![]() |
||||||||
![]() تأثير الحضارة الإسلامية في
بقلم: محمد سعيد المولويبقلم: أ.د.عبدالكريم بن صنيتان العمري بلغت الحضارة الإسلامية أوجها وذروتها، وازدهرت منذ أن شع نور الإسلام في أنحاء المعمورة، وارتقت على غيرها في مختلف الاتجاهات الأمنية، والفكرية والاجتماعية والإدارية وغيرها، فقد نبغ علماء المسلمين وعباقرتهم، فأسسوا معالم الحضارة الإسلامية، وبدت مشرقة وضّاءة، وامتازت بالازدهار والرقي، واعتلت على غيرها من الحضارات، فنشرت الأمن والسلام، والعدل والتسامح, والتآلف والانسجام، ورسّخت مبادئ توثيق الروابط والعلاقات بين الأفراد في المجتمعات كافة، وقضت على المعتقدات الخاطئة، والعادات الذميمة، وبددت غياهب الظلام والجهل، وقررت حقوق الإنسان بأسمى معانيها، وأنصع تشريعاتها ودلالاتها, ونشرت راية التوحيد خفاقة يستظل الإنسان بظلال رحمتها، وتضيء له طريق العزة والفلاح، وتنير له سبيل الفوز والنجاح.
إن الحضارة الإسلامية بما تحمله من المبادىء الراقية، والقيم السامية، تسنمت قمم الأمجاد الحضارية التي عرفتها الإنسانية على مر التاريخ، وقد تضافرت عديد من العوامل التي دفعت بالحضارة الإسلامية إلى أن تصل قمة الرقي والازدهار، من أبرزها الدين الإسلامي الذي ارتكزت عليه في مكوناتها كافة، حيث اتحدت تحت رايته جميع المكونات الاجتماعية التي كانت متناحرة قبل بزوغ فجره، ومنح الإسلام تلك المكونات ما يجعلها تفخر بهذا الدين، وتزود عن حياضه، وتعمل على نشره، وتدافع عنه، فالإيمان الذي تقبلته النفوس، منح المسلمين مشاعر مشتركة، جعلت كل من ينتمي إليه يضحي بنفسه وماله في سبيل نصرة الإسلام، ولذلك فإن الدولة الإسلامية التي تأسست في المدينة المنورة، أرست دعائمها على أحكام هذا الدين ونظمه الخالدة. إن التاريخ ليحفظ للحضارة الإسلامية دورها الكبير في القضاء على الصراعات المتتابعة، والحروب المتتالية، والعصبيات القبلية التي كانت تنبعث هنا وهناك، وتشعل الحروب والفتن لأتفه الأسباب، حيث تأصلت في النفوس مقاصد الرياء، وطلب الشهرة، وحب المغامرة، ودافعية الانتقام، وسرعة الانتصار للنفس، فجاء الإسلام ليقضي على كل تلك الخصال الذميمة، وليؤلف بين النفوس، ويجمع بين القلوب، ويذهب عنها المحن والأحقاد، ويوجه الإنسان الوجهة الصحيحة التي تجعله أداة نفع لنفسه ومجتمعه وأمته. إن التاريخ قد دوّن للحضارة الإسلامية سمو مبادئها، ورقي قيمها، حيث برزت بساطة نظم المسلمين السياسية، فقد قامت على أساس المساواة بين الجميع، وظهر ذلك واضحًا جليًا في حياة النبي، صلى الله عليه وسلم، وعصر خلفائه الراشدين، رضي الله عنهم، الذين اقتدوا به في إدارة شؤون الدولة الإسلامية. وقد استطاع المسلمون بالسير على المنهج النبوي، ومنهج الخلفاء الراشدين، أن يحققوا إنجازات عظيمة للدولة الإسلامية عبر العصور المتتابعة، بما أوصلها إلى المراتب العليا من المجد والرفعة، وقد ساعد على ازدهار الحضارة الإسلامية ورقيها انتشار الإسلام، وكثرة الفتوحات الإسلامية، ودخول عديد من المدن والأقاليم، وتوسع الحدود الجغرافية للدولة الإسلامية. والمتتبع لمجالات ازدهار الحضارة الإسلامية يجد أنها شملت جوانب متعددة، حتى أجمع النقاد والمؤرخون أن الحضارة الإسلامية احتلت مكانة راقية بين حضارات الأمم الكبرى التي عرفتها الإنسانية، وكان لها التأثير الكبير في مسيرة الحضارة العالمية في شتى المجالات، وقد عني علماء المسلمين على اختلاف تخصصاتهم، وتنوع مشاربهم واتجاهاتهم، بمختلف الفنون والمعارف، وكافة العلوم الدينية والدنيوية, واهتموا بتطويرها على امتداد رقعة الدولة الإسلامية من الهند شرقًا إلى الأندلس غربًا، واشتهرت مراكز كبرى في قلب الدولة الإسلامية، انبثقت منها معالم البحث العلمي، وزخرت بالمؤلفات والكتب التي سطر المبدعون المسلمون فيها عصارة أفكارهم وتجاربهم المتنوعة، وقدموا ابتكارات علمية فريدة، وعرف (بيت الحكمة) الذي يمكن أن يطلق عليه أكبر مركز بحثي، ومجمع علمي، ومنبع صدرت منه المنجزات العلمية المتنوعة. وقد أوضح العلماء والمؤرخون أن من أسباب نشوء الحضارة الغربية، اتصالها بالحضارة الإسلامية، عن طريق إفادتها منها في منابعها العلمية المتنوعة في الأندلس وغيرها، فقد أفاقت أوروبا على صوت علماء المسلمين ومشاهير فلاسفتهم، وهم ينشرون العلوم في مساجد قرطبة وإشبيلية وطليطة وغيرها، وكان الرواد الغربيون المتقدمون معجبين أشد الإعجاب بما يستمعون إليه ويقرؤونه من تلك العلوم التي يدرسها العلماء المسلمون، ومن ثم ابتدأت عند الغربيين ترجمة العلوم والمعارف من العربية إلى اللاتينية، وبدأ تدريس كتب علماء المسلمين في جامعات أوروبا، وقد أشاد المنصفون من الكتاب الغربيين بأن العرب كانوا في القرون الوسطى أساتذة للغرب، ومنهم (جوستاف لوبون: ت 1931)، الذي قال: «ظلت ترجمات كتب العرب، ولا سيما الكتب العلمية، المصدر الوحيد تقريبًا للتدريس في جامعات أوروبا طيلة خمسة أو ستة قرون، ويمكننا أن نقول: إن تأثير العرب في بعض العلوم كعلم الطب مثلاً، دام إلى أيامنا هذه». ومن الميادين الأخرى التي أثَّرت فيها الحضارة الإسلامية ميدان اللغة والأدب، فقد تأثر الغربيون وبخاصة شعراء إسبانيا بالأدب العربي تأثرًا كبيرًا، حيث دخلت التصويرات البديعة، والتخيلات، وشعر الفروسية والحماسة، إلى الآداب الغربية، عن طريق الحركة الأدبية الواسعة في الأندلس، يقول أحد الكتاب الإسبان موضحًا بصراحة متناهية إعجاب أدباء الغرب بالأدب العربي وتأثرهم به: (إن الغربيين يعجبون بشعر العرب وأقاصيصهم، ويدرسون التصانيف التي كتبها الفلاسفة والفقهاء المسلمون، إن الناشئين من جيلنا الأذكياء لا يحسنون أدبًا أو لغة، غير الأدب العربي واللغة العربية، وإنهم ليقرؤون كتب العرب ويجمعون منها المكتبات الكبيرة بأغلى الأثمان، ويترنمون في كل مكان بالثناء على الذخائر العربية، وينظمون بها شعرًا يفوق شعر العرب أنفسهم في الأناقة وصحة الأداء). إن تاريخ الحضارة الإسلامية مميز وفريد، وحين ارتقت بازدهارها إلى القمة، كانت محل إعجاب الأمم الأخرى وتقديرهم، التي نهلت منها، واستفادت من معينها، واعترفت بعالميتها وريادتها وسموها. . | ||||||||
![]() |
![]() |
![]() |