![]() |
||||||||
![]() الرخام
بقلم: محمد سعيد المولوي .بُنِيَ مسجدٌ جديدٌ في مدينةِ مسعود، فذهبَ مع ابنهِ للصلاةِ في المسجدِ، وذُهلَ الاثنان بما رأيا من جمالِ المسجدِ وروعةِ تصميمهِ ودقةِ تنفيذهِ. وقد استرعى انتباهَ ولدهِ كثرةُ الرخامِ الفتَّان الذي غُطِّيتْ به الجدرانُ وفُرِشَ في الأرضِ. لكن أكثرَ ما أثارَ الانتباهَ عمودان من الرخامِ الأبيضِ أقيما على طرفي المحرابِ وقد أنيرا من داخلهما فكأنهما عمودان من النورِ، فكان منظرهُما يأخذُ بالألبابِ. كما أن بقيةَ أنواعِ الرخامِ الموجودةِ كانت من الروعةِ بمكانٍ. وقد التفتَ حسنٌ إلى أبيه مسعود وسأله: كيف هذان العمودان منيران؟ فهل هما من الزجاجِ؟ضحك الأبُ وقالَ: إن العمودين ليسا من الزجاجِ، بل هما من رخامٍ اسمه: الألاباستر أو الأونيكس، وتشتهرُ به عدةُ بلادٍ منها مصرُ، وباكستانٌ، والهندُ، وإيطاليا. وهذا النوعُ من الرُّخامِ يُقتطعُ من مناجمَ خاصةٍ، حيث تُقطَّعُ قطعٌ كبيرةٌ يختلفُ طولُها وعرضُها بين مترٍ ومترين ونصفٍ، ثم يُسَلّطُ على هذه القطعِ الكبيرةِ منشارٌ من الماس فتُقطّعُ إلى ألواحٍ على أطوالٍ مختلفةٍ، تختلف بين سنتيمترين وخمسة سنتيمترات، أو تقطّعُ القطعةُ إلى قطعٍ سميكةٍ قد يبلغُ ثخنُها 20 سنتيمترًا، ويختلفُ الطولُ بحسبِ الحاجةِ. وقد تقطّعُ القطعُ إلى مربّعاتٍ أو مستطيلاتٍ قد يبلغُ طولُ الواحدةِ منها 80 سنتيمترًا، وتستعملُ في كسوةِ الجدرانِ أو الأراضي أو يصنعُ منها
![]() وقالَ الابنُ: أنت قلتَ إنهم يقطعون الحجارةَ الكبيرةَ من المناجمِ، فكيفَ يتمُّ ذلك؟قال الأبُ إن ذلك يتمُّ بطريقتين: الأولى: أن يعمدَ من يريدُ قطعَ الحجارةِ إلى اعتلاءِ الحجرِ المقصودِ ويأخذُ إزميلاً من الحديدِ ومطرقةً ويحددُ مناطقَ معينةً على الحجرِ، ثم يأخذُ يضربِ على الإزميل ضرباتٍ متتابعةً كأنها إيقاعٌ موسيقيٌّ فتعطي رنينًا. والرنينُ يتعاظمُ شيئًا فشيئًا فيسببُ انقسامَ الحجرِ. ولا تستغربُ هذا الأمرَ. فإنَّ فرقةً عسكريةً في فرنسا مرَّتْ فوقَ جسرٍ، وكانتْ تمشي مشيةً نظاميةً عسكريةً، فسببت ضرباتُ أحذيتها طنينًا سبَّبَ انهيارَ الجسرِ بمن عليه من الجنود. وفي الحروبِ ينصحُ الناسُ بتركِ نوافذِهم مفتوحةً، فإن الضغطَ وطنينَ الهواءِ اللذين يحصلان بانفجارِ القنابلِ يسببان انكسارَ الزجاجِ وتُخلعُ الأبوابُ والنوافذُ. أمّا الطريقةُ الأخرى فتكونُ بإحضارِ حفارٍ آليٍّ يكونُ له إزميلٌ طويلٌ فيخرقُ به الصخرَ في أمكنةٍ متعددةٍ، ثم تجرَّبُ طريقة الرنينِ عن طريقِ الثقوبِ التي أحدثتها الحفاراتُ فتنقسمُ الصخرةُ على خط الثقوبِ. وهكذا يا بُني فإن اللهَ تعالى سخَّرَ هذا النوعَ من الحجارةِ لسعادةِ الإنسانِ بجماليته. أخيرًا لا يفوتني أنْ أذكرَ لك أن هذا النوعَ من الرُّخامِ من أغلى الأنواع، لأن هذهِ الحجارةَ تتشكلُ نتيجةَ ضغطٍ شديدٍ ودرجةِ حرارةٍ تصل إلى 1000 درجة تقريبًا، فتتبلور ذراته. وهو قليلٌ في العالمِ، واستخراجُه يكلفُ جهدًا ومالاً كثيرين. وهي تحتلُ قصورَ الرؤساءِ والأثرياءِ والملوكِ. | ||||||||
![]() |
![]() |
![]() |