اضطرابات النوم خلال السفر
تتأثر الساعة البيولوجية نتيجة التغير المفاجئ في التوقيت
أ.د. أحمد سالم باهمام
أستاذ واستشاري أمراض الصدر واضطرابات النوم
كلية الطب - جامعة الملك سعود
بفضل توافر وسائل النقل السريعة والمريحة، أصبح السفر إلى مناطق بعيدة أمرًا سهلاً وميسّرًا، وصار طبيعيًا أن يصبح المسافر في الرياض ويمسي في نيويورك. لكن للتنقل السريع بعض الآثار الصحية التي يعانيها بعض المسافرين، فالمسافر إلى مناطق بعيدة شرقًا أو غربًا قد يعاني في الأيام الأولى من وصوله إلى وجهة سفره اضطرابات في النوم، أو اضطرابات عضوية أخرى نتيجة للتغير المفاجئ في التوقيت. وتظهر هذه الاضطرابات نتيجة التغير المفاجئ في الساعة البيولوجية والتي تعرف بالجت لاق (jet lag)، أو اختلاف التوقيت بسبب السفر.
تعزى الأعراض المصاحبة لاختلاف التوقيت إلى التغير الحاد الذي يطرأ على الإيقاع اليومي أو الساعة البيولوجية في الجسم، حيث يجب على الشخص الاستيقاظ عندما يطلب جسمه النوم، والنوم عندما يطلب جسمه الاستيقاظ. فعلى سبيل المثال، فرق التوقيت بين الرياض ونيويورك نحو ثماني ساعات. فإذا سافر شخص من الرياض إلى نيويورك ووصل نيويورك في الصباح الباكر فإن ساعته البيولوجية ستخبره بأن الوقت هو وقت الظهر (حسب التوقيت الذي اعتاده). وإذا كان ذلك الشخص معتادًا على القيلولة في ذلك الوقت فإنه سيشعر بالخمول في ذلك الوقت. وعندما تكون الساعة الثالثة عصرًا في نيويورك فإن ساعته البيولوجية ستخبره بأن ذلك هو وقت نومه (الساعة الـ11 ليلاً)، وهكذا.
ما الأعراض؟
يتسبب اختلاف التوقيت في أعراض مختلفة تبدأ بالظهور خلال اليوم الأول أو الثاني من السفر عبر نطاقات زمنية متعددة (على الأقل نطاقان زمنيان). فقد يشكو الأشخاص المسافرون لمسافات طويلة من الأعراض التالية:
الأرق، النعاس في الأوقات التي تتطلب الاستيقاظ، قلة النشاط خلال النهار، آلامًا في الجسم، الصداع، تعكُّر المزاج، نقصًا في الشهية، آلامًا في المعدة وحموضة، اضطراب الجهاز الهضمي، زيادة التبول في أثناء الليل.
تجنب الأعراض في أثناء السفر؟
في الوقت الحاضر لا يوجد أي استراتيجية أو أسلوب علاجي يمكنه التخلص من مشكلة اختلاف التوقيت بصورة فاعلة ودائمة. لكن هناك بعض النصائح السلوكية التي قد تساعد على سرعة التأقلم مع اختلاف التوقيت في جهة السفر، وتساعد على تخفيف أعراض اختلاف التوقيت:
إن أمكن، حاول تغيير وقت نومك واستيقاظك عدة أيام (يومين أو ثلاثة) قبل سفرك ليتناسب مع وقت النوم والاستيقاظ في وجهة سفرك. فإذا كنت مسافرًا باتجاه الغرب، حاول تأخير مواعيد نومك واستيقاظك تدريجيًا (بمعدل ساعة يوميًا). أما إذا كنت مسافرًا باتجاه الشرق فحاول تقديم موعد استيقاظك ونومك تدريجيًا.
عند الصعود إلى الطائرة، عدِّل عقارب ساعتك إلى توقيت جهة سفرك. وإذا أمكن، قم بذلك التعديل يومًا أو يومين قبل موعد سفرك، لأن ذلك يساعد على سرعة التكيف مع التوقيت الجديد.
قم بتمرين العضلات وأنت في مقعدك، حتى تتجنب آلام العضلات وشدها.
حاول المشي في الطائرة لتنشيط العضلات عدة مرات خلال الرحلة.
تجنب المنبهات كالشاي والقهوة في أثناء الرحلة.
حاول شرب كميات جيدة من الماء خلال الرحلة.
إذا كانت رحلتك ستصل إلى وجهة سفرك في النهار، حاول النوم خلال الرحلة حتى تصل نشيطًا. أما إذا كانت رحلتك ستصل ليلاً، فحاول التقليل من النوم بالطائرة، حتى تستطيع النوم عند وصولك.
في الأيام الأولى، تجنّب الوجبات الثقيلة في الأوقات التي لا تتناسب مع مواعيد أكلك في موطنك حتى تتوافق الساعة البيولوجية في جسمك مع التوقيت الجديد، فقد أوضحت الدراسات أن ذلك قد يؤدي إلى الاختلال في إفراز بعض الهرمونات كالأنسولين وزيادة مفاجئة في مستوى الجلوكوز والدهنيات.
تجنب الوجبات الثقيلة قبل وقت النوم، لأن ذلك يؤدي إلى سوء في نوعية النوم وجودته.
كثير من المسافرين يذهبون للنوم حال وصولهم إلى جهة سفرهم بسبب الإجهاد، حتى وإن لم يكن وقت النوم مناسبًا، ما ينتج منه عدم القدرة على النوم عند حلول الليل. لذلك، إن كان ولا بد من النوم بعد الوصول من السفر، فإنه يجب أن يكون وقت النوم قصيرًا ولا يزيد على ساعتين، حتى تتمكن من النوم لاحقًا.
تجنب التمارين المجهدة قبل وقت النوم.
حمام دافئ قد يساعد على استعادة الجسم حيويته وانتظام النوم.
ضوء النهار هو العامل الأساسي الذي يؤدي إلى تنظيم الساعة البيولوجية في أجسامنا، لأنه ينظم إفراز هرمون الظلام (هرمون النوم) الميلاتونين. واختيار التوقيت المناسب للتعرض للضوء القوي خلال السفر أمر مهم لتنظيم الساعة البيولوجية. لذلك حاول التعرض للضوء في الأوقات المناسبة وتجنبها في الأوقات غير المناسبة ويتم تحديد ذلك بالتشاور مع الطبيب المختص في اضطرابات النوم. وتوقيت التعرض للضوء يعتمد على وجهة السفر شرقًا كان أم غربًا. وتفصيل ذلك يطول، لكن ببساطة يُنصح المسافرون غربًا بقضاء بعض الوقت في ضوء الشمس وقت العصر (آخر اليوم)، لأن ذلك يؤدي إلى تأخير الإيقاع اليومي للجسم، والمسافرون شرقًا بقضاء بعض الوقت في ضوء الشمس وقت شروق الشمس حيث يؤدي ذلك إلى تقديم الإيقاع اليومي للجسم.
ربما تكون قد سمعت عن، أو استخدمت بعض العقاقير المنومة خلال سفرك لتساعدك على التغلب على مشكلة اختلاف التوقيت. وهذه الأدوية يمكن استخدامها للتخفيف من آثار الجت لاق في حالات محدودة، لكن بعد استشارة طبيب مختص.
أخيرًا، إذا كنت مسافرًا في رحلة عمل، فحاول ترتيب مواعيد اللقاءات المهمة بحيث تكون في الوقت الذي يكون فيه جسمك في قمة نشاطه.