جراحات القلب

زراعة الصمامات الجديدة داخل القديمة


أمراض تصلب الشرايين من أكثر الأمراض القلبية انتشارًا بين كبار السن. وهناك عوامل كثيرة تؤدي إلى انتشار أمراض القلب ومنها ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع الكوليسترول، والتدخين، والسمنة، وعدم ممارسة الرياضة، والأغذية غير الصحية، والإصابة بالسكري مع عدم الانتظام في العلاج تؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب، بالإضافة إلى تاريخ العائلة المرضي. وتصلب الشرايين هو من أخطر أمراض العصر، وهو مرض قاتل لأنه يؤدي إلى الوفاة ويصيب الجنسين على حد سواء.

د.هاني كمال نجم
رئيس قسم جراحة القلب
نائب رئيس مركز الملك عبدالعزيز لطب وجراحة القلب | مدينة الملك عبدالعزيز الطبية

فيما يتعلق بالجديد في جراحات القلب فهي تنقسم إلى نوعين مختلفين من الجراحة، الأول: جراحات التشوهات الخلقية، والآخر: جراحات الأمراض المكتسبة. ومن أهم التطورات بجراحات القلب المكتسبة تلك التي تتعلق بجراحات الشرايين والصمامات، والتي بدأت منذ ما يزيد على عامين، عن طريق زراعة صمامات دون فتح الصدر الجراحي، والذي كان متبعًا في إجراء الجراحات في السابق، وتتم عن طريقة زراعة الصمام عن طريق فتح جانبي، أو زراعة الصمام عن طريق إدخال قسطرة من شريان القدم، وكان يتحتم، قديمًا، إزالة الصمام التالف وتغييره بصمام جديد، لكن الجديد هو زراعة صمام جديد داخل الصمام التالف مع بقاء القديم دون استئصاله. وزراعة الصمام الجديد داخل التالف يفضل إجراؤها لكبار السن ولمن تتجاوز أعمارهم 75 عامًا، وكذلك الأشخاص الذين تمثل الجراحة بالنسبة لهم خطرًا كبيرًا على حياتهم. ففي السابق كان يتم استئصال الصمام القديم ثم يتم عمل خياطة قد تصل لأكثر من 16 غرزة. أما الآن فيتم وضع الصمام على دعامة.
وهناك قاعدة عامة فيما يخص جراحات القلب وهي أن الأنواع الجديدة من جراحات القلب تسعى لتحقيق نتائج أفضل من الطرق القديمة، رغم أن جراحات القلب الروتينية تفوق نسب نجاحها 99%، وتصل نسب الوفاة إلى أقل من نصف في المئة، لذلك فإن استحداث طرق جراحية جديدة يؤدي بالطبع إلى تقليل نسبة المخاطرة وزيادة نسبة النجاح، بالإضافة إلى تركيزها عن الابتعاد قدر الإمكان عن جراحات القلب المفتوح. وأصبح ما يشغل جراحي القلب بعد هذا التطور هو النظرة التجميلية، وتقليل الألم الذي يعانيه المريض، وعودة المريض لممارسة حياته الطبيعية في أقل وقت وبكفاءة أكبر من ذي قبل. كان المريض الذي تجرى له عملية قلب مفتوح، قديمًا، يظل لمدة ستة أسابيع تحت الملاحظة والرعاية. لكن مع هذه الأنواع الجديدة من الجراحات يمكن أن يعود لحياته الطبيعية بعد أسبوع واحد فقط.
وقد كانت جراحة الصمامات العادية تتطلب إجراء فتحة كاملة بعظمة القص الأمامية.. أما الآن فإننا نقوم بفتح جزء أقل. وعمليات القلب المفتوح كانت تتطلب وضع المريض على جهاز القلب الصناعي، سواء كان للصمام، أو غيره من أنواع الجراحات. لكن الجديد هو زراعة الصمام دون جراحة القلب المفتوح. وهذا يعني أن القلب سيظل يضخ دون توقف. والطرق الحديثة يتوقف فيها القلب لمدة 30 ثانية فقط وهي الوقت الذي تستغرقه زراعة الصمام ثم يعود مرة أخرى لضخ الدم. وهذه الطريقة ليس لها أي تأثير في الدورة الدموية. وجراحات القلب الحديثة يمكن إجراؤها عن طريق المنظار أو طريق «الروبورت»، وهذه تتم عن طريق 4 فتحات كل واحدة منها لا تتجاوز سنتيمترًا واحدًا فقط، وكل فتحة لها استخدام محدد. فهناك فتحة للكاميرا، وفتحة للرفع، واثنان لأجهزة الجراحة. وفي هذا النوع من الجراحة فإن الجراح يجلس بجوار المريض وليس مباشرة على المريض، وتقوم الكاميرا بإعطاء صور ذات أبعاد ثلاثية. ويقوم الجراح بزراعة الصمام، لكن هذا النوع من العمليات لا يوجد سوى بمراكز قليلة في العالم لكنها لم تصل المملكة بعد. وجراحات الصمامات عن طريق الفتحات الصغيرة والمنظار نقوم بها بالمملكة ويقوم الجراح بإجرائها بيده وليس بالروبورت. ومن أحدث جراحات الشرايين «تدبيس» الشرايين لإعادة التروية، وضيق الشرايين وانسدادها نعانيه بالمملكة بنسبة كبيرة، بسبب الترسبات الكلسية وغيرها من العوامل التي تساعد على ذلك، وانسداد الشرايين من الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى حدوث الجلطات. ومن العلاجات المتاحة لضيق الشرايين زرع دعامات لتوسيع الشرايين التي حدث بها انسداد، والدعامة عبارة عن شبكة معدنية تحافظ على تدفق الدم داخل تلك الشرايين. أما أحدث الطرق التي نحن بصدد الحديث عنها، فكان، قديمًا، يتم إجراء خياطة الشرايين التي تمت زراعتها للحفاظ على التروية وتدفق الدم. أما الآن فيتم عمل وصلة شريانية خارجية، وكان قديمًا يتم تخييطها أما الآن فيتم تدبيسها. والشرايين التي يتم زرعها نحصل عليها من جسم المريض نفسه. ومن مزايا تلك الطريقة أنها أسرع من الطريقة القديمة التي كانت تتطلب خياطة وتأخذ وقتًا أطول. لكن فعالية هذه الطريقة لم تثبت لأنها من الجراحات الحديثة جدًا، والتي تحتاج إلى وقت طويل من أجل الحكم عليها، وهي ما زالت في طور التطوير. والتدبيس عبارة عن معدن لكنه نحيف جدًا وصغير جدًا، ومن مادة التايتنيوم. وبالطبع فهذه المادة لا يرفضها الجسم لأنها من المعدن، فالجسم لا يلفظ إلا الخلايا الحية.
وهناك تطورات أخرى بجراحات القلب تتعلق بالأساليب، حيث ينصح حديثًا بوضع شرايين بدلاً من شرايين وكذلك الحال في الأوردة، حيث كان متبعًا في السابق زراعة شرايين بدلاً من الأوردة أو العكس. وهناك تركيز في الوقت الحالي على الأماكن التي يتم الحصول منها على الشرايين والأوردة، حيث يفضل أن تأخذ من جدار الصدر الداخلي أو اليد أو الوريد الزائد. فهناك نظامان لسريان الدم أو الدورة الدموية في جسم الإنسان، أحدهما داخلي والآخر خارجي. والداخلي لا يمكن الاستفادة منه لتأثيرة في جسم الإنسان. أما الخارجي فيمكن استئصاله لزراعته، لكن عندما يتم استئصال هذا الوريد الخارجي فإن الوريد الداخلي يحدث به انتفاخ. ويظهر هذا الانتفاخ على قدم المريض لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر بعد إجراء الجراحة لكنه يعود لحالته الطبيعية مرة أخرى.
وأما النوع الآخر من جراحات القلب فهو جراحات التشوهات الخلقية، وهذه تختلف تمامًا عن المكتسبة. والتشوهات تشمل ثقوب القلب، والضمور، والتليف، وغيرها من العيوب الخلقية التي يولد بها الجنين. وهذا تخصص مختلف عن الجراحات التي تعنى بعلاج الأمراض المكتسبة. وجراحات قلب الأطفال من أكثر أنواع الجراحات التي تتجلى بها جراحات التشوهات، وكانت ذات خطورة مرتفعة على حياة المريض قبل أن تحدث تطورات جراحات القلب الحديثة. إن مراكز جراحات القلب الخلقية للأطفال قليلة جدًا عالميًا، وتحتاج إلى خبرة وإمكانات وتخصصات دقيقة بعكس أنواع جراحات القلب الأخرى. وأمراض القلب ليس لها أعراض، فقد يفاجأ مريض بمعاناته من أمراض القلب بالرغم من عدم إحساسه بأي أعراض تشير إلى احتمال إصابته بأمراض القلب. كما أن الضغط هو الآخر ليس له أعراض. ومن الأمراض التي نحذر منها الحمى الروماتيزمية، وهي تصيب الأطفال ولا تظهر إلا بعد عشرين عامًا وربما أربعين عامًا. وهذه تبدأ بالتهاب في الحلق، وهي عبارة عن التهاب بكتيري وليس فيروسيًا. وهذه البكتيريا تصيب صمامات القلب وتحدث تليفات بعد سنوات طويلة تتراوح بين عشرين عامًا وأربعين عامًا. لذا ننصح بضرورة معالجة الأطفال الذين يعانون الالتهابات المزمنة بالحلق والحنجرة، وبخاصة الالتهابات البتكتيرية. وننصح بضرورة المحافظة على الصحة من خلال تناول الأغذية الصحية البعيدة عن الدهون، وعدم التدخين، وممارسة الرياضة، والكشف الدوري على القلب بدلاً من أن ننتظر حتى تتفاقم الأعراض، ما يؤثر بشكل كبير في حياتنا وحياة من حولنا.