كان ألكس طفلاً في الخامسة من عمره، يمتلك شخصية مفعمة بالحيوية مثل بقية أقرانه، لكن معلماته في روضة الأطفال رفضن قبول هذه الحيوية والاعتراف بكونها نشاطًا طبيعيًا. تقول والدته سوزان غيورليو: «لقد بذلت المعلمات أقصى جهدهن لتهدئته لأنهن رفضن قبول كثرة حركته ونشاطه الزائد، بل واعتقدن أن قدراته الدراسية لم تصل إلى مستوى قدرات الطالب المتوسط، وذلك على الرغم من استطاعته التمييز بين الألوان كافة، وأحرف الأبجدية كاملة، إضافة إلى قدرته على عد الأرقام من 1 إلى 100». تتحدث سوزان، وهي اختصاصية في علم نفس الطفل، فتؤكد أن طفلها ليس مصابًا بأعراض اضطراب نقص الانتباه والنشاط الحركي الزائد، لكن مشكلات ألكس السلوكية لم تنقطع وظل قصور أدائه الدراسي على حاله دون تطور يذكر.
وهكذا هو حال كثير من الأولاد في مدارسنا، إذ تقول الإحصائيات إن عدد من يطرد من الأولاد من المدارس في مرحلة رياض الأطفال يبلغ أربعة أضعاف أعداد البنات، كما أنهم يوسمون كثيرًا بالإصابة بالتأخر الدراسي وصعوبات التعلم في فترة من فترات حياتهم التعليمية، وذلك مقارنة بالبنات اللاتي أثبتن تفوقًا على نظرائهن من الأولاد في اجتياز الاختبارات القياسية لمهارات القراءة والكتابة لسنوات طويلة حتى اليوم. كما أنهن قد تمكن في السنوات الأخيرة من اللحاق بالأولاد المتفوقين في مادة الرياضيات، بل التفوق عليهم في المواد العلمية أيضًا. في واقع الأمر، تزداد الفجوة بين الجنسين فيما يخص التفوق الدراسي عامًا بعد عام. كما يتأخر الأولاد في تحصيل أغلب المواد تقريبًا عندما يشرعون في الدراسة في المرحلة المتوسطة، وتكون فرصتهم في ترك مقاعد الدراسة أربعة أضعاف فرص البنات. اليوم، تبلغ نسبة النساء الدارسات في الكليات المختلفة بالولايات المتحدة الأمريكية نحو 58% من مجموع الدارسين بها، وهن يحصدن أغلب الدرجات العلمية مثل الدبلوم، والبكالوريوس، والماجستير.
وكشفت الدراسات عن فروق مثيرة للاهتمام بين تكوين مخ البنات والأولاد في سن الرابعة. بصفة عامة، ثبت أن الفص الأمامي من مخ البنات، وهو الجزء المسؤول عن التحكم في الحركة اللاإرادية، أكثر نشاطًا منه في أدمغة الأولاد، كما يكتمل نموه في سن مبكرة. كذلك، تستطيع أدمغة الأنثى إفراز كميات أكبر من السيروتونين، وهي مادة كيميائية توجد في الدماغ من شأنها دعم القدرة على ضبط النفس.
أغلب الظن أن الكثيرين منا قد اكتسبوا مهارة القراءة في الصف الأول الابتدائي. أما اليوم فيتوقع من الأطفال إجادة هذه المهارة عند انتهائهم من مرحلة رياض الأطفال. وعلى الرغم من اختلاف معايير التعلم، إلا أن تكوين الأطفال وما جبلوا عليه لم يطله التغيير، كما يبدو أن الدفع باتجاه إجادة القراءة في سن مبكرة يشكل عقبة تقف في طريق الأولاد أكثر من البنات.. لكن، ما هي الأسباب التي تؤدي إلى ذلك؟
أثبتت دراسة موسعة كانت قد أجرتها جامعة فيرجينيا تك، ومقرها بلاكسبرج أن الجزء المسؤول عن تعلم اللغة في مخ ذكر يبلغ من العمر خمس سنوات يقترب من تكوين الجزء المماثل في مخ أنثى في الثالثة والنصف من عمرها. (على النقيض من ذلك، فإن المنطقة المسؤولة عن تعلم الرياضيات والهندسة في مخ الأولاد تنمو قبل نظيرتها في مخ البنات). إضافة إلى ذلك، فإن حث الأولاد على ممارسة القراءة قبل اكتمال نموهم الحيوي، من شأنه أن يؤتي ثمارًا سلبية ويجلب الضرر أكثر من جلبه للنفع. في السنوات الأولى من العمر، تتألق الفتيات أداء في فصولهن الدراسية، في حين يشقى الأولاد في محاولة اللحاق بالفتيات ومجاراتهن، ما يصيبهم بالإحباط واليأس.
اللعب في الفسحة
من شأن اللعب الحر أن يعطي للأطفال الفرصة للتخلص من الطاقة الزائدة، إضافة إلى تعزيز علاقاتهم الاجتماعية المهمة، وهو يساعد الأولاد، على وجه الخصوص، على ضبط النفس. وفقًا للجمعية الوطنية لتعليم الأطفال الصغار، وهي مجموعة مناصرة لحقوق الأطفال ومقرها واشنطن العاصمة، فإن اللعب الحر يساعد، أيضًا، على تحسين الذاكرة والقدرات اللغوية للأطفال. في الوقت الذي تقوم فيه بعض المدارس بتخفيض نسبة أوقات اللعب، أو حذفها نهائيًا من اليوم الدراسي بذريعة إحراز مزيد من التقدم العلمي.
دع طفلك يمارس ما يحبه
سواء كان طفلك يحب اللعب بأشكال الديناصورات، أو الشاحنات، أو ممارسة كرة البيسبول، فالمقصود هنا أن لكل طفل من أطفالنا شغفًا أو هواية، وهو ما يجب أن يدعمه ولي الأمر، وذلك من خلال جلب الكتب التي تتناول هذه الهواية والاطلاع عليها، إضافة إلى اصطحاب الابن لزيارة المتاحف، والمكتبات، والسماح له ببناء النماذج المصغرة من التكوينات الحقيقية، ومشاهدة الأفلام الوثائقية. في هذه الحالة، سوف يختار الطفل تعلم اللغات ذات القيمة، والرياضيات، والعلوم، والدراسات الاجتماعية، كما سيصبح متعلمًا شغوفًا يمتلك الرغبة في الدراسة والمعرفة. يمكن لولي الأمر، أيضًا، الاتصال بالمدرسة لاقتراح بعض الطرق والأساليب التي تتيح لها دمج ما يشبع هوايات الأطفال في مناهجها الدراسية.
امنح الطفل وقتًا للراحة
على الرغم من أن أولياء الأمور يحرصون على تشجيع أولادهم على مواصلة التعلم في المنزل، فإن الأفضل أن يقاوموا رغبتهم هذه في أن يمارس الأطفال القراءة أو كتابة الأحرف بعد عودتهم من المدرسة مباشرة. بعد يوم طويل في الفصول الدراسية، يكون الأولاد بحاجة إلى بعض الوقت للعب والاستمتاع بأي نشاط بهيج. في السياق ذاته، دع ابنك يمارس أي نشاط مثل تسلق الارتفاعات، ورمي الكرات، وركوب الدراجة، أو إطلاق الأطواق على أهداف بعينها، أو أي شيء يرغب فيه. إن مثل هذا النشاط والحركة من شأنه أن يسهم في زيادة وعيه ويقظته عندما يحين وقت العمل.
السن الافتراضية للروضة
يزداد التوجه نحو تأخير التحاق الأطفال بالروضة لمدة سنة ذيوعًا يومًا بعد يوم. ويهدف هذا التوجه إلى منح الأطفال مزيدًا من الوقت للنضج التعليمي والاجتماعي، وهو ما قد يفهمه الأطفال ويتفاعلون معه إيجابًا. يمكن لولي الأمر أن يتحدث مع معلم الروضة لقياس مدى استعداد الطفل للانتقال للمرحلة التعليمية التالية، فإذا لعب مع أقرانه لعبًا جيدًا هادئًا، وأبدى اهتمامه بالكتب، والأحرف، والأعداد، واستطاع التركيز في حل الألغاز، أو رسم لوحة لمدة لا تقل عن خمس دقائق، فإنما يدل هذا كله على استعداده وقدرته على الانتقال للمرحلة التالية.
.