هواية تدر أموالاً طائلة
صيد الصقور
تشهد الفترة الأخيرة من كل عام تنافس هواة صيد الصقور للاستئثار بالطيور الثمينة.
عند الحديث عن صيد الصقور، يختلف الأمر كثيرًا عن كل حكايات الصيد، فالطير المقصود من أثمن الطيور، ويستخدمه الكثير من الهواة في صيد فرائسهم التي ينقضُّ عليها هذا الجارح ليقتات منها ما يشتهي من اللحم. إنه طائر مميز يحرص العرب على اقتنائه وتدريبه على الصيد لمهارته الكبيرة، وذلك للاستفادة منه في قنص مختلف أنواع الفرائس. الأمر مختلف هذه المرة تمامًا، فالرحلة لن تبدأ لرصد الصقر وهو ينقضُّ على فريسته كما اعتدنا دومًا، بل ستكون المهمة أصعب، حينما ينطلق الصقارون للإيقاع بهذا الطائر الثمين في شراكهم. حبًا في اقتنائه وتربيته واستخدامه لاحقًا في عمليات الصيد، أو لتحقيق الربح والاستفادة المادية الكبيرة، خصوصًا إذا ما حالف الصيادين الحظ ووقع بين أيديهم أثمن أنواع الصقور، التي يتجاوز سعرها مئات الآلاف من الريالات.
رحلة صعبة
في بدايات شهر أكتوبر من كل عام يستعد الهواة لبدء رحلاتهم نحو شمال شبه الجزيرة العربية، فيحزمون أمتعتهم، ويعقدون العزم على قضاء فترات متفاوتة، تبدأ من أيام وتستمر أسابيع حتى تتجاوز الشهر، خصوصًا أن موسم صيد الصقور متاح حتى أواخر العام، إذ تشهد هذه الفترة الهجرة الموسمية لهذه الطيور من بلدانها الأصلية نحو شمال إفريقيا، والحزام الشمالي لشبه الجزيرة العربية، وسواحل المملكة العربية السعودية الغربية. هناك ينتظر المتأهبون في الصحاري في انتظار ضيفهم العزيز، ويسعون للترحيب به على طريقتهم الخاصة بتقديم ما يغري هذه الصقور المهاجرة للإيقاع بها.
هذه الرحلة تجمع أكثر من شخص، عادة، ليعين كل منهم الآخر في المكوث في الصحراء «البر» لفترة طويلة عادة تكون في ظروف قاسية نظرًا إلى طبيعة الحياة البدائية التي يعيشها أفراد المجموعة، وبرودة الأجواء في هذه الفترة مع دخول فصل الشتاء، وما يصاحبه من أمطار، بجانب نقص الخدمات المتوافرة، التي تجبر المخيمين على الاعتماد على أنفسهم في قضاء مختلف احتياجاتهم من طعام وشراب وغيرهما.
قسوة هذه الرحلة، تستحق العناء وفق ما يؤكد خبراء الصيد الذين يقدرون تمامًا أن النجاح في الظفر ببضعة صقور، سيدر عليهم أرباحًا كبيرة تجاوز مئات الآلاف من الريالات، اعتمادًا على نوع الصيد الذي تمكنت المجموعة من الظفر به، ما يعنى أن ذلك قد يدر عليهم أرباحًا تجاوز مداخيلهم السنوية من أي أعمال أخرى. بعد أن يصل الصيادون إلى الموقع المنشود، يتم تحديد المكان المناسب الذي سيستقر فيه الجميع للتخييم، وتجهيزه بالشكل الملائم، ومن ثم تبدأ عمليات إعداد الأشراك التي سيتم استخدامها في اصطياد الصقور، والتي تتعدد أنواعها.
شراك الصيد
بعض الصيادين يستخدمون أسلوب الكوخ في الصيد، وهو عبارة عن حفرة يتم تغطيتها بسعف النخيل يختبئ داخلها الصياد، ويكون بجوارها شباك محيطة بالكوخ يمكن للصياد أن يراها من موقعه، ويستخدم طائرًا مربوطًا بحبل يغري به الصقر حين يطير عاليًا حتى يندفع الصقر نحو الطائر الذي يتوجه مرة أخرى للكوخ، فيقوم الصياد بسحبه نحو الشباك حتى يقع فيها الصقر. إحدى الطرق الأخرى المستخدمة في عملية الصيد هي استخدام الشباك الأرضية التي يتم نصبها بين عمودين، ويوضع طائر كالحمام أو السمان على مقدمتها، حتى يأتي الصقر لينقضَّ على فريسته فوق الشباك فيتم الإمساك به، في حين يلجأ بعضهم الآخر إلى استخدام الشباك على جسم الطير المستخدم فريسة، فحين ينقضُّ عليه الصقر تمسك به الشبكة الصغيرة التي يحملها الطائر. كما يمكن وضع الشبكة داخل مجموعة من الريش ويحملها طائر جارح صغير مثل الصقر الوكري، حتى تظن الصقور أنه يحمل فريسة فحين تنقضُّ على الريش تمسك بها الشبكة الموجودة بالداخل.
أنواع الصقور
يُمنّي الصيادون أنفسهم بجمع ثمين من الصقور خلال الموسم للحصول على عائد أكبر من بيعها، ولكنهم، أيضًا، يخضعون لعوامل أخرى تكون مؤثر بشدة على مدى تحقيقهم للربح من هذه الرحلة، وعلى رأسها أنواع الصقور التي يتم صيدها. فبعضها قد يصل ثمنه إلى 400 ألف ريال، وبعضها الآخر قد لا يتجاوز خمسة آلاف ريال. وأفضل الأنواع يسمى الحر ويعد من أكبر صقور الصيد وينتشر كثيرًا عند العرب ويحبون اقتناءه، ويكون أبيض الرأس مع مقدمة وعنق وصدر باللون الأبيض، ونقط أو نمش وخطوط خفيفة في أنحاء الجسم. ويعد هذا الصقر هو الأغلى ثمنًا ولا يملكه إلا الأثرياء. ويمتاز هذا النوع بالصبر على الجوع ومقاومة المرض، إلى جانب قوته في الهجوم على الفريسة. وتوجد من هذا الصقر أنواع عدة هي الأبيض، والصافي، والفارسي، والجرودي، والشامي. ويهاجر هذا النوع من الصقور من وسط أوروبا وآسيا والصين في فصل الشتاء إلى شمال أفريقيا والخليج العربي وإيران والهند. أما صقر الشاهين فيصنفه الصقارون في المرتبة الثانية، ويعد من أكثر الصقور انتشارًا. ويتميز بقوة بنيته، ويعد من أسرع الطيور حركة في العالم، ويوجد في الجبال، والأودية، والأنهار، والسواحل الصخرية. ولديه قدرة كبيرة على المناورة السريعة مع فرائسه. ويراوح سعر هذا النوع من الصقور في السعودية من 80 ألفًا إلى 250 ألفًا. ويتحكم في مسألة تحديد سعر الصقور بشكل عام، سِنِّها الذي يصل إلى 20 عامًا، فالأعلى سعرًا هو الأصغر سنًا والذي يقل عن 4 سنوات، وهو ما يعرف بالفرخ. أما إذا تجاوز عمر الصقر 15 عامًا فتنخفض قيمته.
نوع آخر من الصقور هو الجير، الذي يعد من أكبر أنواع الصقور حجمًا ووزنًا وشراسة، ويفضل العيش في الأماكن الباردة والأجواء القطبية مثل أمريكا الشمالية، وأوروبا، وآسيا، ولكنه لا يهاجر ويستوطن في مكانه، ويتغذى كغيره من الصقور على الطيور، والثديات، والأرانب القطبية.
أما صقر الوكري فيعد أرخص أنواع الصقور ويباع بسعر أرخص، ويعد مناسبًا للمبتدئين لسهولة تدريبه، وحجمه المتوسط. ولا يأكل إلا اللحم الطازج. وله نوعان: البني والأزرق، ويوجد في الكثير من بلدان المنطقة. إلا أن الوكري السوداني يصنف على أنه أفضل الأنواع من حيث تكوينه الجسماني وقوته وقدرته العالية.
جني الثمار
بعد أن يقنع الصيادون بما حازوه من الصقور التي تم صيدها ويقررون إنهاء رحلتهم مكتفين بما غنموه، تبدأ رحلة العودة لحصد ثمار التعب على مدى أسابيع من الصيد، إذ يتوجهون إلى أسواق الصقور التي يتمكنون فيها من عرض ما لديهم لبيعه. ويتهافت التجار على مشاهدة ما يملكه الصيادون ويقدمون لهم العروض لشراء ما يعجبهم من هذه الأنواع. وبعد أن ينجح الصيادون في تسويق ما لديهم من الصقور والحصول على ثمن بضائعهم، يتم تقسيم أرباح الرحلة فيما بينهم بعد أن يتم خصم تكاليفها بالتساوي بين أعضاء المجموعة، ليعود كل منهم إلى داره فيحكي عن مغامراته في الصيد إلى أصدقائه وأسرته، لعله يرجع العام القادم بمتدرب جديد يشاركهم في هذه الهواية المربحة.