يـلوستـون.. موطن الينابيع الدافئة
أشهر المتنزهات الوطنية في أميركا الشمالية ويقصده أكثر من ثلاثة ملايين زائر سنويًا.
لقد أريق الكثير من الحبر لمعرفة آراء الناسعد متــنزه «يلوستون», ويعني (الحجر الأصفر نسبة إلى الصخور الصفراء التي تكونت وتلونت بفعل البراكين التي تتابعت وتوالت عليه منذ ملايين السنين) أشهر المتـنزهات الوطنية في أمريكا الشمالية، لولاية ويومنج. ويزوره سنويًا أكثر من ثلاثة ملايين زائر لمشاهدة مناظره الطبيعية الخلابة وضواريه المنطلقة بحرية، وبراكينه التي لا تزال حية تقذف بحممها، ونوافير المياه الحارة التي تنطلق في الهواء دافعة أمامها سحبًا بيضاء من بخار الماء يغمر فضاء المنطقة المحيطة.
أ. د. عبدالله محمد الشعلان
لقد أصبح متـنزه يلوستون الذي يغطي مساحة تقدر بـحوالي 9 آلاف كيلومتر مربع أول متنزه وطني في الولايات المتحدة الأمريكية بقرار من الكونغرس الأمريكي في عام 1827. وقد حظي هذا المتنزه الوطني بشعبية كبيرة جعلت طبيعته الجغرافية المركبة مختبرًا طبيعيًا فريدًا له قيمة عظيمة بما يحتويه من العديد من ينابيع المياه الدافئة، وأخرى من عيون المياه الحارة، ومعالم طبيعية نفثتها البراكين وحفرتها الأنهار الجليدية على مر الزمن، كما أنه يعد واحدًا من أهم المناطق المحمية بالولايات المتحدة الأمريكية للمحافظة على الحياة الطبيعية وإنمائها وإثرائها. ويمكن مشاهدة حيوانات متباينة ومتعددة مثل الجواميس البرية، والإلكة، والأيائل، والغزلان، وماعز الجبال الصخرية، والذئاب والبيسون (الثور الأمريكي)، وعدة أنواع من الدببة (البيضاء والرمادية). وكل هذه الأنواع من الحيوانات تجوب أرجاء المتنزه المترامية وترتع ضمن تخومه بكل حرية وانطلاق، ناهيك من أسراب الطيور الوفيرة والمختلفة التي تحلق وتسبح في سمائه في استعراضات مدهشة، وغير ذلك من الحشرات الكثيرة، والفراشات الملونة، والزهور التي تنتشر في سهوله وتكلل تلاله ورباه بأشكالها المتباينة وألوانها الزاهية.
كما يشتهر المتـنزه ببحيراته ذات المياه الزرقاء المتلألئة، والامتداد الكبير للغابات دائمة الخضرة التي تتخللها المروج المتموجة، وبينابيعه الحارة، وهي عبارة عن مياه جوفية تندفع من أعماق بعيدة في باطن الأرض بصفة مستمرة أو على فترات متقطعة، وتتسم بارتفاع درجة حرارتها واختلاطها بمواد معدنية كالكبريت، والكالسيوم، وأملاح قلوية بجوار فوهات الينابيع بعد تبخر المحاليل التي تحتويها لتكوّن مدرجات جيرية جميلة متراصة من جراء انسياب المياه الهادئ الرقراق. كما تعطي الطحالب والبكتيريا تلك المدرجات ألوانًا متعددة على مر الزمن تضفي عليها رونقًا زاهيًا يخلب الأنظار.
وبطبيعة الحال قد لا تقتصر الإقامة في المتـنزه على التخييم والاستمتاع بمرأى المناظر الخلابة ومعالم الطبيعة الغناء، بل تتعداها إلى ممارسة الكثير من الأنشطة والهوايات الرياضية مثل التجوال في المتــنزه، ومشاهدة الحيوانات المختلفة عن كثب، وصيد السمك، والتجديف في البحيرات والأنهار، وامتطاء ظهور الخيل، وركوب الدراجات عبر الطرق المستوية والمنحدرات الجبلية.
ومن المشاهد الجذابة في هذا المتنزه أخدود عميق يصل عمقه في بعض الأماكن إلى 370 مترًا، وطوله نحو 32 مترًا، ويجري في هذا الأخدود نهر يلوستون العظيم مكونًا شلالين مائيين، حيث يسقط ماء الشلال السفلي في الأخدود من ارتفاع 94م، أما الشلال العلوي فيصب ماءه من ارتفاع 33مترًا.
ونظرًا لما يحظى به متـنزه يلوستون الوطني كموطن للحياة الطبيعية وموئل للكائنات الحية من شهرة عالمية تجذب إليه ملايين السياح كل عام من جميع أنحاء العالم فقد تم إدراجه عام 1978 ضمن لائحة التراث العالمي لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (الأونيسكو) وعدّه أحد مواقع التراث الثقافي العالمي المرموق.