حرة شوران


من معالم المدينة المنورة وكانت مسرحًا لأهم حدث جيولوجي في الجزيرة العربية.

خيرالله زربان عبدالله بن مصطفى الشنقيطي

حرة شوران من معالم المدينة المنورة التاريخية والتي كانت مسرحًا لأهم حدث جيولوجي في الجزيرة العربية وفي تاريخها المدون، وهي من الحرار المعروفة منذ القدم، ومكان خصب جيد المرعى بشكل استثنائي، وهذا لا يكون إلا في أماكن تنبت أنواع الكلأ مما يكون معمرًا مثل السلم والعوسج والسمر، ومن النباتات الحولية مثل البروق والعرفط وأنواع الحموض التي تستطيبها الإبل فتأكل منها حتى تسمن.

أغنت شهرة حرة شوران عن أن يُعرِّفها المؤرخون المتقدمون تعريفًا دقيقًا بحكم عدم الحاجة إلى ذلك في زمانهم، ولكن خفت ذكر حرة شوران بعد ذلك حتى جاء عرام بن الأصبغ السلمي «توفي حوالي 275هـ» فوصف جبل شوران وعدَّد بعض خصائص المعالم المحيطة به، ولكن تحديد عرام اعتراه شيء من الغموض أدى إلى الارتباك في تحديد جبل شوران وحرته. وبدراسة النصوص المتعلقة بحرة شوران وجبلها نلحظ أمرًا مهمًا دالاً على الوجهة الجغرافية التي ينبغي على الباحث أن يتجه ناحيتها وهو أن النصوص متضافرة على أن حرة شوران وجبلها يقعان شرق المدينة، والأدلة على ذلك كثيرة، منها: قول محمد بن الحسن بن زبالة «توفي 199هـ» «أن صدر وادي مهزور من حرة شوران»، وقد فصل ابن شبة «توفي 262هـ» الشعاب التي يتكون منها سيل مهزور فقال: «وسيل مهزور يأخذ من الحرة من شرقيها ومن هكر وحرة ضعة، حتى يأتي أعلى حلاة بني قريظة»، وهذا النص يعني أن حرة شوران تشمل شرقي الحرة ناحية هكر، وهكر غدير ما زال معروفًا اسمًا ووصفًا في وادي الشظاة «الخنق» في نهاية الحرة شرق المدينة على بعد «40 كم» على الطريق الشرقي القديم قبل أن تقطعه حمم بركان المدينة التاريخي عام 654هـ.
وقد علق الشيخ حمد الجاسر، رحمه الله، فقال: «شوران، حرة تطل على سد معاوية شرقي المدينة»، أما من سيحدد لنا تمامًا جبل شوران ومن ثمَّ حرته فهو عرام بن الأصبغ السلمي فقد قال في رسالته وهو يتكلم عن حد الحجاز مع نجد: «... ثم الطرف لمن أم المدينة تكتنفه ثلاثة جبال، أحدها ظلم وهو جبل أسود شامخ لا ينبت شيئًا، وحزم بني عوال وهما جميعًا لغطفان، وفي عوال آبار منها بئر ألية،اسم ألية الشاة، وبئر هرمة وبئر عمير، وبئر السدرة وليس بها ماء ينتفع به، والسد ماء سماء.. ومنها القرقرة ماء سماء لا تنقطع هذه المياه لكثرة ما يجتمع فيها... ويحيط بالمدينة من الجبال «عير»: جبلان أحمران عن يمينك وأنت ببطن العقيق تريد مكة، وعن يسارك شوران جبل يطل على سد كبير مرتفع. وفي قبلي المدينة جبل يقال له الصاري، ليس على هذه نبت ولا ماء غير شوران فإن فيه مياه سماء كثيرة يقال لها البجرات وكرم وعين وأمعاء، وبها كلها سمك أسود بمقدار الذراع وما دون ذلك. وبمحاذاة شوران هذا جبل يقال له ميطان به ماء بئر يقال لها ضعة وليس به شيء من النبات، وهو لسليم ومزينة، وبمحاذاته جبل يقال له سن وجبال شواهق يقال لها الحلاء واحدها حلاءة لا تنبت شيئًا ولا ينتفع بها إلا ما يقطع للإرحاء والبناء ينقل إلى المدينة وما حولها.
وقمت بتتبع الصفات المذكورة لجبل شوران في رسالة عرام بحكم أن الحرة الشرقية القصوى التي ثار فيها البركان التاريخي عام 654 هـ هي حرة شوران كما يفهم من النصوص التي استعرضنا بعضها، فقادني البحث إلى جبل تنطبق عليه كل الصفات المطلوبة، فهو كبير مرتفع «أكثر من 900 متر فوق سطح البحر»، يطل على السد «سد معاوية في وادي الخنق أو الشظاة» قريب منه التواءات لوادي الشظاة وهي فعلاً كالأمعاء تمسك الماء لفترات طويلة، وما زالت هذه صفتها إلى الآن رغم الجفاف الذي ضرب المنطقة في الأزمنة الأخيرة، ويقع هذا الجبل في نهاية الحرة ملتصق بها شرق المدينة على الضفة اليسرى لوادي الخنق«الشظاة»، ويدعى الآن جبل «نبطا»، وبسفحه الشرقي «نقب شوران» وهو نقب في حرة شوران على الطريق المؤدي إلى المدينة للقادم من مكة على الطريق الشرقي القديم وللقادم من نجد، أيضًا، وقد كان هذا الطريق يسلك قبل أن تقطعه حمم بركان المدينة التاريخي، ونقب شوران هذا أرى أنه هو المقصود في القصة التي أوردها ياقوت في المعجم عن البغوم زوجة ريحان الخضري. ولفهم نص رسالة عرام بشكل دقيق ينبغي على الشخص أن يكون في بطن العقيق «بالضبط عند بئر عروة» ويولي وجهه جهة الجنوب فحينئذ سيكون جبل عير الوارد «حد حرم المدينة» وعير الصادر «الجبل الأسمر الملاصق لحمراء الأسد» يكونان على حاجبه الأيمن، ويكون جبل شوران «نبطا» على حاجبه الأيسر، وجبل ميطان قبل وجهه، وكلاهما «عير وشوران» يطلان على سد، وهما في طرفي الحرة، فعير في طرف الحرة من الغرب وشوران في طرفها من الشرق، وهذا الوضع هو الذي أدى إلى ارتباك المؤرخين في تحديد شوران، فظنوا أن عرام جعل «شوران» «عير»، ولكن الأمر ليس كذلك، فعبارته وإن كانت موهمة ولكنها دقيقة، ولقد جربتها ميدانيًا فوقفت في بطن العقيق بجوار بئر عروة واتجهت ناحية الجنوب فتأكدت من مصداقية قول عرام.