عصفور الزينة

بقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: George Pontino, Jr

جاء والد سليم إلى البيت حزينًا مهمومًا وارتمى على الأريكة متعبًا وغطى وجهه بيده. نظر سليم إلى والده فاعتراه الحزن لمنظره وقبَّل رأسه وقال: ما بالك يا والدي أراك حزينًا؟ نظر الأب بعينين بائستين إلى ولده وقال: لا شيء، فقال سليم: كيف وأنا أرى وجهك! بالله عليك خبرني ما بالك؟ قال الأب بصوت خافت: لقد أحلت إلى التقاعد، والراتب بعد خدمة ثلاثين سنة قليل، وهو لا يكفي لطعامكم، ولست أدري من أين سأقدم لك مصروف دراستك! فقال سليم: يا أبتي لا تحزن، فالرزق على الله، وهو لن ينسانا، فلا يحزن من كان رزقه على الله، فقام الأب وقبَّل ابنه وقال له: أعدت إلي ما نسيت.
خرج الأب من الغرفة وعاد سليم إلى منضدة دراسته, ولم تمض فترة طويلة حتى أحس بشيء قد مرَّ عبر الشباك، وسمع صوت ارتطام بالحائط، فدهش وقام ليرى ما الأمر، فشاهد عصفورًا ملونًا بألوان زاهية مختلفة يقبع على الأرض من أثر الصدمة، واقترب سليم من العصفور فلم يتحرك من أثر الصدمة، وأمسك به فانكمش في يده فراح يمسح بيده عليه حتى هدأ روعه ثم مضى به إلى أبيه فروى له كيفية حصوله على العصفور فقال الأب: ربما كان العصفور فارًا من شاهين أو غراب يريد اصطياده أو من هرٍّ يريد القضاء عليه، لذا كان فزعًا ودخل الغرفة خائفًا. سأل سليم أباه ماذا يصنع بالعصفور، فقال الأب: اذهب واشتر قفصًا وطعامًا للطائر وضعه في القفص وضع له طعامًا وماء بانتظار أن يظهر صاحب العصفور. نفذ سليم ما أمره به أبوه، وعلق القفص على طرف النافذة، بينما أقبل العصفور على الطعام والشراب.
استيقظ سليم صباحًا على صوت عذب وتغريد ساحر، فقد كان العصفور يشدو مسرورًا وينتقل في القفص بخفة، وراح سليم ينصت إلى تغريد العصفور فترة مبتهجًا بما يسمع، ثم قام إلى غرفة أبيه فذكر له ما سمع، فقال الأب: لقد كنت أستمع طربًا مثلك فهذا الطائر من الطيور المغردة التي تسحر بأصواتها.
مضت بضعة أيام ولم يستطع سليم أو أبوه معرفة صاحب العصفور. عاد والد سليم يومًا إلى البيت ونظر إلى القفص ليرى هل عند العصفور طعام فأدهشه أن رأى في القفص عصفورين، فصاح على ابنه مستفسرًا، فذكر سليم أن العصفور الثاني لصديق له، وقد اتفق وإياه أن يجعلا العصفورين معًا وما تلده الأنثى يكون قسمة بينهما، ولم تمض سوى بضعة أيام حتى بدأت العصفورة الأنثى تنتف من ريشها وتحاول أن تصنع عشًا، فقال الأب: إن هذه العصفورة تريد أن تبيض فضع سلة صغيرة لها وضع لها بعض خيطان القنب، وأخذت العصفورة تبني عشها ضمن السلة ثم جلست فيه وباضت أول بيضة، ومضت خمسة أيام كانت العصفورة تبيض في كل يوم بيضة ثم جلست فوق البيض، ولم تكن تخرج من العش إلا لتأكل وتشرب ثم تعود إلى العش. مضت أيام لا تبلغ العشرين وسليم يرقب العش في كل يوم وكم كانت فرحته عظيمة حين رأى في العش أفراخًا صغيرة، وكان سليم بعد ذلك يمضي الوقت الطويل يستمتع بمنظر العصفورين وهما يطعمان فراخهما والفراخ تكبر يومًا بعد يوم. كانت العصفورة نشيطة في إنتاج الفراخ، وكان عدد الفراخ التي أصبحت عصافير والتي تملأ البيت بالتغريد والألحان يزداد حينًا بعد حين. حلَّ وقت الامتحانات ونجح سليم فيها وأخبر أباه بنجاحه المميز، فسُرَّ الأب سرورًا عظيمًا ولكنه سرعان ما علا وجهه الحزن والقلق، واستغرب سليم تغير حال أبيه، فسأله مستفسرًا: ما بالك يا والدي؟ فقال الأب: لقد فرحت بنجاحك ولكني حين تذكرت أن عليك أن تتم دراستك وأنني لا أستطيع أن أسدد نفقاتها استبد بي الحزن، فضحك سليم وقال: ألم أقل لك يومًا إنَّ الرزاق هو الله؟ هل كان العصفور في حسابنا؟ قال الأب: وما علاقة العصفور؟ فأجاب سليم: إن الله أرسله من غير تعب منا، فلا تحمل همًّا يا أبي، فقد علمت أن هذا النوع من العصافير مرتفع الثمن فأنا سأبيع العصافير وأبقي زوجين، ومن ثمن العصافير سأسدد رسوم الدراسة، وسيبقى العصفوران، بإذن الله، يتوالدان ويكون ثمن نتاجهما تسديدًا لنفقاتي اليومية ومتطلبات الدراسة من كتب وأقلام ودفاتر، فقال الأب: حقًا يا بني إن الله هو الرزاق، وهو المتكفل برزق عباده.