شجرة الصبار


بقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: George Pontino, Jr

.ذهب بسام بصحبةِ أبيه لزيارة أحدِ الأقارب في منطقةٍ تكثرُ فيها البساتين والمزارع، وحين خرجا من دار قريبهما قال الأب: لنحاولَ يا بُني أنْ نمشي قليلاً نروض جسمينا. سار الاثنان سعيديْن فمرَّا ببستانٍ فيه أشجارٌ لم يرها بسامٌ من قبل، ورقُها ثخينٌ، وحجمُ الورقةِ بقدرِ كفي رجل، وعلى أطرافِها كتلٌ خضراءُ فيها شاماتٌ سوداءُ وزهراتٌ صغيرةٌ سوداءُ وقد نبتت منها أشواكٌ سوداء.
قال بسام: ما هذا الشجرُ يا أبي فأنا لم أره من قبل؟ فأجاب الأب: إنه نباتُ الصبار، ويسميه بعضُهم التين الشوكي، وفي دولِ الخليج يسمى البرشومي. قال بسام: لقد شرحتَ لنا بعضَ الشيء عن هذا النبات، وأنا على جهلٍ تامٍ به. قال الأب: إنَّ شجرَ الصبار يُعدُّ من النباتاتِ الشوكية، لأنَّ ورقَه وثمرَه تكثرُ فيهما الأشواكُ ولا يستطيعُ الإنسانُ أنْ يحصلَ عليهما بسهولةٍ بسببِ هذه الأشواك. وسأل بسام: وهل يُؤكلُ ثمرُ الصبار؟ وماذا يستفاد من ورقه؟
قال الأب:إنَّ ثمرَ الصبار إذا قشر عنه الغلافُ الشوكي حلوٌ وطيبٌ ويُغري الآكلَ بالاستزادة، لكنّه تكثرُ فيه البذور، فهو يشبه نباتَ الطماطم بكثرةِ بذورِه ويزيدُ عليه، ويُعصرُ هذا الورقُ ويؤخذُ ماؤه ويستعملُ في تغذيةِ بصلاتِ الشعر، فينمو الشعرُ ويطولُ ويتخلصُ من أمراضِه. ويُعدُّ زيتُ حباتِ اللوزِ مع العسلِ وعصيرِ ورقِ الصبّار من أحسنِ المغذياتِ والمنشّطاتِ للشعرِ وقوةِ نمائه. قال بسام:ما دام الصبارُ كثيرَ الشوكِ فكيف يُجنى؟
أجاب الأب:إنَّ شوكَ الصبارِ منه الصغيرُ ومنه الكبير، والصغيرُ يدخلُ في الجسمِ ولا يستخرجُ إلا بصعوبة، لذلك يتعاملُ المزارعون معه بحذرٍ وقد كانوا في السابق يضعون علبةٍ في رأسِ عصا طويلةٍ ويدخلون فيها ثمرةَ الصبار ثم يديرون العصا فتقعُ ثمرةُ الصبارِ وسطَ العلبةِ ويمسكُ المزارعُ بالثمرةِ بوساطة قفازٍ جلدي سميك، وينقلُها إلى سلةٍ من القصبِ ويجعلون السلةَ في مجرى نهرٍ صغيرٍ فتمرُّ المياه عليها فتقشطُ الشوك. قال بسام: وماذا يصنعون بورقِ الصبار؟ أجاب الأب: إنهم يقطعون ورقةَ الصبارِ ثم يمرون على وجهِها بسكينٍ تقشطُ الشوكَ ثم تغسلُ بشكلٍ جيّد وتعصر، ويأخذون عصيرَها لمعالجةِ الشعرِ بالاشتراكِ مع زيتِ اللوزِ والعسل، وأضاف الأب: ويُستعملُ ورقُ الصبارِ لغاياتٍ طبية، إذ يُزالُ الشوكُ عن الورقةِ ثم تشرحُ إلى ورقتيْنِ وتُوضعُ الشريحةُ على موضعِ الألمِ وخصوصًا العصبي منه، وتُربطُ بالشاشِ فيخفُّ الألمُ الموجود.
وأحبُّ أنْ أنبهَك يا بُني ألا تقربََ مزارعَ الصبارِ لأنَّ هبةَ هواءٍ واحدةً تحملُ ما لا يُعدُّ من الأشواكِ الصغيرة التي تدخلُ الجسمَ وتسببُ آلامًا. ولكنَّ الابنَ بسام قد أضمر في نفسِه أمرًا، فما إنْ وصل إلى البيتِ حتى راح يحدِّثُ جارَه وصديقَه أشرف بما حدَّثه أبوه به وعن طيبِ طعمِ ثمرةِ الصبار.
بعدَ يومين اجتمع بسام وأشرف، فقال بسام: ما رأيك أنْ نذهبَ إلى بساتين شجرِ الصبارِ ونتذوقَ ثمرَه، وأمسك يدَه وجره، وسارا حتى وصلا إلى بساتين شجرِ الصبار، فقال بسام: تعالَ ندخلْ ونجلبْ بعضَ ثمرِ الصبار، فقال أشرف: لن أدخلَ، هل نسيتَ وصيةَ أبيك؟ وأصرَّ بسام ودخل بينَ شجرِ الصبارِ ومدَّ يدَه فقطف ثمرةً وهبَّت ريحٌ فحملت الشوكَ من ورقِ الصبارِ ورمته على وجهِ بسام وصدرِه ويديه، فأحسَّ بالألمِ وأراد أنْ يزيلَ الشوك، فمرَّ على بدنِه بيدِه فانغرس في جلدِه أكثرَ وزاد ألمُه فظلَّ يحكُّ بيديه جلدَه فازداد الشوكُ على بدنِه وزاد حكه، فبدأ يركضُ نحوَ البيتِ ودخله وهو يصيحُ، فهرع أبوه إليه مستطلعًا فرأى ولده على حالِه وهو يحكُّ جسمَه, فحملُه إلى المستشفى وأسرع الطبيبُ المسعفُ فحقنه بإبرةِ دواءٍ تمنعُ التحسس، وبأخرى مخدرة، ثم أحضر قطعَ الشاشِ المبللة بالأدويةِ المناسبةِ فمسح له بها جسدَه باتجاهٍ واحد. مضى يومٌ كاملٌ وبسام في المستشفى، وحين خرج منه قال له أبوه: أرايتَ نتيجةَ إصرارِك ؟ فقال بسام بصوتٍ متهدجٍ وعينٍ دامعة: سأكونُ يا والدي إنْ شاء الله عند حُسنِ ظنك. .

.