عيد الفطر.. ابتهاج القلوب


العيد لحظة توهج إيماني تشترك فيه الأمة الإسلامية.
أ.د.عبدالرحمن بن زيد الزنيدي
الأستاذ بقسم الثقافة الإسلامية
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

.العيد مظهر اجتماعي لدى جميع الأمم، ما يعني أن له مرتكزًا فطريًا لدى الإنسان، لهذا أقرَّ الرسول، محمد نبي الإسلام، صلى الله عليه وسلم، فكرة العيد للأمة الإسلامية، ثم إن العيد ينطوي على فلسفة معينة،إنْ في رمزيته أو شعاره، حيث يرتبط غالبًا بشيء مقدس، بدين أو وطن أو بمناسبة تعود إلى أحد هذين: الدين، أو الوطن، إذ يرتبط من جهة ثانية بالفرح وحسن العلاقات لدى سائر الأمم.
العيد يمثل محطة توقُّـف زمنية تتكرر، ولكنها في حِـسِّ الناس تتجدد، إذ تَكْسِر في حياتهم حِـدَّة الرتابة،ودوَّامة الحركة المتكررة عبر الأسابيع،والشهور الماضية، ومن ثمَّ يشعر الناس بحالة تحرر من هذه الدوامة، ويسعون لتنويع البرامج في هذه المناسبة بما يؤكد هذه الحالة التحررية.
منهج الإسلام في الأعياد هو منهجه في تنظيم حياة الإنسان في مجالاتها المختلفة، حيث يلبي مطالب فطرته، ونزعاته الغريزية: مادية، وروحية، ويضبطها وفق المستوى المناسب لإنسانية الإنسان، تمتعًا بالطيبات، وأخذًا للزينة، واستمتاعًا بالجمال، وتلذذًا بصنوف الخيرات، دون كبت للنفس يحرمها ويشق عليها، ومن غير إطلاق لها نحو الجموح الذي تدمر به نفسها ومستقبلها. في الوقت نفسه يحقق المنهج الإسلامي للإنسان تساميه الإسلامي، وسعادة تواصله مع الله في كل أحواله.
ومن يتأمل في العيدين اللذين شرعهما الإسلام، وهما عيدا الفطر والأضحى، يجد ذلك واضحًا، فالعيدان يأتيان إثْـر عبادتين جليلتين من الشعائر الكبرى في الإسلام: عيد الأضحى يأتي بعد إنهاء أغلب مناسك الركن الخامس من أركان الإسلام وهو الحج. وعيد الفطر يأتي بعد شهر كامل من الصيام الذي لا يذوق المسلم طيلة نهاراته شرابًا ولا أكلاً، فيكون العيد تحررًا من هذا الامتناع، لكنه ليس تحررًا من العبودية لله، إذْ إن تناول الطعام في يوم العيد هو عبادة أيضًا، فهو محرم عليه الأكل في اليوم الذي قبل العيد، وواجب عليه أن يأكل ويشرب يوم العيد، فاستجابته لتحريم الصيام يوم العيد كاستجابته لفرض الصيام قبله. والذي نَـدَبَهُ إلى الاعتكاف في رمضان، وأواخره بالذات هو الذي ندبه أن يجعل عيده عيد تواصل وبر وصلة للأرحام وابتهاج قلوب مع من حوله من الناس.
وتعبد المسلم في رمضان صيامًا، وقيامًا، واعتكافًا الذي يأخذ صفة التنسك والزهد هو التعبد ذاته الذي يدفعه يوم العيد إلى التوسيع على النفس والأهل وسائر المحتاجين الذين شرعت زكاة الفطر توسعة عليهم يوم العيد، وحتى بالترفه باللهو المباح كما جاء عن النبي، صلى الله عليه وسلم، في غناء الجاريتين في بيته الكريم.
ثم إنَّ العيد بجملته يمثل حالة شكر «حالة شعور بالفضل لشيء ما» إذ هو لدى كل الأمم تذكر لنعمة أو نصر، أو كرامة، أو شخصية لها أثر جليل، وهو في الإسلام، هكذا بامتياز، فهو شكر لله على التمكين من الصيام، والقيام في رمضان، وعلى أداء المناسك في عيد الأضحى، وعلى القبول المأمول فيهما، وإذًا فلحظة العيد لحظة توهج إيماني تشترك فيه الأمة، وتعبِّر عنه بما شرع لها ربها من تحدث بالنعم، وتقارب في النفوس، وتبادل لطعم الحياة السعيدة في رحاب العبودية للخالق الكريم.
لكن العيد كغيره يعرض له في تقاليد الناس وتحولاتهم الاجتماعية ما يخفت توهجه، أو ما ينحرف به عن مساره المفترض انفعالاً بظروف، أو تطرفًا في رؤية، أو لغير ذلك من الأسباب.
لهذا، فإن مما يحسن لفت الانتباه إليه في هذا المجال:
ضرورة إعادة تأكيد السمة العامة للعيد، وهي سمة (التمتع، والفرح في إطار أخلاقي إنساني)، وأن تُفعّل هذه السمة عبر التأكيد النظري وبرمجة الحياة على المستويات الأسرية والعامة. وكما أنه من الافتئات على الشريعة تبرير الإنفلات القيمي والتحلل الأخلاقي بحجة العيد، كذلك فإن من الافتئات محاصرة الفرح والأنس في أيام العيد بتكثيف صور الكآبة، بل ربما بتجريم الفرح بحجة وجود أعداء للإسلام، ومآس يعيشها المسلمون.
يحمد للشباب، لدينا في السعودية، اهتمامهم بعائلاتهم، ومن ذلك جمع العائلة الكبرى أيام العيد، وتصفية القلوب، وإعادة التعارف بعد انقطاعات بين بعض الأقارب تستمر عادة حتى اللقاء المقبل، كما هي إيجابية أيضًا البرامج المصاحبة لتلك الاجتماعات: مسابقات، وتعريف ببعض شخصيات العائلة وأسرها، وذكر ما تم من زواجات وولادات في العائلة خلال العام المنصرم.
-الفرح إنما يحلو طعمه إذا كان عامًّا ، والأنس لا يتمكن برده من القلوب إلا حينما يكون مشتركًا، لهذا ينبغي إشراك جميع الفئات في المجتمع في أفراح العيد وأنسه، وفي السنة النبوية أن النبي، صلى الله عليه وسلم، أمر النساء للخروج معه لصلاة العيد، حتى طلب أن تشارك في الحضور الحُيّض وذوات الخدور، كما أنه صلى الله عليه وسلم أكد فريضة زكاة الفطر التي تؤدى فجر يوم العيد للفقراء والمحتاجين ليشاركوا الناس فرحتهم يوم العيد.
إذًا فلأجــل استمتاع مكتمل في العيد ينبغي نشر البسمة، وروح الأخوة، وطلاقة الوجه، وبذل المعروف لكل الناس، وبخاصة الغرباء الذين يعيشون بعيدًا عن أهليهم وأولادهم، ويتذكرونهم، لا ريب، في مثل هذا اليوم. أخيرًا، فإن الإسلام، بما هو دين يركِّـز على طهارة الباطن قبل الظاهر، يعنيه قبــل أن يكون جسم المسلم يوم العيد نظيفًا وثوبه جديدًا، وهو مشروع بلا شك، أن يكون قلبه سليمًا، وضميره برًّا نقيًا، وسريرته صافية سامية.