تحوير الاثني عشر وتكميم المعدة أكثر العمليات شيوعًا في العالم.
على الرغم من تعدد الأساليب المستخدمة لعلاج السمنة وزيادة الوزن، إلا أنها لم تثبت نجاحها على المدى البعيد، فبعضها قد يساعد على فقدان الوزن بشكل مؤقت وسرعان ما يسترد المريض الوزن الذي فقده فور توقفه عن اتباع النظام الغذائي أو الأدوية المستخدمة.
د.عائض ربيعان القحطاني
استشاري جراحة مناظير وسمنة
جامعة الملك سعود ومدينة الملك فهد الطبية
كثرت في الآونة الأخيرة العديد من الإعلانات الترويجية عما يسمى بأجهزة إنقاص الوزن السريع والتي تختلف في مسمياتها، ولكن تشترك في مضمون واحد وهو عدم فاعليتها وتكاليفها الباهظة، الأمر الذي يصيب العديد من المرضى بالإحباط الشديد بعد إنفاق مبالغ طائلة على هذه الجلسات التي قد لا تفيد على الإطلاق.
وهناك تطور كبير حدث في المملكة في مجال جراحات السمنة وبعض مراكزها ومستشفياتها الصحية تتبع أحدث الطرق الخاصة بعلاج مرضى السمنة، وهو ما أهلها لتحتل مكانة مرموقة عالميًا في جراحات السمنة بالمناظير والروبوت بتقنية تضاهي تلك التي تستخدم في أحدث مراكز علاج السمنة في كل من أمريكا وأوروبا. ولكننا نرفض السعي وراء التقنية غير المدعمة بأبحاث علمية تؤكد فاعليتها .ونحن نؤمن في عيادات السمنة المتعددة التخصصات بأن البحث العلمي هو أساس التقدم.
تطبق عياداتنا النظم العالمية المدروسة، وتم تطوير هذه النظم بما يتناسب مع مجتمعنا والعوامل المسببة للسمنة في منطقتنا العربية، ومنها تأثير نمط الحياة والعوامل الجينية والوراثية وغيرها من العوامل الأخرى. وتقوم عيادات السمنة بتقييم المريض تقييمًا طبيًا ونفسيًا شاملاً. حيث يتم فحص المريض من متخصصين في (التغذية الإكلينيكية، واللياقة البدنية، والغدد والسكري، والجينات، والطب النفسي واستشاري جراحة السمنة). وبعد خضوع المريض لفحص الفريق الطبي يتم تكوين تقرير مبدئي عن حالة المريض ويقدم لاستشاري جراحة السمنة والمناظير الذي يقوم بفحص المريض ثم يطلع على نتائج التحاليل الطبية والأمراض المصاحبة. وغالبًا ما يخضع المريض لبرنامج متابعة الوزن ونظام غذائي محدد، وتتم متابعته من قبل فريق العيادة كل ثلاثة أشهر. وإذا لم يستجب المريض إلى نظام متابعة الوزن لمدة تزيد على 6 أشهر، وكان مؤشر كتلة الجسم 40 أو أكثر، فسيتم تحويل المريض إلى البرنامج الجراحي. ولكن في بعض الحالات قد يعاني المريض أمراضًا متزامنة مع مرض السمنة مثل النوع الثاني من مرض السكري أو ارتفاع ضغط الدم ومشاكل ضغط الدم، أو قد يعاني زيادة مفرطة في الوزن أو لا يستجيب إطلاقًا للنظام الغذائي، فضلاً عن العديد من الحالات الأخرى التي تجعل الحل الجراحي هو الاختيار الأمثل للمريض.
وهناك أنواع مختلفة من التدخل الجراحي مثل عملية تحوير المعدة، وربط المعدة، وبالون المعدة، وعملية القص الطولي للمعدة، أو تدبيس المعدة. ومن أهم
مقومات النجاح لهذا النوع من الجراحات هو خبرة الطبيب في تحديد العملية المناسبة للمريض، والاجتماع بالمريض أو والدي المريض لشرح الإجراءات اللازمة للعملية، وما الذي يتوقعه المريض قبل العملية وبعدها، وشرح النظام الغذائي والرياضي الواجب اتباعه قبل العملية وبعدها. كما أن التقييم النفسي وتدخل اختصاصي العلاج النفسي مهم جدًا. فلا بد من تقييم مدى تقبل المريض للعملية، وما إذا كان التدخل الجراحي ملائمًا للمريض من الناحية النفسية أم لا. وقد أثبتت الدراسات أن العوامل النفسية لها دور كبير في زيادة الوزن، فقد يؤدي القلق النفسي، والتوتر أو الحرمان العاطفي، وبعض المشاعر السلبية كالضغط، والكآبة، والشعور بالوحدة، وكذلك بعض حالات الإحباط والفشل إلى الشراهة المفرطة ومن ثمَّ إلى البدانة. كما لوحظ أيضًا ظهور العديد من الأعراض النفسية المتزامنة مع مرضى السمنة من الأطفال مثل الميل إلى الوحدة، والانطواء، والشعور بالاغتراب عن الذات وعن الآخرين، كما يتسم معظم الأطفال الذين يعانون زيادة الوزن بالمزاجية المتقلبة، والشعور الدائم بالإهانة، وسخرية الآخرين، ما يؤدي إلى انخفاض تقدير الذات أو الرفض الذاتي التام وعدم الرضا بالنفس.
وعندما نتحدث عن عمليات السمنة فإننا نعني ثلاث عمليات رئيسة ورابعة نادرة. والعمليات هي: ربط المعدة أو ما يسمى بالحلقة، وتكميم المعدة أو ما يسمى بقص المعدة، وكذلك تغيير المسار أو ما يطلق عليه التحوير. وهناك عملية رابعة تمثل 2% من مجمل عمليات السمنة وهي عملية تحوير الاثني عشر (أو ما يسمى بعملية سكوبينارو المعدلة). ولعل من أحدث العمليات عملية التكميم، حيث تم إجراء أول عملية في عام 1999، ومن ثمَّ حصل تطور كبير إلى أن أصبحت أكثر العمليات شيوعًا الآن في معظم أنحاء العالم. فقد زادت نسبة إجرائها إلى 500 % خلال السنوات الخمس الماضية، وفي أمريكا تمثل 45 % من جميع عمليات السمنة. والسبب في هذا الانشار هو أن العملية آمنة عندما يتم إجراؤها في مراكز متخصصة وعلى أيدي جراحين مهرة. بل إن الدراسات أثبتت أن العامل الرئيس في سلامة العملية والتقليل من المضاعفات هو الجراح أكثر من المركز. وهذه العملية تعمل على عدة تغيرات في الجسم ما يؤدي إلى إنقاص الوزن والشفاء من الأمراض. ومن هذه التغيرات تقليل كمية الأكل وتقليل الشهية عن طريق إزالة هرمون الشهية Ghrelin . غير أن هذا العامل ليس الأهم فيما تحدثه العملية من تأثير حيث إن هناك أكثر من ثمانية مسارات داخل الجسم تؤدي مجتمعة إلى نتائج مذهلة لهذه العملية، ومن أهمها وأكثرها غموضًا هو تغيير ما يسمى بمركز التحكم ،Set point حيث إن الإشارات العصبية والهرمونية، والإنزيمات، وبعض البروتينات، وإفرازات الجهاز الهضمي تتغير بشكل كبير وترسم set point جديدة للوزن والأمراض معًا.
ولعل ما يميز هذه العملية قصر وقتها، حيث يصل إلى 30 دقيقة، وهذا يقلل من مضاعفات التخدير، إضافة إلى أن البقاء في المستشفى يكون لفترة قصيرة تراوح بين يوم ويومين, ولعل من أهم ما يجب على المرضى الذين أجروا هذه العملية الالتزام بالوجبات الصغيرة الموزعة على اليوم بواقع (6 وجبات) وشرب السوائل (3 ليترات في اليوم). وإذا لم يتم الالتزام بذلك يبدأ المريض يشتكي من الخمول والتعب وأيضًا الغثيان وربما الارتجاع. ولعل من أكثر الأسئلة شيوعًا هو: لماذا نسمع أن هناك من توفوا في هذه العمليات؟ والجواب هو أن هناك ثلاث مراحل رئيسة لأي عملية وهي: التقييم قبل العملية للتأكد من عدم وجود أمراض، وكفاءة الرئة والقلب، وكذلك مرحلة إجراء العملية. وهنا يأتي دور الفريق الطبي من جراح وتخدير (ويعد الجراح المسؤول الأول عن اختيار المخدر الجيد)، ثم مرحلة المتابعة الدقيقة من التمريض داخل المستشفى ونقل أي ملاحظة للطبيب في وقتها. وإذا تم التقيد بهذه المنظومة مع الالتزام بخطة طريق إكلينيكي clinical pathway فلن تحدث أي وفيات بإذن الله.
وقد أتاحت هذه العملية وعمليات السمنة الأخرى أملاً كبيرًا لمرضى السكري والضغط والاختناق في أثناء النوم، حيث إنها تؤدي إلى الشفاء، بإذن الله، في أكثر من 90 % من الحالات. ويشترط لإجرائها أن تكون كتلة الجسم فوق 35 مع بعض الأمراض أو فوق الأربعين دون أمراض. كما أنها أصبحت تجرى لمن لديهم سكري أو ضغط وكتلة الجسم فوق 30. وكتلة الجسم هي الوزن مقسوم على مربع الطول بالمتر. أما ما يجري من أبحاث على بعض الخيارات الجديدة مثل غلاف داخل المعدة، وكذلك تكميم المعدة من الداخل، وأيضًا تدكيك المعدة، فجميعها ما زالت في مراحل التجريب ولا ننصح باللجوء إليها الآن. ».