والسلاحف شبه البحرية (Turtles) والزواحف البحرية (Mesosaurus). ومؤخرًا تمت دراسة دقيقة لبعض العينات الموجودة في مختبر الأحافير في الهيئة والتي أماطت اللثام عن فقرات ذيلية وأسنان عدة لديناصورات منقرضة تعود إلى العصر الطباشيري المتأخر. وعلى الرغم من ندرة هذه العينات ومحدودية عددها لدينا، إلا أننا استطعنا أن نكوّن فكرة عن هذه المجموعة الفقارية التي عاشت في المملكة قبل حوالي 75 مليون سنة قبل الميلاد. فقد ثبت لدينا أن هناك نوعين من الديناصورات بعد التعرف إلى الخصائص التشريحية لسلسلة الفقرات وعدد من الأسنان المحفوظة. الفقرات تعود لذيل أحد أنواع التيتانوصورات (Tyrannosaurus) المجهولة الشكل إلى الآن، وذلك لوجود تقعرين أمامي وخلفي في هذه الفقرات لتتصل بالفقرات التي قبلها وبعدها في العمود الفقري، ويبلغ أطوال هذه الفقرات حوالي 10 – 13 سم، وارتفاعها حوالي 15سم. وتدل هذه الأحجام لهذه الفقرات على أن هذا الديناصور ذو حجم صغير قد يصل إلى 5-6 أمتار، وهو نوع من مجموعة الصوروبودات العملاقة (Sauropods) التي وصل أحجام بعضها إلى اكثر من 60 مترًا بالنسبة للطول، وارتفاع حوالي 20 مترًا بالنسبة للارتفاع، وهي حيوانات عشبية, لها قوائم أسطوانية مرتفعة بشكل مذهل، وأقدامها دائرية الشكل ولها أعناق و أذيال طويلة. أما الأسنان التي وجدت مصاحبة للمجموعات الأخرى من الفقاريات من المكان نفسه، فهي تعود لأسنان ثيروبود ديناصور (Theropoda)، وأيضًا هذا النوع من الديناصورات التي وجدت بالمملكة غير معروف إلى الآن عالميًا. وهذه الأسنان مسننة وتشبه لحد كبير أسنان الأبيلوصورس (Abelisaurus)، وهذا النوع من الديناصورات آكل لحم، ويمشي على رجلين اثنتين طويلتين وأطرافه الأمامية أشبه ما تكون منضمرة ويبلغ طوله حوالي 7 – 9 أمتار، وقد يصل وزنه إلى حوالي 5 أطنان. وهو معروف من الطبقات الصخرية للطباشيري المتأخر (Cretaceous Late) في الأرجنتين (أمريكا الجنوبية). ويدل تواجد هذين النوعين من الديناصورات في النطاق الحيائي نفسه (الأحفوري حاليًا) على أن هذه المنطقة كانت تعج بالزواحف المتنوعة الأشكال والأحجام ولها طريقة خاصة في الحصول على الطعام وطريقة في الحياة، فالتيتانوصور (Tyrannosaurus) كان يقتات على أوراق الأشجار وشبيه الأبيلوصورس (Abelisaurus) كان يقتات على الأسماك المتوافرة في تلك الفترة والزواحف الصغيرة. وقد وجدت آثار هذه الأشجار والأسماك بكثره في منطقة عينونة ومن الطبقة نفسها التي وجدت فيها الديناصورات.
وتدل الدراسات في الأقطار العربية المحيطة والمجاورة للمملكة العربية السعودية على أن الديناصورات قد تواجدت في كل من مصر واليمن وسلطنة عمان والمملكة الأردنية الهاشمية ولبنان وسوريا وجبال القدس في مرتفعات الضفة الغربية المحتلة. ففي مصر الديناصورات معروفة من العصر الطباشيري الأوسط والمتأخر (Late Cretaceous) في منطقة الواحات البحرية والداخلة والخارجة في الصحراء الغربية، وقد عرفت هذه الحيوانات منذ أكثر من 100 عام. والديناصورات في اليمن معروفة من صخور الجوراسي الأوسط (Middle Jurassic) في جبال عمران قرب صنعاء. وهنا الديناصورات عرفت اعتمادًا على بقايا آثار أطراف مطبوعة في طبقات المارل والطفلة، وهناك مواقع عدة في اليمن الآن تحت الدراسة والحماية البيئية من العبث والتدمير. وفي سلطنة عمان الديناصورات معروفة أيضًا بقايا فقرات ظهرية جمعت بالقرب من مدينة مسقط. في مملكة الأردن حاليًا يقوم باحثون أردنيون وأمريكيون بدراسة بقايا ديناصورات جمعت في الطباشيري الأعلى في منطقة الجفر جنوب الأردن بالتعاون مع سلطة المصادر الطبيعية الأردنية. وفي جبال القدس الغربية اكتشفت آثار أو مسالك لأقدام ديناصورات تمشي على أرجل خلفية، وقد حفظت في طبقات الطباشيري المتأخر (Cretaceous Late) بالقرب من مدينة القدس. وفي سوريا تم اكتشاف أطراف الديناصورات من الطباشيري الأعلى بالقرب من دمشق العاصمة، أما في لبنان فقد تم اكتشاف الديناصورات في كلا العصرين الجوراسي والطباشيري ومتمثلة بأجزاء محفوظة بشكل جيد حتى أن بعض هذه الديناصورات كان يعتقد أنها كانت مكسوة بالريش لوجود أجزاء منه مغمورة ومحفوظة بمادة العنبر، وتدل هذه المعطيات والسجلات لهذه الحيوانات المنقرضة على أن شبه الجزيرة العربية كانت مرتعًا لهذه الديناصورات على الرغم من فقر هذا السجل بالقائمة الطويلة للأسماء العلمية للديناصورات التي وجدت في البلدان الأخرى.
تم خلال السنوات العشر الماضية من البحث والاكتشاف تشييد بنية تحتية قوية لقيادة أبحاث علمية بحتة ووضع خريطة الطريق للبحث العلمي من أين نبدأ وأين نبحث عن بقايا هذه الديناصورات والحيوانات الأخرى المنقرضة. وتعدّ هيئة المساحة الجيولوجية السعودية رائدة في مجال الاكتشاف والتنقيب عن الحفريات الفقارية، حيث يقوم فريق سعودي متخصص بالتعاون مع خبراء مختصين من جامعات ومتاحف عالمية مرموقة بدراسة الحياة القديمة في المملكة واكتشافها، وكان آخر الاكتشافات وأهمها على الصعيد الدولي اكتشاف جمجمة سعدان الحجاز المنقرض والذي يعود عمره إلى 29 مليون سنة قبل انفتاح البحر الأحمر.
|