الدّبُّ الصغيرُ

بقلم: محمد سعيد المولويبقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: George Pontino, Jr

.قالتِ الدّبَّةُ الأمُّ لابنها الدّبِّ الصغيرِ: إنك لم تعدْ صغيرًا، ويجب عليك أن تعتمدَ على نفسك، فأنا لن أبقى إلى جوارِك إلى الأبدِ. فقال الدّبُّ الصغيرُ إني لا أعرف كيف أعتمد على نفسي. فقالت الأمُّ: إن الله قد منحكَ جسمًا قويًا مجهزًا بحواسَّ دقيقةٍ، وأعطاك قوائمَ صلبةً مزودةً بأظفارٍ قويةٍ جارحةٍ، حيثُ إن ضربةً واحدةً من إحداها كافيةٌ لقتلِ عدوِّك. كما منحك أسنانًا قويةً قاطعةً أشبهَ ما تكونُ بالسكاكين الحادةِ. ويجبُ عليك أن تؤمِّنَ طعامَك بنفسِك، وأن تصطادَ الأسماكَ وغيرَها. قال الدّبُّ الصغيرُ: ولكني لا أعرفُ كيف أصطادُ. فقالت الأمُّ: غدًا تمضي إلى النهرِ وتصطادُ كما أصطادُ وسترى أنك تعرفُ.
تحركت الأمُّ نحو النهرِ وطلبتْ من ابنِها أن يلحقَ بها، ولكنه سار بخطى بطيئةٍ، ووقفتِ الأمُّ ونظرتْ إلى ابنها نظرةَ عتابٍ وقررتْ أن تعاقبَه. فأسرعتْ نحوَ النهرِ ودخلتْ في الماءِ وراحتْ تلتقطُ سمكَ السلمون الذي يأتي من البحرِ ويدخلُ في الأنهارِ فيبيضُ ويموتُ. وكانت كلما صادتْ سمكةً نزعتْ جلدَها ورأسَها وحسكَها وأكلتها دونَ أن تطعمَ ابنَها. ووصلَ الدّبُّ الصغيرُ إلى النهرِ ووجدَ أمَّه تصطادُ. وانتظرَ أن تطعمَه ولكنها لم تفعلْ ونزلَ إلى الماءِ وحاولَ أن يلتقطَ السمكَ بأظفارهِ الطويلةِ، ولكن السمكةَ كانت تنزلقُ من يدِه وتعودُ إلى الماءِ، لأن الأظفارَ الطويلةَ والقاسيةَ لا تستطيعُ أن تمسكَ السمكةَ، أما الأمُّ فكانتْ تصطادُ وتأكلُ.
بدأ الظلامُ يحلُّ ولم يصطدِ الدّبُّ شيئًا. فتحركتِ الأمُّ نحو البيتِ. وأحسَّ الدّبُّ ألمَ الجوعِ، فكان يلتقطُ ما يجدُه من ثمارِ التوتِ البري، ولكنه لم يشبعْ، وشكا إلى أمِّه ألمَ الجوعِ. فقالت له ألمْ أقلْ لك اعتمدْ على نفسِك.
لم يستطعِ الدّبُّ النومَ من الجوعِ. وما أن أشرقتِ الشمسُ حتى صاحَ بأمِّه متوسلاً: أنا جائعٌ جدًا، فقومي وخذيني إلى النهرِ وعلميني كيف أصطادُ. فقالت الأمُّ: أأنت جادٌ؟ قال نعم. قالت: اتبَعْنِي واصنعْ كما أصنعُ.
وقفتِ الأمُّ في منتصفِ النهِر وجعلتْ وجههَا نحو مصبِّه في البحرِ متلقيةً الأسماكَ القادمةَ من البحرِ. ولما مرتْ سمكةٌ أدخلتِ الأمُّ يدَها في الماءِ وجعلتها تحت السمكةِ وبسرعةٍ شديدةٍ رفعتها نحو صدرِها، ووضعتْ يدَها إلى جانبِ أختِها فأصبحتِ اليدان تحت السمكةِ ثم ضمتهما إلى صدرِهافصارتا قابضتين على السمكةِ، ثم مدت فمَها إلى جسمِ السمكةِ فأمسكتْ بجلدِها ثم سحبتْه فانكشفَ اللحمُ، وراحت الدّبَّة تقطعُ من لحمِ السمكةِ وتأكلُ.
أحسَّ الدّبُّ بالحماسِ فنزلَ إلى الماءِ ومرتْ به سمكةٌ فأدخلَ يدَه تحتَها ورفعَها ولكنه لم يضمُمْها إلى صدرِه فانزلقتْ إلى الماءِ وفرَّتْ. وأعادً الدّبُّ الكَرَّةَ ورفعَ سمكةً أخرى بيدِه نحو صدرِه بأظفارِه، وضمَّ يدَه الأخرى إلى أختِها وجعلهما مع السمكةِ إلى صدرِه ثم عضَّ السمكةَ من جلدِها وسحبَها بيدِه فانسلخَ جلدُها وراحَ يأكلُها مسرورًا.. وهكذا اصطادَ عددًا من السمكاتِ وأمُّه تراقبُه مسرورةً. وحين اتجها إلى البيتِ وهو ممتلئُ البطنِ قالتْ له أمُّه: أرأيتَ يا بني كيف أنك استطعتَ أن تعتمدَ على نفسِك، وأن تؤمِّنَ حياتَك. واعلمْ أن الحياةَ جِدٌّ وتعبٌ وعملٌ، وأن الكسولَ لا مكانَ عزيزًا له في الدنيا، وإذا لم تكنْ قويًا فإن بعضَ الأقوياءِ سوف يظلموك. فقالَ الدّبُّ: شكرًا يا أمي، وسآخذُ بنصائحِك دائمًا.