تبوك مدينة الورد


كانت ممرًا للقوافل التجارية، وهي غنية بالآثار التي يعود تاريخها إلى ما قبل ظهور الإسلام.

إعداد وتصوير: ظافر الشهري

.منطقة تبوك غنية بالآثار التاريخية التي يعود تاريخها إلى ما قبل ظهور الإسلام وما بعده، حيث كانت ممرًا للقوافل التجارية التي تعبر من الجنوب إلى الشمال، ويعود تاريخ تبوك إلى ما قبل الميلاد بحوالي 500 عام، حيث كانت تعرف باسم (طابو Taboo). يسود الاعتقاد أن منطقة تبوك هي (أرض مدين) التي ورد ذكرها في الكتب السماوية، لذا فإن تاريخ هذه المنطقة ضارب جذوره في أعماق التاريخ.
وتعد تبوك من المناطق الزراعية، حيث بلغت المساحة المزروعة في الأعوام السابقة حوالي 228384هكتارًا، تركز 70% منها حول مدينة تبوك على طريق المدينة المنورة. ومن أشهر المحاصيل الزراعية: القمح والخوخ والمشمش، كما تمتاز بزراعة الورد وتصديره إلى الأسواق المحلية والعالمية، لأن تركيبها الجيولوجي في منطقة الدرع العربي في صورة صخور سلسلة جبال الحجاز وهضبات داخلية تعد خازنة للمياه في تكوين الساق. وتبوك هي المورد الرئيس للمياه في المنطقة، وتتنوع تضاريسها ما بين السهول والجبال والصحاري والحرات والأودية، ومن أشهر جبالها، جبال مدين التي تتبع سلسلة جبال الحجاز، وأعلى قمة فيها هي قمة جبل اللوز حيث يرتفع حوالي 2000متر عن سطح البحر وتتساقط الثلوج عليه شتاءً. ومن أوديتها، وادي ضم المتصل بوادي رم الشهير بالأردن، ووادي الأخضر أبو نشيفة وغيره، ومن حراتها، حرة بني عطية.
وتحوي منطقة تبوك ذاك الشريط الساحلي المحاذي للبحر الأحمر بطول 600 كيلو متر تقريبًا، تتخلله بعض الأودية والشعاب والسهول، إضافة إلى ضفة الوجه التي تحتوي على جزر قريبة من الوجه وأملج، وتحتوي هذه المنطقة من البحر الأحمر على أجمل الأماكن التي يمكن رؤيتها تحت الماء لاحتوائها على السلاحف الخضراء وسلاحف البحر.
وتضم الأراضي المحاذية للبحر شجيرات الشورة ، وبراعم حشائش البحر وبراعم الطحالب ،وسبخات ملحية وجزرًا بحرية غير مأهولة صالحة للتكاثر لأنواع مختلفة من الطيور، وهناك مستعمرات الصقر الأسخم، والقطقاط آكل السرطان، والنورس الأبيض، والخرشنة المتوجة الصغيرة، والخرشنة بيضاء الخد. كما تحتوي على تنوع واسع من أسماك الشعاب المرجانية والرخويات والقشريات، وبالأرخبيل نحو 50 جزيرة متنوعة بعضها صخري بهضاب منخفضة، وبعضها رملي. ولهذه المنطقة مجتمع صيد متطور، ولا يسمح الغوص إلا في الجزيرة الرئيسة فقط، وتستخدم القوارب للصيد وللأغراض الترفيهية للعائلات، ولا يسمح الوصول إلى الجزر إلا بتصريح من مدينة تبوك لأن هذه الجزر لا يجوبها إلا جنود سلاح الحدود.
ومن الهضاب الرائعة في منطقة تبوك هضبة جبل قراقر، وهي هضبة رائعة من الرمل تقطعها أجراف عميقة لتصعد فجأة من السهول الساحلية الرملية، ومن شرقها تحدها مجارٍ بركانية ووجود الماء الدائم يدل على أنها تعج بالحياة. وترتفع عن سطح البحر بين 450 و1750 مترًا. وعلى مسافة 80 كيلو متر ًا جنوب مدينة تبوك، وتعد منطقة محمية، وتحتوي على أجمل المواقع في المملكة فهي تضم مجموعة من الخوانق الحمراء والصفراء الرائعة من الرمل الحجري ،وتحتوي هذه الخوانق على جداول مائية دائمة وأحواض مائية مهمة لهذه المنطقة نظرًا لانخفاض معدل الأمطار إلى أقل من 50 ملم. وتنتشر فيها أشجار الدفلى، ولأن المنطقة وعرة فقد حوت مئات الوعول، ومجموعة أخرى من الحيوانات مثل الذئب العربي، والفهد العربي. أما وادي الجزل فيحوي أسماك مياه حلوة، وهذا نادر في مياه الجروف. وفيها أيضًا بقايا معبد روافح الروماني الذي يحتوي على كتابات ونقوش، وتوجد فيها مراع في أماكن صغيرة ذات وعورة أقل لرعي الجمال والأغنام والماعز.
تتميز منطقة تبوك بصناعة مفروشات المنزل وبيوت الشعر والتي تصنع من المادة الأساسية وهي صوف الماشية ثم تصبغ وتصنع محليًا أو تجلب من بلاد الشام. وتتميز أيضًا بصناعة الأشدّة ومفردها «شداد» وهو ما يوضع على ظهور المطية (راحلة ابن البادية) ويصنع من الخشب، وتجمع أجزاؤه بوساطة جلد الجمل أو عصبه بعد تجفيفه. وكذلك صناعة الهوادج وهو ما يوضع على ظهر الذلول ولكنه خاص بالنساء حيث يغطي المرأة ويحميها من حرارة الشمس أو المطر في أثناء ترحال القبيلة من مكان إلى آخر، كما توضع به العروس في أثناء زفافها. وفيها أيضًا صناعة المراكب والسفن الشراعية، وكانت محافظة الوجه مليئة بالعمال المهرة في صناعة السفن ومستلزمات الصيد البحرية كما ذكر ذلك الحموي في تاريخه عن منطقة الشمال الغربي، وتشتهر أيضًا بصناعة السيوف والشباري.
يشتهر أهل تبوك بألوان فلكلورية وشعبية مختلفة تدل على التنوع الحضاري مثل: اللال الذي يتميز باللحن الحزين، والدحية، ويطلق عليه المهتمون بفن التراث الشعبي (أنفاس الفرسان)، ويؤدى بشكل جماعي، حيث يقف مؤدوه في صفين متقابلين ويقف الشاعر في وسط أحد الصفين لينشد قصيدته المغناة والتي تشبه اللحن. والهجيني الذي اشتهرت به المنطقة في إفراز الشعراء المتميزين في هذا اللون. والرميحي الذي يؤدى في المناسبات العامة والخاصة، وله ألحان عديدة وغالبًا يكون بمصاحبة الطار. والريحان ويشبه لون الرميحي ويؤدى بشكل جماعي ولكن دون مصاحبة الإيقاع. والخبيتي في جنوب المنطقة الشمالية عند أبناء الساحل المجاور للمدينة المنورة، وخصوصًا ينبع. والسامري الذي يستخدم معه الطار لإضفاء إيقاعه المميز ويشتهر في تيماء. والسمسمية ويعد من ألحان الساحل الغربي، وقصائده دائمًا ذات مدلول ومعنى عميقين وغالبًا ما تستخدم السمسمية في تجسيد أغاني البحارة في أثناء الصيد للترويح والابتهاج. والربابة وهي آلة يغنى بها ألحان القصائد النبطية.
وتشتهر كذلك منطقة تبوك بالعديد من الأكلات الشعبية المشهورة مثل: المرقوق: وهو مزيج من البر واللحم وبعض الخضار. والفتة: ولها عدة أسماء مثل المجللة والخميعاء، وهي عبارة عن خبز يوضع مباشرة في الجمر ثم يفرك ويصب عليه السمن البري. والمفروكة (جمرية): عبارة عن قرص يدفن في الجمر ثم يقطع ويخلط معه التمر والعسل مع السمن البري ثم يفرك. والجريش: عبارة عن حب قمح مجروش مطبوخ باللبن وبعد الاستواء يوضع عليه قليل من السمن البري. والمجللة (أو الخميعاء) عبارة عن خبز نار يقطع في اللبن ثم يسكب عليه السمن.
ومن أشهر المعالم الأثرية بمنطقة تبوك:
مسجد التوبة: (مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم)، سمي مسجد الرسول، صلى الله عليه وسلم، لأن الرسول قد أدى الصلاة فيه بضع عشرة ليلة خلال غزوة تبوك، وقد بُني بداية من الطين وسقف بسعف النخيل، ثم جدد بناؤه بأمر من الملك فيصل، رحمه الله، عند زيارته له. قلعة تبوك: يقدر عمرها بنحو 3500 عام وقد بنيت في عصر السلطان القانوني سنة 967هـ، وتدعى (منزل أصحاب الأيكة) الواردة قصتهم في القرآن الكريم، وجدد بناؤها على أيدي العثمانيين سنة 1062هـ، وتم تجديدها آخر مرة من قبل هيئة الآثار والمتاحف بوزارة المعارف، وتقع داخل تبوك.
محطة سكة حديد الحجاز: تُعد من المحطات الرئيسة للخط الحديدي الحجازي الذي كان يمتد من المدينة المنورة إلى دمشق، ودمر في الحرب العالمية الأولى، وفيها مجموعة من المباني داخل مدينة تبوك حيث وصل أول قطار لها عام 1906، وقد تم ترميمها أخيرًا حتى تكون معلمًا من معالم المنطقة. ومن المعالم الإسلامية، الحصون العثمانية: وهي الحصون التي بُنيت على مسافات متقاربة لحماية حجاج بيت الله القادمين بواساطة الخط الحديدي.
تُعد عين السكر أقدم عين في تبوك، وهي المصدر الوحيد لسقاية الزراعة، وقد قيل إن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أقام فيها بضع عشرة ليلة وشرب هو وأصحابه منها، وقد كانت قليلة الماء حتى غسل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وجهه ويديه فتدفقت العين بالماء الكثير فاستقى منها الناس ثم قال: «يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ أَنْ تَرَى مَا هَا هُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا». وتقع في الجهة الجنوبية الغربية من قلعة تبوك. المجالات. .

 

.