الغاط.. بلاد الحطيئة

تتبع الغاط منطقة الرياض إداريًا، وهي إحدى بلدان إقليم سدير، وتحوي العديد من الكتابات والرسوم الثمودية.

استطلاع وتصوير: عبدالعزيز محمد العريفي

بلاد يفوح من ثراها شذى الأصالة النجدية، وتصدح جبالها وآكامها بأشعار الحطيئة، ويكاد يطرق مسامعك ضجيج مسامير الثموديين وهم ينقشون الحجر ويسجلون تاريخًا عريقًا يمتد امتداد الزمن. تقع محافظة الغاط شمال مدينة الرياض بنحو 230 كم وتتبع منطقة الرياض إداريًا. وتعد آخر بلدان إقليم سدير جهة الشمال، بتعداد سكاني يزيد على العشرة آلاف نسمة، وتحيط بها جبال طويق من ناحية الشرق ونفود الصلابيخ «الثويرات» من جهة الغرب.

المناخ
مناخ الغاط وما حولها مناخ قاري شديد الحرارة والجفاف صيفًا، وشديد البرودة شتاء، حيث تتراوح درجة الحرارة الكبرى في الصيف ما بين 40 درجة إلى 49 مئوية والصغرى ما بين 20 درجة إلى 37 درجة مئوية. وفي الشتاء الكبرى ما بين 15 درجة إلى 28 والصغرى ما بين 1 تحت الصفر إلى 12 درجة مئوية، مع وجود الأمطار الشتوية بمعدل يتراوح ما بين 12 سنتيمترًا إلى 15 سنتيمترًا.

بداية الرحلة
في صبيحة يوم ندى من أيام الخريف عام 1435هـ انطلقت بنا السيارة من وسط مدينة الرياض العاصمة باتجاه الشمال ميممين نحو محافظة الغاط التي تبعد عن الرياض بأكثر من مئتي كيلو متر على طريق القصيم حائل المليء بالمفاجآت الحضارية المدهشة، والتي تدل على النهضة العمرانية العظيمة التي تشهدها المملكة عمومًا ومدينة الرياض على وجه الخصوص، كمشاريع الأبراج، أو ناطحات السحاب العملاقة مثلاً التي أخذت بطوابقها ترقى أسباب السماء، وتدغدغ قزاعته هنا وهناك في مشهد يشد الأبصار ويحبس الأنفاس.
تستمر بنا السيارة في انطلاقتها من بين الفيافي والأمصار نحو هدفنا الأسمى، وتنهب إطاراتها الطريق السريع بنهم لا يكاد ينقضي. وبعد أن قطعنا ما يربو على المئتي كيلو متر بدت لنا الغاط وكأنها تغط في قعر بحيرة جافة، وأخذت معالمها تظهر شيئًا فشئيًا من بين الجبال التي شقتها معاول الحضارة بطريقة مذهلة ليهوى بنا الطريق فجأة إلى منحدر سحيق تتنمل له الأطراف وتتسع له الأحداق. وها نحن أخيرًا نلج الشارع الرئيس لمدينة الغاط الصغيرة بمساحتها والكبيرة بتاريخها ومعالمها، وقد علت وجوهنا الدهشة، وخامرت قلوبنا البهجة لما وصلت إليه تلك المدينة من أناقة المكان، وإتقان البنيان، وتمدن السكان. وقد توشحت المدينة بالمسطحات الخضراء، والحدائق الغناء، والشوارع الفسيحة النظيفة.
وبحكم جهلنا بالمنطقة وطرقاتها فقد آثرنا الاستعانة بدليل يرافقنا في جولتنا حولها، وكانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحًا، ومن حسن الحظ فقد وقعنا مصادفة على مبنى أمانة المدينة، حيث تطوع شاب شهم من منسوبيها بكل أريحية أن يرافقنا في جولتنا طوال النهار فكان لنا ما أردنا. فليس ثمة ما يعيب الرحلات الاستكشافية مثل انعدام الدليل المتمكن، حيث أصر هذا الشاب على أن يدلنا على أهم المواقع السياحية والأثرية حتى شارفت الساعة على الواحدة ظهرًا، عندها طلب منا أن نرافقه إلى بيته لتناول طعام الغداء حيث باءت محاولاتنا المتكررة بالفشل عن ثنيه عن ذلك، وكان له ما أراد. وبعد انقضاء انقضاضنا على ذبيحته الحنيذ بنهم الصائم، شددنا رحالنا مرة أخرى وانطلقنا نحو بئر الحطيئة، في شبه متاهة وسط تلال بركانية وآكام وأرض وعرة، في مسارات رسمتها إطارات السيارات تأخذك إلى المجهول. وبعد نحو ثلاث ساعات ظننا فيها أنه قد انقطعت بنا السبل وصلنا البئر الشهيرة وسط فرحة لا توصف وقد تهللت وجوهنا، وملأ السرور أخاديد الوجوم.

سبب تسمية الغاط
عرفت الغاط قديمًا بـ لغاط بضم اللام وفتح الغين، ثم أضيفت الألف لاحقًا وسكنت اللام، ويدل على ذلك قول الحطيئة:
الله قد نجاك من آراط
ومـن زلــيفـات ومن لغـــاط

وقول ابن قدامة عندما مدح بني مازن بن تميم:
وردوهم غداة لغاط عنهم
بأكــــبــاد وأفــئدة حـــرار
وقول ابن جرير:
أما علمت أني أحب لحبها لغاطفجاد المدجنات بها الورقا

وقد ذكر الشيخ عبدالله بن خميس في كتابة معجم اليمامة عن سبب تسمية لغاط بهذا الاسم وقال يبدو أنه مأخوذ من لغط السيل واحتدامه وضجيجه كون واديه ينحدر من جبال شومخ فإذا جاءها الغيث اندفع سيلها محتدمًا مزمجرًا لاغطًا.

أشهر معالم الغاط

بئر الحطيئة
هي بئر قديمة ومورد ماء سمي بهذ الاسم نسبة إلى الشاعر العربي المشهور الحطيئة. وقيل إن به قبره. تقع البئر على الضفة الشرقية لوادي مرخ في الجنوب الشرقي من بلدة الغاط، موضع يكاد يستدعيك لتقترب منه ويسامرك بأحاديث وأشعار الحطيئة بلسان الرياح التي تتخلل آكامه وتلاله.

وادي مرخ
يقع شرق الغاط بمحاذاة وادي الغاط في بداياته، ثم يتجه شمالاً ليصب في روضة السبلة في الزلفي. وقد ارتبط هذا الوادي بالتراث العربي عندما ذكره الحطيئة في قصيدته المشهورة التي يستعطف بها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب عندما سجنه لوقوعه في أعراض الناس وهجائه لابن زبرقان:

ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ
زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة
فاغفر عليك سلام الله يا عمر
أنت الأمين الذي من بعد صاحبه
ألقت إليك مقاليد النهى البشر
لم يؤثروك بها إذ قدموك لها
لــكن لأنفسـهم كـانـت بهـا الأثـر
وادي الغاط
هو وادي يعرف، أيضًا، بوادي الباطن يمتد من جنوب الغاط حتى يصب في سهل يقال له الحمادة بطول يقارب العشرين كيلومترًا، وعلى ضفافه أنشئت مزارع النخيل والخضراوات المتنوعة. وقد أنشأت الدولة عليه سدًا كبيرًا لزيادة منسوب المياه الجوفية.

الغاط القديمة
على بعد ثلاثة كيلومترات جنوب الغاط الحديثة وعلى الضفة الشرقية من وادي الغاط تقع الغاط القديمة، والتي تعد من أقدم المستوطنات البشرية في المملكة وتزخر بالمعالم الأثرية، وقد هجرها سكانها بعد أن جار عليها الزمن.

النقوش والكتابات الثمودية
على بعد عشرة كيلومترات جنوب شرق الغاط القديمة وعلى الجهة الغربية من وادي مرخ هناك موقع يحوي العديد من الصخور التي نقشت عليها رسومات وكتابات ثمودية تعود للفترة ما بين ألف قبل الميلاد وأربع مئة ميلادي.

الزويلية
منطقة رملية فسيحة في الجهة الغربية من وادي الغاط بها بئر مياه عذبة قراح تسمى القيعانية. وما زاد المنطقة شهرة وتشريفًا هو عندما استقبل أهالي الغاط بها المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز في العقد الثالث من القرن الماضي.

قصر الإمارة
قصر مشيد يقع جنوب الغاط القديمة بناه الأمير ناصر بن سعد السديري، رحمه الله، قبل نحو مئة عام، وذلك إبان توليه إمارة المنطقة. ويعد القصر تحفة معمارية اتخذت من الفن الإسلامي طرازًا لها، وقد زاره عدد من الوفود والسفراء الأجانب
.