الهفوف الجبال الأربعة

تضم المدينة العديد من المواقع الأثرية والتاريخية، وتتميز بخصوبة تربتها وكثرة العيون الجارية على أرضها.

محمود الديب
تصوير محمد الفهيدي

الهفوف إحدى المدن الرئيسة بالمنطقة الشرقية، والتي يعود تاريخ الاستيطان بها إلى نحو 5 آلاف عام تقريبًا. كانت المنطقة الشرقية بمنزلة حلقة اتصال بين أعرق حضارات العالم القديم في كل من قارة آسيا وأوروبا وأفريقيا ومناطق المملكة القريبة والبعيدة عن المنطقة الشرقية. ولذا كان لها دور مهم وحيوي في تلاقح الثقافات، وتأثرت وأثرت كثيرًا في الحضارات والثقافات الأخرى التي كانت تختلط وتتلاقى معها.
تأثرت المنطقة بثقافات سكان ما بين النهرين وحضارة حوض نهر السند، والإغريق، واليونانيين، والفرس. وتأثرت في التاريخ الحديث بثقافات العثمانيين، وبنى البرتغاليون قلاعهم في تاروت. وكل من تلك الحضارات والثقافات تركت بصمات شاهدة على مرورهم واختلاطهم. وتجسدت تلك الآثار في الحلي الذهبية، والأحجار الكريمة، والهياكل الحجرية، والآثار التاريخية. ترتفع الهفوف 150 مترًا عن مستوى سطح البحر، وأجواؤها تخلو من الرطوبة لبعدها عن الخليج العربي، لكن أكثر ما يميزها خصوبة تربتها، وانتشار العيون الجارية على أرضها. وعن سبب تسميتها بالهفوف قيل إنه بسبب تهافت الناس عليها، ورغبتهم الشديدة في الحياة والاستقرار بها للتنعم بأجوائها وخيراتها.
تقع الهفوف في الزاوية الجنوبية الغربية من واحة الأحساء، وعلى بعد ستين كيلو مترًا من العقير غربًا في منطقة مرتفعة قليلاً عما يجاورها من مناطق. يحدها شمالاً نخيل أم خريسان، وجنوبًا مزارع الحبوب وجنان الفاكهة، وغربًا نخيل السيفة، وشرقًا حقول النخيل. كانت مساحتها تصل إلى 205 كم من الشمال إلى الجنوب، و2 كم من الشرق إلى الغرب قبل نحو ثلاثين عامًا. يفصل الهفوف عن ميناء العقير مسافة تصل إلى 46 كيلو مترًا باتجاه الجنوب الغربي. كانت الهفوف عاصمة الأحساء ومدينة اقتصادية كبرى للبيع والشراء في عصور ليست بالبعيدة. ففي داخل المدينة راجت الحركة التجارية، وفتحت المحلات التجارية على جانبي الشوارع الرئيسة، وزحف العمران شيئًا فشيئًا إلى داخل المدينة ليلتهم البساتين التي كانت تفصل فيما بين الأحياء، والتي كانت تشكل متنفسًا لأهالي المدينة. واتسعت دائرة الزحف العمراني حتى شملت المزارع المحيطة بالهفوف من جهاتها الثلاث الشمالية، والشرقية، والغربية.
وصف الضابط الإنجليزي «سدلر» مدينة الهفوف حين مر بها في رمضان سنة 1224هـ - 12 يوليو سنة 1819م حيث قال «تدعى البلدة الرئيسة المحصنة في مقاطعة الأحساء الهفوف وأسوارها من الطين، ترتفع حوالي 50 قدمًا، ومحاطة بخندق عميق جاف له بوابتان. والبيوت التي داخل الحصن متواضعة، توجد إلى الشرق منها قرية غير محصنة تحيط بها أراض زراعية محروثة ومزروعات نخيل. ولا يصل تعداد سكن الهفوف وضواحيها إلى خمسة عشر ألف نسمة». لم تظل مدينة الهفوف على وصف «سدلر» لوقت طويل، بل سرعان ما ظهر حي النعاثل، بالإضافة إلى حي الرفعة الذي امتد باتجاه الناحية الجنوبية. وظهرت أحياء أخرى مثل حي الصالحية، ثم الرقيقة. وتغيرت مساحة المدينة حتى صارت تقدر بحوالي 2.5 كيلو من الشرق إلى الغرب. ومع اكتشاف المملكة للبترول نشأت أحياء جديدة على حساب المساحات الزراعية. فامتدت شمالاً مسافة 2.5 كيلو متر جنوبًا، وسبعة كيلو مترات، وشرقًا ثلاثة كيلو مترات. أما من الغرب فبلغ امتدادها مسافة خمسة كيلومترات. فأصبحت أطوالها اثني عشر كيلومترًا من الشمال إلى الجنوب، وعشرة كيلو مترات من الشرق إلى الغرب. وبذلك اتصلت هذه المدينة بمدينة المبرز التي أخذت في التوسع هي الأخرى فصارت أطوال المدينتين 20 كيلو مترًا من الشمال إلى الجنوب، و10 كيلومترات من الشرق إلى الغرب.

المعالم الأثرية والتاريخية
تضم الهفوف العديد من المواقع الأثرية والتاريخية، ومن أبرز تلك المعالم:

قصر إبراهيم
من أبرز القصور التاريخية، ومن أهم آثار المملكة والمنطقة الشرقية. وينسب القصر في بعض الروايات إلى الوالي إبراهيم بن عفيصان أمير الأحساء في عهد الإمام سعود الكبير. فقد سكن «بن عفيصان» القصر لذا نسب إليه. واختلفت الروايات حول تسميته، فبعضهم يرجح أن سبب التسمية تعود إلى القائد العثماني إبراهيم باشا في أثناء فترة فرض السيطرة العثمانية على الأحساء. ويرى بعضهم الآخر أن هذا الاسم أطلق على القصر خلال القرن الرابع عشر الهجري، وآخرون يقولون إن تسمية القصر بإبراهيم نسبة إلى قائد الجند العثماني الذي حوله خلال حقبة من الزمن إلى مقر للحامية بدلاً من قصر «صاهود» بالمبرز. يرجع تاريخ بناء قصر إبراهيم إلى عام 974هـ، ولم يتم بناؤه على مرحلة واحدة بل على مراحل عدة، حيث أدخلت عليه توسعات. فحتى عام 1000هـ بلغت مساحة القصر 16500 متر مربع. وكان البناء يجمع بين الطراز الحربي والإسلامي، حيث بني بداخله مسجد يسمى مسجد القبة. وهو من المساجد ذات القبة الواحدة التي تعلو جميع البناء. والمسجد يتمتع بنمط فريد لم يشيد مثله بالمملكة إن لم يكن هو الوحيد. وما يدل على الطراز الإسلامي بالقصر، الأقواس شبه المستديرة، والقباب الإسلامية البارزة في القصر، ومحراب المسجد والتي كان يكثر استعمالها في عاصمة الإمبراطورية العثمانية. والمأذنة على شكل المسلة السائدة في العمارة التركية. أما الطراز العسكري فيتمثل في الأبراج الضخمة التي تحيط بالقصر وثكنات الجنود السكنية والتي تقع شرق القصر، بالإضافة إلى إسطبلات الخيول. أما شكل القصر العام فهو مربع نسبيًا مع سور طويل وأبراج في الزوايا. والأبراج مستديرة الشكل بصفة عامة وملتصقة مع هيكل السور. وبالأسوار متاريس مع حواجز عالية للحماية، وأسقف الأبراج بها حواجز عالية ومستديرة مثل حواجز السور مع فتحات لإطلاق النيران. وهناك مجموعات متنوعة من الفتحات لأغراض المراقبة. وتعد الردهة من أشكال التصميم المميزة، وهي عبارة عن فتحة مغطاة بجزء بارز من المبنى ومنها يمكن للجنود النظر إلى أسفل السور. عرف القصر بأسماء عديدة منها (قصر القبة أو قصر الكوت). وكان القصر المقر الرئيس لحامية الدولة العثمانية في إقليم الأحساء في الهفوف التابعة للبصرة آنذاك وهو مقر الحكومة. سيطر الملك عبدالعزيز آل سعود على قصر إبراهيم ليلة الخامس من جمادى الأولى 1331هـ الموافق 13 إبريل 1913م خلال ضمه للأحساء لتوحيد المملكة.
جبل الأربع
يقع جبل الأربع ذو التشكيل الصخري البديع واللافت للنظر على طريق قطر باتجاه الجنوب، وهو أحد الجبال المعروفة في الأحساء مثل جبل القارة والشعبة، ويشتهر بوجود أربعة جبال، ثلاثة متقاربون وواحد بعيد قليلاً عنها، لذلك سمي بهذا الاسم. ويقع الجبل في جنوب شرق مدينة الهفوف بمسافة 22 كيلو مترًا. وجنوب بلدة الطرف التي يبعد عنها بنحو ستة كيلو مترات. وتغنى الشعراء بهذا الجبل كثيرًا كونه مكانًا طبيعيًا خلابًا ومرتعًا للصيادين ومكانًا هادئًا وجوًا عليلاً.

قصر خزام
شيد قصر خزام عام 1220هـ في عصر الإمام سعود بن عبدالعزيز الكبير. وتقدر مساحته بحوالي 12 ألف متر مربع. ويغلب عليه الطابع الحربي، حيث كان يستخدم ثكنة عسكرية. بُني القصر في المدخل الجنوبي الغربي للهفوف بحي النعاثل، وتقدر أطوال أسواره بحوالي 70 مترًا × 80 مترًا. ومن أهداف بناء القصر حراسة المدخل الغربي للهفوف، وكان يشرف على المخيمات الموسمية للبدو. وزاعت شهرة القصر عندما قام الأمير عبدالرحمن بن فيصل في عام 1291م بحصار القصر واسترجاع الأحساء للحكم السعودي عام 1331م.

سوق القيصرية
سوق القيصرية من الأسواق التاريخية يحتضنها حي الرفعة وسط مدينة الهفوف القديمة، وفي مقابل أسوار فريق الكوت على مساحة 15 ألف متر مربع. تنقسم السوق إلى قسمين، يمتد القسم الأول بين شارعي الخباز والحدادين. أما القسم الآخر فبين شارع الحدادين وسوق الحريم أو (البدو). وسوق القيصرية صنفت على أنها أكبر سوق شعبية مسقوفة بالمملكة. قديمًا كانت السوق مركزًا للتبادل التجاري بين الأحساء والمناطق الأخرى ليس داخل المملكة، بل في الخليج والجزيرة العربية. وكانت السوق مقصدًا للتجار للتزود بالسلع، أو للترويج لمنتجاتهم. بعض الباحثين أكدوا أن السوق بنيت قبل نحو ستة قرون. وترجع بعض المصادر تاريخ بناء السوق بطرازها المعماري المعروف إلى عام 1822 ومصادر أخرى إلى عام 1862. ولا يعرف سبب تسمية السوق بـ«القيصرية»، رغم ورود لفظ «قيسارية» كتسميات شائعة عن الأسواق في كل من الشام والعراق
.