![]() |
|||||||||
كهف جانين العبور إلى الماضي
تنتابك قشعريرة الخوف، وتتداعى إلى مخيلتك صور كائنات مرعبة عندما تهم بالولوج إلى كهف جانين في حائل، لكثرة ما نسج حوله من أساطير وخرافات وقصص مختلقة تروى على مدى التاريخ ويتداولها العوام حول هذا الكهف الاستيطاني العميق، شدة غموضه تشدك إليه وتسحرك تلك الالتواءات والانحناءات الصخرية وتكسرات الظلمة والنور في دهاليزه المليئة بالنقوش، والكتابات، والرسومات الأثرية الجميلة تدعو فضولك للولوج أكثر فأكثر حتى في أشد جنباته عتمة، وتحرك فيك روح المغامرة لسبر أغواره، ناهيك من نسماته الباردة الرطبة التي تدغدغ وجنتيك إعداد وتصوير: عبدالعزيز محمد العريفي لا شك أن طبيعة المملكة الصحراوية لم تعد تشكل عبئًا أو عائقًا سياحيًا بعد تنامي المدارك لاكتشاف جمالياتها وتنوعها الطبيعي الجاذب للسياحة. فالماء والخضرة ليسا بالضرورة الوجه الوحيد للجمال الطبيعي، لأن الصحراء العربية لا تزال تزخر بالمناظر الخلابة بكثبانها الذهبية، ووديانها السحيقة، وجبالها الشامخة، فضلاً عن كنوزها الأثرية، ما يتيح إمكانية تسخير بعض المواقع الطبيعية وتطويعها صناعيًا لتغدو أماكن جذب سياحي وترفيهي يرتادها السواح طوال العام، وتضمين ذلك الجوانب الاقتصادية، والاستثمارية، ما يشكل دخلاً لا يستهان به يعين على دفع عجلة المشاريع التنموية الأخرى يقع جبل جانين شمال شرق مدينة حائل، ويبعد عنها بنحو 70 كيلو مترًا بين منطقتي فدك وجلدية المشهورتين، ويعد الجبل الأشهر في شرق حائل. وهو عبارة عن ثلاثة جبال تتكون من الصخور الرملية أكبرها الجنوبي وهو الذي يمتد داخله كهف جانين بدهاليزه وممراته المتعرجة، والتي قد تمتد داخل الجبل إلى أكثر من سبعين مترًا. وله عدة فتحات في سقفه تخلق تكسرات ضوئية خلابة تساعد على الرؤية داخله، ومتابعة النقوش والكتابات على جوانبه، خصوصًا تلك الموغلة في القدم ربما لآلاف السنين، والتي توحي ببدايات الإنسان الأول ساكن الكهوف. كما أنك تجد الكتابات الثمودية والحبشية تكاد تطغى على الكتابات الأخرى. ورسومات الحيوانات كالغزلان والنعام، فضلاً عن الإنسان، بعضها نقش باحترافية ودقة تؤكدان أن المنطقة شهدت حضارات عظيمة لا يمكن تجاوز دورها في تقدم الإنسانية، خصوصًا في تطور اللغات والكتابة جانين في التاريخ موقع سياحي متميز وقد قامت جامعات عدة من داخل المملكة وخارجها بدراسة الكتابات والرسومات التي يزخر بها كهف جانين وتوثيقها كإرث إنساني ربما يقود إلى وصل بعض الحلقات التاريخية المفقودة. فالكتابة تعد، بلا مبالغة، المحرك الأقوى للحضارة. فتبنِّي مثل تلك الدراسات المهمة هو بلا شك يقع على عاتق مؤسساتنا العلمية، وجامعاتنا التي تزخر بالكفاءات القادرة على استنباط محاور معرفية مهمة لحضارتنا بوجه خاص، وللحضارة الإنسانية بشكل عام. ويكون دور المؤسسات العلمية العالمية دورًا إشرافيًا يعتمد على دراساتنا نحن لا أن ننتظرهم ليقوموا بالمهمة نيابة عنا والفوز بقصب السبق، كما حصل ذلك فعلاً في الكشوفات الأثرية العظيمة، والدراسات التاريخية المستفيضة التي أعقبتها من قِبَل علماء ومستشرقين أجانب في كثير من الدول العربية. لقد راعنا ما آلت إليه تلك الوجهة السياحية المهمة من إهمال غير مقصود كان من نتيجته أن طالتها أيدي العابثين برشاشات الصباغ وغيرها، وشوهت معالمهما بعفوية الجهل وثقافة الانغلاق. وأنا على يقين أن غالب من قام بذلك العبث والتشويه هم من السياح، ويدل على ذلك استعمالهم لأدوات وأصباغ حديثة. فأهل البلاد الأصليون لم يكونوا ليفعلوا ذلك وقد عاشوا وتعايشوا مع تلك الآثار ردحًا من الزمن ولم ينالوها بسوء. لذا يبقى الوعي وثقافة السياحة هما المعول عليهما للحفاظ على تلك الآثار القيمة قبل الحراسة وإقامة الشباك ويجب أن تبدأ التوعية من الصفوف الأولى للدراسة، كأن تكلف إحدى الجهات المسؤولة ويناط بها مهمة وضع برامج وآليات وصياغتها وتبنى على أسس منهجية لتثقيف النشء، خصوصًا في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، وتعمل على إعطائهم فكرة عن مفهوم السياحة وأخلاقياتها، وإذكاء الوازع الديني والحضاري في أذهانهم عن مدى أهمية الآثار والأماكن السياحية والمحافظة عليها، فضلاً عن أخلاقيات التعامل مع السياح بأسلوب توعوي مبسط تغلب عليه اللغة ذات السمة التربوية والتثقيفية والطابع الديني لا أن تكون بلغة تؤول إلى نتائج عكسية، ومحاولة توظيف ذوي المواهب من الأحداث في هذا الشأن كهواة التصوير مثلاً، والرسم، والتصميم، والكتابة لتكتمل بذلك الصورة المثالية عن السياحة في مخيلتهم
|