المكتشفات الأثرية في قصور عروة
التنقيبات الحديثة كانت بالقرب من وادي العقيق الذي يعد أشهر أودية المدينة المنورة.
د. خالد بن محمد أسكوبي
يقع موقع التنقيب إلى الجنوب الشرقي مما يسمى بقصور عروة بوادي العقيق، وهو عبارة عن تل أثري متوسط الارتفاع تنتشر على سطحه الكسر الفخارية والحجارة البركانية السوداء. ويُعد الوادي من أشهر أودية المدينة المنورة، وهو جزء من تاريخها، حيث ذكرته العديد من المصادر التاريخية والجغرافية والدينية.
وسمي وادي العقيق بذلك لأن سيله عق في الحرة أي شق. وتدل الكتابات والآثار القائمة على وجود استيطان موغل في القدم، حيث تقوم على ضفافه بقايا قصور ترجع للعصرين الأموي والعباسي والتي من أشهرها قصر عروة بن الزبير، وقصر سعيد بن العاص، وقصر مروان بن الحكم، وقصر سعد بن أبي وقاص، وقصر سكينة بنت الحسين، ويمكن تصور وادي العقيق من خلال ما ذكرته المصادر بمساحة خضراء تقوم على ضفافه المزارع الخصبة والحدائق التابعة لقصوره.
في العصر العثماني كان خط سكة حديد الحجاز يمر على جسر يصل ضفتي الوادي، كما يقع على الوادي سد عروة وسد الغابة.
يصل طول وادي العقيق إلى 80 كم، ويراوح عمق مجراه بين 10 أمتار و100 متر، بعرض يراوح بين 100 متر و150 مترًا، كما يُعد مصرفًا طبيعيًا لمياه السيول والأمطار لمساحة بنحو 4000 كم مربع، حيث تصب فيه روافد طبيعية من الأودية والروافد تزيد على 40 واديًا.
التنقيبات الأثرية الأولى
قام قطاع الآثار والمتاحف بالهيئة العامة للسياحة والآثار خلال موسمين متتاليين بتنفيذ تنقيبات أثرية بالقرب من وادي العقيق في الجهة الجنوبية الشرقية مما يسمى حاليًا بقصور عروة، وهو عبارة عن تل أثري متوسط الارتفاع تنتشر على سطحه الكسر الفخارية والحجارة البركانية السوداء. حيث اكتشفت لأول مرة آثار لقصر تبلغ مساحته 40م×30م تقريبًا، وقسِّم العمل فيه إلى خمسة مربعات تم خلالها الكشف عن تعاقب طبقي وعناصر معمارية ومعثورات أثرية فريدة ومتنوعة تعود للفترة الأموية في القرن الأول الهجري.
العناصر المعمارية
تم الكشف عن أساسات معمارية تمثل ثماني وحدات لغرف موزعة داخل القصر تبلغ مساحاتها 3.50×3م، تفتح مداخل الغرف على فناءين يقع الأول منهما في الجهة الشرقية ويبلغ طوله 9 أمتار، أما الآخر فيقع في الجهة الغربية وتبلغ مساحته 4.20×5.60م.
بنيت جدران القصر بالحجارة البركانية، بسمك يبلغ 50سم، ويبلغ أقصى ارتفاعها 60سم، كما يبلغ عرض مداخل الغرف 90سم. وتغطي جدران القصر لياسة طينية في بعضها، بينما تغطي بعضها الآخر اللياسة الجصية، وتغطي معظم الوحدات المكتشفة الأرضيات المدكوكة بالطين.
الوحدات المكتشفة
تم العثور على كميات من بلاط الآجر ذي الأحجام المتفاوتة، كما كشف عند مداخل الوحدات عن عتبات حجرية مشذبة.
المعثورات الأثرية
تم الكشف على معثورات متنوعة منها على سبيل المثال:
أ- الفخــــار:
تم العثور على كميات من الفخار المتنوع، منها الفخار العادي الذي يُعد الغالب من بين الفخار المكتشف، وهو ذو ألوان مختلفة منها الأحمر والأصفر والمائل للون البرتقالي، وتعود هذه الكسر لآنية متفاوتة الأحجام والاستخدامات بعضها يعود لجرار وقدور وأزيار، وبعضها الآخر يعود لجرار متوسطة وأباريق، كما عثر على كسر تعود لأوان صغيرة كالأكواب والصحون. تضم بعض الكسر المكتشفة زخارف متنوعة. كما عثر على كسر من الخزف ذي البريق المعدني الذي يُعد من أهم المكتشفات الفخارية في الموقع لما يمثله من تطور في صناعة الخزف الإسلامي خلال القرنين الأول والثاني الهجريين، والذي يماثل الخزف المكتشف في موقعي المابيات والربذة الإسلاميين. كذلك عثر على كسر من الفخار المزجج تمثل أجزاء لحواف أوان وأبدان وأجزاء من أكواب صغيرة ومتوسطة الحجم.
ب- الزجاج
تم العثور على كميات من كسر الأواني الزجاجية تعود لأكواب وقوارير وأوان متفاوتة الأشكال والأحجام، صنع بعض أنواع تلك الكسر بطريقة النفخ والنفخ بالقالب، وتحمل بعض تلك الكسر زخارف على أبدانها وهي ذات ألوان متعددة منها الأزرق والأخضر، ومنها كذلك الزجاج المعتم والشفاف.
جـ- الأدوات الحجرية
تم العثور على مجموعة من الأدوات الحجرية المكتملة وشبه المكتملة وأجزاء من أوان، ومن تلك الأدوات رحى من الحجر البركاني وقواعد لآنية ومساحن مكتملة.
د- أواني الحجر الصابوني
وكان من ضمن المعثورات المكتشفة لهذا الموسم أدوات من الحجر الصابوني جاءت منها أدوات مكتملة وشبه مكتملة وأجزاء لأوان وأدوات، منها مسارج، وأجزاء من أواني الطهي وحفظ الأطعمة، والمسنات، وقواعد لمباخر. وتحمل بعض تلك الأدوات زخارف بالحز.
هـ- معثورات دقيقة
كما تم العثور على بعض أدوات معدنية قد تكون قد استخدمت لأغراض الزينة ومنها طبق صغير من البرونز وقدم إنسان من البرونز قد تكون قاعدة لإناء. فضلاً عن خرزة دائرية الشكل من الحجر الكريم وعلى حلي من المحار والقواقع البحرية.
وأكدت نتائج الدراسات الأولية للعناصر المعمارية المكتشفة والمعثورات الأثرية أن القصر يرجع إلى القرن الهجري الأول، وأنه جزء من المنظومة الحضارية لوادي العقيق المبارك.