التهاب المفاصل

أسبابه لا تزال مجهولة.. و%30 من المرضى يشفون شفاءً تامًا.

د. ضياء الحاج حسين | استشاري أمراض الروماتيزم
زميل الكلية الأمريكية للروماتيزم

الروماتيزمية شائعة الحدوث، وهي من الكثرة حيث يكاد لا يوجد شخص إلا وقد أصيب في فترة من حياته بأحد هذه الأمراض. ويعاني المصاب بها، عادة، آلامًا مبرحة تقض مضطجعه وتمنعه عن الحركة والنوم. يُعرف الروماتيزم باللغة العربية بالرثية، ولكنني سأستعمل كلمة روماتيزم هنا لأنها أكثر رواجًا عند الناس. فالروماتيزم اصطلاح عام لوصف أي اضطرابات مؤلمة للمفاصل والعضلات، وبعض أنسجة الجسم الأخرى. ولكن التهاب المفاصل نظير الرثوي (الروماتويد) هو مرض التهابي يصيب معظم المفاصل كما يصيب أجهزة أخرى. ويعد الروماتويد أكثر الأمراض الروماتيزمية انتشارًا بعد الفُصال العظمي (خشونة المفاصل). كما أنه أكثرها شدةً وألمًا، حيث إنه يؤدي إلى تدمير المفاصل وتشوهها إذا لم يُعالج مبكرًا. ويعد مرضًا مناعيًا أي عندما تبدأ العملية الإمراضية. فإن بعض الأجسام المضادة وخلايا الجهاز المناعي للجسم تعمل بنشاط زائد في الروماتويد، فتهاجم النسيج المفصلي، وبالتالي تحطم الجهاز المناعي نفسه، لذلك سُمي بالمرض المناعي الذاتي. وهذا النشاط قد يسبب لاحقًا التهابًا مستمرًا لباطن المفصل (التهاب الغشاء المفصلي). ويتصف الروماتويد بأنه التهاب مزمن يصيب عدة مفاصل، وهو يبدأ عند حوالي ثلثي المرضى تقريبًا بشكل تدريجي، مع تعب وضعف عام، مع أعراض عضلية هيكلية مبهمة، إلى أن يبدو الالتهاب الزلالي واضحًا. وقد تستمر هذه العلامات المبهمة أسابيع أو شهورًا متحدية التشخيص.

أما الأعراض الخاصة فإنها تظهر عادة بشكل تدريجي بحيث تصيب مفاصل متعددة، خصوصًا مفاصل اليدين والمعصم والركبة والقدمين، وتكون الإصابة متناظرة. كما أنه يصيب الكبار فهو كذلك يصيب الأطفال حتى في السنوات الأولى من أعمارهم. لذا يجب على الأم الانتباه إلى بعض الأعراض التي يشكو منها الطفل مثل آلام المفاصل، والانتفاخ، والتيبس الصباحي. ويمكن أن يصيب الإنسان في أي مرحلة من مراحل العمر. ولكن 80% من المرضى ما تكون الإصابة بين سن (25 إلى 35). وهو يصيب النساء أكثر من الرجال، وترتفع نسبة الإصابة إلى ستة أضعاف عند النساء بين سن (60 إلى 64). وقد يكون التأهب للمرض وراثيًا، حيث ثبت علميًا أن نسبة كبيرة من المصابين بالروماتويد يملكون فئة خلوية خاصة موجودة على سطح الخلايا، وهي غالبًا تكون من نوع HLADR4.).

وفي بعض العوامل قد يصاب عدة أشخاص بالمرض وتزداد نسبته إلى أربعة أضعاف عند الأقارب من الدرجة الأولى، ولكن قد يتجاوز هؤلاء الأقارب فيصيب الجيل الثاني مثل ابن البنت، أو ابنة الابن، وفي بعض الأحيان قد لا يصيب المرض أحدًا في العائلة غير هذا المريض. أما سبب الروماتويد فما زال مجهولاً، ويعتقد بأنه قد يكون ظاهرة ناتجة عن عنصر التهابي عند الشخص المهيأ وراثيًا. وقد اقترح عدد من العوامل السببية المحتملة، وهي تشتمل على الفطريات والحميات (فيروسات)، مثل حمى أبشتاين بار، والحمى المضخمة، وحمى الحصبة الألمانية، ولكن لم يثبت دليل قوي مقنع على أن أيًا من هذه العوامل يسبب الروماتويد. وهناك بعض العوامل التي تلعب دورًا مهمًا في تفاقم المرض، أو حدوث النوبة الحادة ومنها الصدمة النفسية أو الجسدية. ففي أثناء متابعتي لكثير من المرضى عن مدى التأثير النفسي على المرض وجدت أن نسبة كبيرة منهم قد حدثت له صدمة نفسية قبل حدوث المرض بعدة شهور مثل وفاة أحد الأقارب، والطلاق، وعند تخلي الأبناء أو البنات عن المريض، أو إسكانهم في مأوى العجزة. إن المصاب بهذا المرض، أيضًا، تزداد شدة مرضه عند تعرضه لصدمة نفسية. لذلك كان لابد من الابتعاد عن الاضطراب النفسي، والغضب، والانفعال. ولا ننسى دور الغذاء في الروماتيزم. فقد يشعر بعض المرضى بشعور أفضل عند تجنب بعض أنواع الأطعمة مثل القمح، أو منتجات الألبان، أو الفواكه الحمضية، أو اللحم الأحمر. ويمكنك معرفة تأثير الغذاء فيك وذلك بتناول الأطعمة التي لا تسبب حساسية مثل الأرز، والجزر، والكمثرى، والسمك، ثم تضيف تدريجيًا صنفًا آخر من الأطعمة كل عدة أيام. ولا تنس تسجيل أي تطور للمرض، وذلك لكي تتمكن من استبعاد الطعام المسبب للألم. ومن الطريف ما لاحظه بعض الباحثين من قلة انتشار الروماتويد في الإسكيمو، وفُسِّر ذلك بتناولهم السمك فقط. وعلى كل حال إذا أردت عمل حمية معينة لفترة طويلة فلا تجتهد بأسلوبك الخاص، وإنما يجب استشارة الطبيب أولًا، لأنك ربما تحتاج إلى فيتامينات، أو معادن إضافية. بعض المرضى يعتقد بأنه لا يمكن الشفاء من الروماتويد، لكن وجد أنه من كل 100 مريض يشفى 30% شفاءً تامًا بعد سنوات قليلة بإذن الله، و 5% طورون مرضًا شديدًا قد ينتج عنه إعاقة. وإن أهداف العلاج الحديث هي تسكين الآلام، والحفاظ على القدرة الوظيفية وتحسينها، والوقاية من التشوه، وتصحيح التشوه الموجود، وأخيرًا وقف تقدم المرض إن أمكن. من أهم النصائح التي يجب أن يأخذ بها مريض الروماتويد الاتصال بالطبيب المختص المعالج فور حدوث أي تأثيرات جانبية للأدوية، أو عند حدوث أعراض مرضية جديدة تصيب المريض لأول مرة. وينصح المريض بعدم تناول البروتينات، أو الإقلال منها، والإقلال من القهوة، والسكريات. ويمنع عنه نهائيًا شرب المياه الغازية، وتناول مكسبات الطعم واللون والرائحة . كما لابد من الحفاظ على الوزن المثالي، لأن زيادة الوزن للمريض تمثل عبئًا إضافيًا على المفاصل الملتهبة، وبخاصة مفاصل الكعب والركبتين، وعدم تعرضه للقلق طالما كان تشخيص المرض مبكرًا والالتزام بتناول الدواء وكميته. ولابد من الالتزام بالراحة التامة عند حدوث نشاط للمرض، لأنها تمنع نشاط العوامل المؤكسدة للمفاصل، والتي تزيد من الالتهاب، حيث تزيد الحركة من نشاط الدورة الدموية للمفصل

.