في أحوال الطيور ومقاماتها
بلد يتمازج فيه التراث المؤثر في التاريخ الإنساني بين الطير والبشر شبه في الهجرة وطلب الحرية.
مي مظفر*
الطيور ممالك وأمم، أفرد لها الجاحظ عمرو بن بحر بابًا واسعًا يربو على المئة صفحة في كتابه «الحيوان».كائنات اجتماعية تعشق وتكره، تحنّ وتجافي، تحارب وتسالم، تفترس وتُفترس. منها التي تطير على ارتفاعات واطئة، وتبني أعشاشًا هشة في الشجر، وأخرى تحلّق عاليًا وتقيم في قمم الجبال الشاهقة. طيور تلازم البحر، وأخرى تحوم فوق ضفاف الأنهار. تتفاوت أحجامها وقدراتها وأمزجتها. جمالها أخّاذ. تتواصل بالإشارات البصرية كما تتواصل بالصوت والغناء. وقد تتقن الحديث مقلّدة لغة البشر.
أراقب من نافذتي كل يوم سربًا من طيور تمضي منطلقة في حركة دائرية من سطح الدار المقابلة. تحلق داخل مساحة محدودة وقريبة من مكان سكناها، ثم تعود، ودائمًا في حركة دائرية منتظمة لا تخرج فيها عن طاعة مدربها، تهبط ثانية بعدها إلى سطح الدار لتخرج في جولة ثانية أو تركن إلى القفص الذي تقيم فيه. مع الغروب، حتى من غير مدرب، تمضي الطيور في حركة منتظمة، تتجمع وتسير خلف قائدها في دوران يطول أو يقصر تبعًا لخفوت الضوء، تمهيدًا للركون إلى الأعشاش.
ومن أغرب الغرائب طقوس هجراتها القصيرة أو الطويلة التي تقطع فيها مسافات شاسعة في مواسم خاصة. فلا خلاص إلا بالعبور من مكان إلى مكان. وعلى الأرض تزدحم المطارات بالمهاجرين من البشر، تراهم على ظهور المراكب الشرعية وغير الشرعية يقطعون عباب الأنهار والبحار، يختبئون في أعماق الشاحنات وقد يقطعون الجبال سيرًا على الأقدام، طيور بشرية تهاجر بحثًا عن الأمان:
أيها الطائر المسرع نحو المجهول،
تمهّل
ريثما أجمع أشتاتي وأتبعك
كلانا معلّقٌ بين الأرض والسماء
كلانا مشنوق بفضاء لا متناهٍ.
.....
واقفًا على كتفه اليمنى،
ماذا يقول العندليب للبستاني؟
بأيِّ لغة يتحدثان؟
الطائر الثرثار يصغي إلى القول ويعيد
عينا البستاني تترقرقان
لعله يتذكّر أرضه المحترقة النائية.
.....
بيتُك في كل مكان
السماء.. الأرض.. الشجر.. المياه
فعلام تلوذ بأركان القباب الزرق
ساعات المطر!
....
مع الغروب يشيع لغطٌ
ترتبك العصافير.. تسرع نحو أعشاشها
يدور الحمام فوق أسطح البيوت القديمة
البلابل ثرثارة
والطيور المهاجرة تملأ السماء بسوادها
هذه الكائنات يُفزعها الظلام.
....
غريبًا أنتَ في أرض غريبة
تحلّق ربما أو تستكين..
إنما أنت الغريبُ على كل فضاء
فلا تحزن
«إنّ الغريبَ من الله قريب.»
شاعرة وناقدة عراقية.
|