البطَّةُ الشاردةُ

بقلم: محمد سعيد المولويبقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: George Pontino, Jr

قكان مصطفى جالسًا مع عائلتِه في حديقةِ الدارِ حين سمعوا صوتَ طلقٍ ناريٍّ أثارَ انتباهَهم فرفعُوا رؤوسَهم فإذا مجموعةٌ من البطِّ البرِّي تمرُّ في السماءِ طائرةً، وإذا إحدى البطاتِ تهوي نحوَ الأرضِ، ثم تحاولُ النهوضَ والطيرانَ. وسارعَ الابنُ ياسرٌ فأمسكَ بها، ثم أعطاها لوالدِه. فحصَ الأبُ البطةَ فلاحظَ أنها مصابةٌ بطلقٍ ناريٍّ صدرَ عن أحدِ الصيادين. واتضحَ للأبِ أن الإصابةَ خفيفةٌ فطلبَ من ابنِه أن يحضرَ له صندوقَ الإسعافِ واستخرجَ الطلقاتِ الحديديةَ، وضمدَ الجرحَ. ثم أحضرَ قفصًا ووضعَ البطةَ فيه، ووضعَ لها طعامًا وماءً. وبعد حينٍ بدأت البطةُ تأكلُ، وقالَ ياسرٌ لأبيهِ: ما رأيكَ يا أبتِي أن نذبحَ البطةَ ونطبخَها؟ فأجابَ الأبُ: يا بُنَيَّ إن البطةَ الآن ضعيفةٌ وجريحةٌ. والمروءةُ تقتضِي عدمَ الاستقواءِ على الضعيفِ، بل تجبُ مساعدتُه. ولو أننا ذبحناها وطبخناها لما نالَ الواحدُ منا أكثرَ من قطعةٍ. ولكن غدًا سأريكُم منظرًا لطيفًا. وفي اليومِ الثاني أفاقَ الجميعُ على الأبِ وقد بنى كوخًا خشبيًا ووضعَ في داخلِه طبقًا ملأه بالماءِ، ورأوا البطةَ تسبحُ فيه.
مضتْ أيامٌ عدةٌ حين رأى الجميعُ البطةَ راقدةً على الأرضِ. وحين تقدمَ منها مصطفى حاولتْ أن تنقرَه بمنقارِها، فاحتالَ عليها وأمسكَ بها من جناحيهَا ورفعَها فإذا هي رابضةٌ على بيضةٍ كبيرةٍ. وحين تركَها عادت البطةُ فجلستْ فوقَ البيضةِ. وفي اليومِ الثاني فتشَ مصطفى البطةَ فوجدَ تحتَها بيضتين.. وهكذا، فإن البطةَ في خمسةَ عشرَ يومًا باضت خمسَ عشرةَ بيضةً. كل هذا ومصطفى يراقبُ البطةَ فإذا هو يرى بطةً صغيرةً تخرجُ من تحتِ البطةِ الجريحةِ ففرحَ فرحًا شديدًا. ولم تمضِ أيامٌ عدةٌ حتى كانت البطةُ تتجهُ نحوَ طبقِ الماءِ وتلحقُ بها البطاتُ الصغيراتُ، ثم تبدأُ بالسباحةِ بجانبِ أمّها. اعتنى مصطفى وأولادُه بالبطاتِ فكبرت وباضت، وفقست البيضاتُ عن بطاتٍ أخرياتٍ، فكثرَ البطُّ. واتفقَ مصطفى مع المطاعمِ التي يغشاها الفرنسيون لأنهم مغرمون بلحمِ البطِّ بأن يبيعَهم ما يحتاجون إليه من البطِّ، فكثرتْ دراهمُه، واغتنى. وحوَّلَ حديقتَه، بعد أن سوَّرَها بأسلاكٍ تمنعُ البطَّ من الطيرانِ، إلى مزرعةٍ للبطِّ، وجنَى منها أموالاً كثيرةً ومتعةً عظيمةً.