إغلاق النوافذ

الإلكترونية


خالد السهيل

تبدا الصباح مغريًا للقراءة. كان يوم جمعة هادئ. الصحو مبكرًا، يغري بأشياء كثيرة تليق بيوم إجازة. ما الذي يمكنك أن تفعله مع قهوة الصباح؟! نافذة الهاتف تضيء بين الفينة والأخرى. إشعار من تويتر بوجود تعليق، .. رسالة من صديق عبر الواتس أب، إشعار من انستجرام عن إعجاب بصورة أضفتها منذ بضعة أيام، دعوة عبر الفيس بوك للاطلاع على مقالة أشركك فيها صديق، تنبيه من جوجل بلس عن صديق جديد أضافك إلى دوائر أصدقائه... إلخ. هناك إشعارات أخرى بعضها إخبارية، وهناك إشعارات تتعلق ببريد إلكتروني وصلك من هنا أو هناك. إنها السابعة صباحًا. الهاتف لا يتثاءب أبدًا. هذا حصار فاخر. تشعر لوهلة أنك تحمل هموم العالم أجمع. كل هذه التفاصيل تدلف معك غرفة نومك، مكتبك، سيارتك، ... تلاحقك وأنت تهم بأداء الصلاة، أو ممارسة الرياضة. حصار اختياري. سجن وهمي، يجعلك تبدو أمام هذا القدر من التواصل وكأنك في قمة النجاح الاجتماعي.
الحقيقة أن هذا الوهم الكبير يتعزز بوجود الهواتف الذكية، مواقع التواصل الاجتماعي، وسائط التراسل المباشر، ... كثيرة هي الأشياء التي تختطفك من عوالمك الحقيقية، صوب عوالم افتراضية، تجعلك تبني جسورًا مع الشرق والغرب، في الوقت الذي قد لا تجد فيه الوقت للتواصل مع زميلك الذي يعمل معك في المبنى نفسه.
كنت أتهيأ لإجازة، بدت الفرصة مواتية للخروج من هذه الصورة. لكن لم التأجيل حتى تبدأ الإجازة بعد بضعة أيام، ما الذي يمنع أن تكون البداية من هذه الجمعة؟
هذا ما كنت أحتاج أن أفعله. وهو ما كان. بدأت من تلك اللحظة في مغادرة تويتر، فيس بوك، انستجرام، باث... إلخ. أغلقت كل التطبيقات. لم أكتف بإغلاقها، بل إنني حذفتها من على هاتفي. تحول الهاتف إلى وسيلة للتواصل الصوتي أو عن طريق الـ SMS.
كان عليَّ أن أنتظر بضعة أيام، حتى أباشر إجازتي للانعتاق من الهاتف أيضًا. تحويل الهاتف المحمول إلى وضعية الإغلاق، تعطيك إشعارات بمن يتصل بك. كان الهدف الخلاص من عبء الاتصالات غير الأسرية.
هكذا خرجت مؤقتًا من دوائر التواصل الاجتماعي التي تتيحها الهواتف الذكية، ثم خرجت من دائرة الاتصالات الهاتفية عدا حدود تفرضها مقتضيات عائلية، أو تواصل ضروري تفرضه مقتضيات اللياقة الاجتماعية وهذا مصطلح فضفاض حاولت أن أجعله ضيقًا للغاية.
كانت فترة الأعياد ملأى بالرسائل والاتصالات. لم أكن حاضرًا. وكان تويتر وبقية مواقع التواصل الاجتماعي تعج بالأحداث الساخنة.
بدا أن مراقبة الإنسان للأحداث بعيدًا عن ضغط توتير وفيس بوك، يعطيك فرصة للتأمل بمنتهى الهدوء. لحظات الانفعال التي لا تكاد تنتهي حتى تشتعل من جديد، تصبح أقل في غيابك عن مواقع التواصل الاجتماعي.
كانت الخارطة لافتة للانتباه. الحدث الساخن على تويتر، ليس شرطًا أن يكون الحدث الأهم. والموقف البارز على تويتر، ليس بالضرورة أن يكون الموقف الأنسب.
يومًا بعد يوم، كانت الرؤية تتسع. وكانت المساحة أكثر رحابة لقراءة أعمق، وحياة اجتماعية أكثر صدقًا. لكن العتب والاتصال كان يتواصل من الأصدقاء اللصيقين الذين كانوا يتشوقون لمعرفة الأثر والتأثير.
بعد مرور شهر كامل، عدت إلى تويتر وفيس بوك، ... وأنا أتأبط تجربتي المتواضعة. وأردد لكل من يسألني: دومًا عليك أن تختار وقفة تنأى بها عن كل هذا الصخب، وتتفرغ فقط لمحيطك ولممارساتك التقليدية.
هذا ما يمكنني أن أدونه الآن، عن هذه التجربة.