عياء بللسمر

أبرز المعالم التاريخية والأثرية في منطقة عسير


تقع بللسمر في جنوب غرب المملكة، وهي تتبع لإقليم عسير. وتبعد بللسمر حوالي 100كم شمال مدينة أبها. وتقع بللسمر في وسط رجال الحجر إلى شمال بللحمر، ويمتد في إقليم السراة مسافة حوالي 20كم جنوبًا وشمالاً تقريبًا ويصل إلى وادي سدوان عند حدود تنومة شمالاً. وتقدر مساحة إقليم بللسمر بحوالي 450كم2. وهي شمالاً: تنومة، وغربًا: تهامة بللسمر وبللحمر، وشرقًا: وادي بن هشبل، وجنوبًا: بللحمر. وتمتاز المنطقة بكثافة السكان بسبب الزراعة ولكونها واقعة على الطريق العام. ويبلغ عدد سكان بللسمر 14220 نسمة، ويتوزعون في المرتفعات وفي الوديان والسهول الواقعة شرق الإقليم. ومن أبرز المعالم التاريخية والأثرية في إقليم بللسمر عياء، وتعد أكبر منطقة تاريخية في عسير.
إعداد وتصوير: ظافر الشهري

وادي عياء بللسمر
عياء وادٍ كبير تحيط به الجبال الصخرية من جانبيه. وهو يجمع عددًا من أودية السراة الكبيرة، ولعل من أشهرها وادي ذبوب، وبيحان، والعيص، وشظى، وعمق، وصبح, ثم يسيل وادي عياء المتصل بوادي بيشة. وهو يبعد نحو 20كم من أعالي الجبال حتى يلتقي بوادي بيشة شمالاً.

طبيعة عياء
يبلغ طول وادي عياء نحو ستين كيلو مترًا, وعرضه يزيد على مئتين وخمسين مترًا تقريبًا. والوادي يتجه من الغرب إلى الشرق، شاقًا مجراه وسط صفين من الجبال متوسطة الارتفاع. وبعض هذه الجبال يغلب عليها اللون الأحمر, والأسود المشوب بشرايين من العروق الشهباء والبيضاء، التي تسمى محليًا بالمرو. ويكاد يكون الوادي مستوي السطح فلا حفر به سوى أخاديد غير عميقة، ويرجع ذلك إلى سعته، ما يجعل السيل يندفع فيه اندفاعًا. وبما أنني في هذا المقال أسرد فقط معلومات موثوقة قدر الإمكان تسهيلاً على القراء والمختصين والباحثين، فإنني أرجو منهم الانطلاق إلى ما هو أهم. ألا وهو معرفة حقيقة هؤلاء القوم، وفترتهم التاريخية، وسبب انقراض حضارتهم، التي لا تزال قصورهم الشاهقة شاهدًا حيًا على تلك الحضارة القديمة. ويقع وادي عياء على المنحدرات الشرقية من منطقة بللسمر، وهي الهضبة التي تنبسط تدريجيًا من قمم السراة، وارتفاعها عند سطح البحر بين 1000 متر و1400 متر. ويحد وادي عياء من الشرق وادي ألدحلة بللسمر، ومن الجنوب باللحمر، ومن الشمال ينتهي ويصب بوادي بيشه، ومن الغرب جبال السروات (المشرقة) وأودية وخرهما والإنفاق وأودية عاشة وجبالها. يبعد وادي عياء عن بللسمر (مركز الاثنين) نحو 55 كيلو مترًا شرقًا. ويقع إلى الشمال من مدينة أبها بمسافة (110كم).

المناخ
مناخ وادي عياء معتدل في فصل الشتاء، حار في فصل الصيف، حيث يحظى الوادي بنسبة منخفضة من الأمطار، ولكنه دائم الجريان نتيجة تجمّع عدد من أودية السراة السالفة الذكر، التي تكثر فيها الأمطار في معظم فصول السنة. ويتميز وادي عياء بالمياه الجارية التي تتدفق بغزارة، وفيها صفاء وعذوبة فريدة.

الزراعة في وادي عياء
وادي عياء منطقة زراعية كبيرة قديمًا وحديثًا، تشهد على ذلك التربة المحاذية لشاطئ الوادي الأيمن والأيسر، وجذوع النخل الكبيرة. وتوجد أشجار كبيرة جدًا وسط الوادي وعلى جنباته قاومت السيول العاتية زمنًا طويلاً. ومن هذه الأشجار: أشجار السدر وأشجار الأثل، وأشجار النخيل، وأشجار القرض، وأشجار الماء. ويوجد بالوادي عدد كبير من الآبار. والجدير بالذكر أنه يوجد حاليًا عدد من المزارع الكبيرة على جنبات الوادي ملأى بأشجار النخيل، إضافة إلى زراعة الخضراوات والشعير والذرة والبر.
وتجد على ضفاف الوادي مواقع هواة تربية النحل، خصوصًا في وقت ازدهار شجرة السدر، كما أن كثيرًا من أبناء المنطقة أقاموا مزارع للنخيل، والحبوب، والفواكه، والخضراوات مستغلين وفرة المياه.

مواد البناء ومواقعه
استطاع مهندس البناء المعماري في هذه المنطقة أن يستخدم المؤونة المحلية. فقد استخدم مواد معينة في البناء هي الطين والحجر الصغير لسد الفراغات بين الأحجار إن لم يستخدم الطين، وذلك بعد أن تستقر الأحجار الكبيرة في مكانها وتسمى الكَحَلَ لتصبح متماسكة وكأنها جدار واحد. ويستعمل الحجر في بناء الجدران الرئيسة للمبنى والفواصل بين الغرف، سواء كانت في الطابق الأرضي، أو الطوابق العلوية. كما تستعمل الأحجار المسطحة في تغطية بعض الأسقف والأرضيات.
أما الطين المخلوط بالتبن فيستخدم في تغطية الجدران من الداخل وأرضيات الغرف والممرات والأدراج الداخلية المكونة من الحجارة الطويلة والمثبتة بانتظام على مسافات متساوية في جوانب الجدران الداخلية، وكذلك في تغطية أغصان الأشجار وجذوعها المستعملة في بناء السقوف. أما الخشب المستخدم في عملية البناء فكان شجر العرعر، واليراع، والسدر، والنخيل، أحيانًا، إذ لا يزال في بعض هذه القصور سقوف فيها بقية من هذه الأخشاب. ومن الملاحظ أن معظم هذه القصور واجهاتها شرقية.
شكل المباني الموجودة في وادي عياء ربما تكون تقريبًا متشابهة في الشكل الخارجي. فالقصور تراوح بين ثلاثة أدوار وستة أدوار. ويختلف التصميم الداخلي لهذه القصور، إذ إن بعض هذه القصور يوجد في الطابق الواحد منها أربع غرف وفي بعضها غرفتان حسب حجم القصر. فالدور الأرضي يعد لنزول الماشية حيث يسمى (السفل)، كما تستخدم بعض غرف هذا الدور لحفظ الأعلاف ومستودعات مواد الفلاحة. وبعض الغرف تخصص مستودعًا لحفظ الحبوب، حيث توجد مخازن مبنية من الطين. وقد عثر على ذلك النوع في قصر حافظ. وتشمل بقية الطوابق الأخرى عددًا من الغرف التي خصص بعضها للطبخ وبعضها الآخر للنوم. أما المجلس فغالبًا ما يكون في الدور الأول، في حين تكون الغرف في الأعلى والمطبخ في الدور العلوي.
تتسم الغرف بصغر المساحة بسبب عرض الجدران الخارجية للقصور، حيث يراوح عرض الجدران 1م و1.5م. أما الأسقف والأبواب والنوافذ فبمماسك ومقابض حديدية من الخارج، كما تزود بقواطع خشبية من الداخل تقوم بوظيفة المزلاج تسمى (الضبة). ويلاحظ على هذه القصور أنها تضيق كلما ارتفعت الجدران.

الأسلوب المعماري من الخارج
من خارج القصر وأمام مدخله الرئيس يوجد (النحر) وهو انخفاض يمتد من أسفل البناء حتى أعلاه ليشكل حماية لمدخل الحصن. وتوجد في نهاية (النحر) من الأعلى فتحة من خلالها يمكن معرفة من يقف عند الباب الرئيس لمدخل القصر، وتوجد في هذه الفتحة صخرة يتم إنزالها من الفتحة للقضاء على العدو. وهذا النحر يقسم القصر نصفين من الخارج فقط.

النوافذ
تتميز هذه النوافذ بصغر حجمها من الخارج، وتتسع من الداخل. وقد زينت هذه النوافذ بحجر المرو الناصع البياض، وبأشكال هندسية. وهذه الأحجار فاتحة اللون تتعارض مع السمرة العامة للبناء الحجري، حيث يعطي هذا التناقض اللوني لمسات جمالية بهيجة، حيث هناك عدد من الأشكال المختلفة للزخارف منها المستطيلة، ومنها على شكل مربع ومعين، ونوع آخر يأخذ شكل النخل. وهي آية في الجمال والإبداع، ويتضح نقش المرو في نافذة ما تبقى من هذه القلعة.

المعالم الأثرية في وادي عياء
القصور:
لقد بنيت القصور الطويلة والبيوت العادية من الحجارة المقطوعة من الصخور النارية، وقد رص بعضها فوق بعض بعناية فائقة. بنيت القصور على شكل مستطيل من الأسفل إلى الأعلى ويضيق قليلاً كلما ارتفع إلى الأعلى.
هنالك عدد كبير من القصور ما زالت ماثلة للعيان، وكلها مهجورة متهدمة لم يبق منها سوى الهياكل الخارجية فقط. ومعظم هذه القصور في مواقع مرتفعة حتى إن بعضها مرتفع جدًا لا يمكن الوصول إليه بسهولة. ومنها على سبيل المثال قصور حميران في المعلاه، ويلاحظ فيها وجود بعض الطيور الجارحة مثل الصقور، والنسور، والحداء، والرخم، وغيرها.