معرض محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم


على الرغم من تعدد الفعاليات المتميزة، وتنوع الأنشطة المختلفة في احتفائية المدينة المنورة عاصمةً للثقافة الإسلامية لهذا العام 2013، إلا أن معرض محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، البديع الذي يقيمه مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة بإشراف دارة الملك عبدالعزيز كان من أبرز هذه الفعاليات تأنقًا وتألقًا، فقد نجح نجاحًا كبيرًا في جذب الجمهور بمختلف شرائحه، ومختلف قطاعاته، وتعدد أجياله، وتوجهاته. ذلك لعظم قدر صاحب سيرته ومحور دراسته صلى الله عليه وسلم، ومكانته السامية في نفوس المسلمين وقلوبهم، ولما حواه هذا المعرض البديع من وسائل، وأدوات، وتقنيات، رسمت الواقع، وصورت البيئة، وجسدت السيرة، فأضحت واقعًا حيًا محسوسًا وملموسًا.فتعطر الزمان، وتطيب المكان، وتناثر الجمال، وتدفق الكمال، واحتشدت المشاعر في محراب سيرته.

يا خير من دفنت في الترب أعظمـه
نفسي الفـداء لروض أنـت ساكنـه
أنت الحبيب الذي ترجـى شفاعتـه
عليك صلـوات الـله مـا سكـــرت

فطاب من طيبهـن القـاع والأكـم
فيه العفاف وفيـه الجـود والكـرم
عند الصراط إذا مـا زلـت القـدم
أرواح أهل التقى في راح ذكرهم

.ولقد هدف المعرض إلى تحقيق جملة من المنافع منها: توعية الزوار بتفاصيل مهمة ودقيقة في حياة النبي، صلى الله عليه وسلم، تبرز عظمته، وعلو مكانته، وتزيد من محبته. كما تؤكد إعلاء قدره صلى الله عليه وسلم في العالم وأهمية نصرته. إضافة إلى تقديم الصورة الحقيقية لنبي الرحمة، مع بيان حقوقه على أمته. ولقد تم تقسيم المعرض إلى قسمين، تناول الأول منهما مراحل حياة النبي من خلال جوانب مختلفة تبرز عظمته، ومكانته، وفضله، وما له من الحقوق والواجبات على أمته. وذلك من خلال تصميم لوحات زاهية تضم عددًا من النصوص المستمدة من آي القرآن الكريم، والأحاديث الصحيحة. أما الآخر فيتضمن تسعًا وثلاثين لوحة عن سيرته في العهدين المكي والمدني، وعن نسبه الشريف، وحياته العائلية، وأبنائه وبناته صلى الله عليه وسلم، في تناسقٍ بديع وتسلسلٍ ماتع. كما تضمن لوحات أخرى عن تاريخ عمارة المسجد النبوي الشريف وتطورها عبر الحقب التاريخية المختلفةa. تعكس مدى التوسع، والتمدد، والتطور، والتحول الذي سار عليه المسجد النبوي إلى أن بلغ هذه المرحلة المشرفة في هذا العهد المبارك لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود. ولقد حوت إحدى اللوحات مسار هجرته صلى الله عليه وسلم، وصاحبه في أخطر هجرة، وأعظم رحلة في تاريخ الإسلام، والطريق الذي سلكه هذا الركب الميمون من بيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عند الحرم المكي ببطن مكة متجهًا جنوبًا إلى غار ثور، تكلؤه عناية الله ورعايته، } إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ التوبة (40). مرورًا بأبرز الأماكن في الطريق، وأشهر المعالم والعوالم، وما جرى فيها من مواقف وأحداث ومعجزات، مزودةً بصورٍ حديثة لتلك المناطق عبر طريق الهجرة النبوية الشريفة حتى وصول الركب المبارك إلى قباء، تحفه وترعاه عناية المولى عز وجل.
ولعل من أكثر ما يشد انتباه الزائر تلك المجسمات الرائعة المعبرة، التي أفلح شُرّاحها في تنزيل حياة رسولنا عبرها حتى أصبحت معاشةً، ملموسةً، محسوسةً، أمام أعين الزوار وبين أيديهم، وملء مسامعهم ببيئتها، وهيئتها، وعناصرها، وفحواها. فهذا مسجده، يعرشه الجريد، وتحيطه الحيطان، وعندها البابان. وذا موقع الصُّفّة، وتلك بيوت أمهات المؤمنين، وفاطمة الزهراء، رضي الله عنهن أجمعين. وتلك بيوت أحبابه وأصحابه، من المهاجرين، والأنصار. ومجسمٌ آخر يبكي عنده الزوار، ويجأرون متأثرين به، تلك هي حجرة أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، مجسدةً، تتفتق نطقًا وصدقًا. بساطة المسكن، وعظمة المعشر، وطيب الحياة. ها هنا كانوا، وها هنا عاشوا، وها هنا ماتوا. هي مرقده ومدفنه وصاحبيه، فذا موضع الصديق عند وسطه، ولسان حاله: طبت حيًا وميتًا يا رسول الله. وخلفه أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، ولسان حاله: والذي بعثَكَ بالحقِّ يا رسول الله لأنتَ أحبُّ إليَّ مِن نفسي وولدي وأهلي ومالي. فقد رُوي عن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: «رأيت كأن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي» فقال أبو بكر: «إن صدقت رؤياك يدفن في بيتك خير أهل الأرض ثلاثة». فلما انتقل النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى الرفيق الأعلى قال لها أبو بكر: «خير أقمارك يا عائشة». ودفن في بيتها أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
هنالك، أيضًا، مجسمٌ ضخمٌ للمدينة المنورة في عهدها النبوي، يبين مكوناتها الأساسية، ومعالمها الرئيسة. يحوي حرّاتها وجبالها، ووديانها، تتخلله مزارعها، وشوارعها، ومسالكها، ومساكنها، والطريق الذي ساره النبي، صلى الله عليه وسلم، عند هجرته. وعليها مضارب صحبه من الأوس ودونها مضارب الخزرج، وقباء، حتى ينتهي إلى وسطها عند دار أخوال النبي من بني النجار. كما يُوضح المجسم مراحل غزوتي أحد والخندق مع بيان تحركات المسلمين، والأحزاب الكافرين، واليهود. فيبرز فيه الخندق وحيلته، وكذلك أحدٌ وسيرته، جبل الحب، والصحابة، والشهادة.
هذه المجسمات المصورة، وتلك اللوحات المعبرة، زادها تأنقًا وتألقًا هؤلاء المتميزون من شباب المدينة المنورة الذين أحسن اختيارهم وتأهيلهم وتدريبهم مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة. ولقد أفلح هؤلاء تقديم السيرة العطرة، وشرح تفاصيلها للزائرين بكل حبٍ وأريحية. فأحسنوا، وأبدعوا، وأجادوا. ولقد أفادوا كل الزائرين من المسلمين على اختلاف لغاتهم وجهاتهم لا سيما من المعتمرين والوافدين منهم. فأمتعوا أعينهم، وأشبعوا آذانهم، وحلّقوا بمشاعرهم. فتجد من بينهم من يُشرح له بالعربية، ومن يُترجم له للإنجليزية، وآخر يُحدث بالفارسية، وغيره يُخبر بالأردية، وآخر يُحكى له بالتركية، وآخر بالفرنسية وغيرها.
إن التفاعل الذي وجده معرض محمد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، والتأثر الذي أطبق على جموع مشاهديه من الجماهير التي تتوالى أعدادها باستمرار إن دل على شيء إنما يدل على أن أهداف مشروع العواصم الإسلامية الذي تسعى به المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)قد تحققت بصورة جيدة. وذلك من خلال نشر الثقافة الإسلامية، وتجديد مضامينها، وإنعاش رسالتها، وتخليد أمجاد الأمة الإسلامية الثقافية، والحضارية وعكس ما قامت به هذه المدن الإسلامية وهذه المجتمعات المسلمة من أدوار عظيمة في سبيل خدمة الثقافة والآداب والفنون والعلوم والمعارف. وتقديم الصورة الحقيقية للحضارة الإسلامية ذات المنزع الإنساني إلى العالم، فضلاً عن تعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات ونشر قيم التعايش والتفاهم بين الشعوب. لا سيما في هذه الظروف والأحداث الدقيقة التي يمر بها العالم من اضطرابات وحروب وتحولات اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية جعلته في أمس الحاجة للإسلام وحكمته، وحنكته، وقيمه، ومثله.
وتأسيسًا على هذه المعاني العظيمة، ومنذ أن انطلقت فعاليات المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية 2013، على يد ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، لم تزل تحتشد المدينة المنورة بنواحيها، وضواحيها تفاعلاً مع الحدث الأكبر تقربًا إلى الله، وتفردًا بالمعاني، واحتشادًا للقيم، وذودًا عن ثوابت الإسلام وتعاليمه، وأخلاقه، ومضامينه. ولا يزل المزيد من برامج عاصمة الثقافة يزدحم بالفعاليات المختلفة تعطر نهار طيبة الطيبة وتزيّن لياليها المباركة لهذا العام. .