تعد السياحة مدخلاً إلى التفاعل الإنساني والثقافي والحضاري بين الشعوب.
خالد بن محمد الشبانةالسياحة اليوم متطوّرة ومتجدّدة ومتغيرة في وسائلها وأهدافها. وعلى مرّ الأزمنة تعد موردًا قوميًا مهمًّا ثقافيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا لكثير من الدول، وبخاصة الدول التي تملك مقومات السياحة الطبيعية والمكتسبة من التطوير والتجهيز. وقد كان التنقل في الأمم السابقة شائعًا، بل إن الإنسان بطبعه لا يعيش وحده، وإنما في الجماعة. وفي بداية الإسلام تنقل النبي، صلى الله عليه وسلم، لأجل إقامة الدين ونشره. وتنقل الصحابة من بعده إلى البلاد الأخرى لنشر الدين.
وقد أضحت السياحة في العصر الحاضر من ثقافة الناس في مجتمعاتهم، وبخاصة سياحة التنزه والاستجمام بسبب تعقُّد الحياة، وتعدد الالتزامات والضغوط النفسية، وإيقاع الحياة السريع المتغير. لذا ظهر الاهتمام بالسياحة على مستويات كثيرة، اقتصادية بسبب ما ينفقه السائح في سياحته من أموال, وكذلك اجتماعية بسبب تداخل المجتمعات بعضها مع بعض.
وفي هذا الزمن، خصوصًا بعد أن تعولمت الحياة وأصبحت الكرة الأرضية عالمًا صغيرًا, تقارب شرقه مع غربه، وشماله مع جنوبه، وأصبح البعيد قريبًا والواسع ضيقًا، كانت السياحة تتنافس على كسب روّادها الدول المختلفة بمقاصد شتى. ومفهوم السياحة متعدد لدى الناس، فمنهم من يفهم السياحة أنها التنزه فقط، ومنهم من يفهمها الانفلات غير المنضبط، ومنهم من فهمها ترك العادات والتقاليد حتى ولو كانت من الدين، ومنهم من يجعلها تفكرًا وعظة، وتأملاً في إبداع الله في الكون والحياة وتعدد خلقه، ومنهم من يعدها استفادة وقراءة لعادات الشعوب الأخرى وتقاليدهم وعلومهم وطرائق حياتهم. وهنا يحدد المسلم العاقل ماذا يريد من السياحة.
من هذا المنطلق في تعدد الأفهام للسياحة وضع علماء الإسلام بعض ضوابطها منها:
• تحقيق مقاصد السياحة الشرعية: بمعنى أن تحقق مقاصد الشريعة الإسلامية إجمالاً وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العِرض، وحفظ المال.
• أن تكون في الطيبات: بأن تكون في مجال الطيبات، سواء في المأكل، أو المشرب، أو الكلام، أو السلوك، وتجنب الخبائث والفواحش وكل ما يدعو لها.
• ألا يترتب على السياحة إسراف، أو استدانة المال أو إضاعته.
• أن يكون المسلم ذا علم ونباهة وتعقل حتى لا يُستغل من المفسدين المتربصين بالسيّاح.
• ألا تكون السياحة لأماكن الفساد وسد الذرائع الموصلة للحرام.
• ألا يترتب على السياحة ترك الواجبات وفعل المحظورات.
حيث الواجب إظهار الدين وشرائعه تعبدًا وسلوكًا إذا أمنت الفتنة على المسلم. وهذه من الأمور التي تدعو إلى التعرف على دين الإسلام ومن ثم الدخول فيه, وأن تبقى النساء المسلمات يرتدين الحجاب الشرعي. ومن الأمور المهمة، أيضًا، أن السياحة تترك آثارًا دينية إيجابية مثل التفكر في مخلوقات الله تعالى، وأخذ العظة والعبرة من مصير الأمم السابقة، سواء من حق عليه العذاب، أو من أنعم الله عليهم بالقوة والجبروت وما آل إليه تاريخهم، ومشاهدة آثار الأمم السابقة والتفكر كيف كان مصيرهم إما إلى عذاب أو إلى فناء، ومشاهدة الآثار الإسلامية، والاطلاع على السياحة الإسلامية البيئية، ونشر الدعوة الإسلامية, بالقول والفعل، وإظهار محاسن الإسلام في التعامل.
كما أن السياحة لها آثار اجتماعية ونفسية منها تلاقح الثقافات والعادات بين الشعوب حين اختلاطها في أثناء السياحة، فنجد كل شعب يأخذ ما يتميز به الشعب الآخر من حسن تصرف، وخلق وعادة، وظهور صورة الوحدة بين المجتمعات، من خلال التآلف الحاصل من اختلاط الشعوب في السياحة وتعارفها، واكتساب العادات الجميلة، واللغة الجديدة للفرد، بسبب حديثه مع السياح وأهل البلد، وظهور بعض صور التكافل الاجتماعي.
• كما أن هناك آثارًا سلبية اجتماعية للسياحة مثل بروز بعض الظواهر السيئة من السياح وأثرها السيئ في المجتمع المضيف، وكذلك حصول بعض مظاهر الخلافات بين السياح وأهل البلد بسبب اختلاف اللغة وعدم فهم الآخر.
وهناك آثار إيجابية للسياحة مثل:
• التفاعل الإنساني والثقافي بين الشعوب, والتعايش بين أهل العقائد المختلفة والعرقيات المتنوعة أيضًا.
• تهدف كثير من الدول الآن إلى توصيل رسائل للشعوب من خلال السياحة، فمثلاً تنظيم البرامج السياحية لجميع الناس إلى أماكن العبادة، أو المتاحف، أو الآثار لأناس بادوا وتوضيح دورهم في عمارة الأرض وقيادة البشرية في مجتمعاتهم، ونحو ذلك.
وكذلك يظهر السفر آثارًا سلبية مثل:
• فقدان الأمن والأمان أو ضعفهما على النفس والعرض والمال، خصوصًا في الدول التي لا تستطيع أن تحمي السيّاح، ما يجعل السائح يتعرض للسرقة، والامتهان، والخطف، وغيرها.
أما الثقافات التي لها صلة بالسياحة فثلاثة أصناف:
• ثقافة البلد المضيف.
• ثقافة السائح.
• الثقافة العرضية كالثقافة التي تعترض السائح فيخالطها.