سدير..

أصالة المكان


ثرية بالموروث الثقافي، يعمل أهلها بالزراعة والتجارة، وتزخر بالمواقع السياحية والأثرية.

إعداد وتصوير: عبدالعزيز محمد العريفي

في صباح يوم من أيام الخريف تلبدت في سمائه السحب، كبتلات قطن تناثرت على صفحة ماء أزرق، أسرعنا الخطى تحاشيًا لرياح الوسم الباردة، متوجهين من مدينة الرياض صوب الجزء الشمالي من إقليم اليمامة، إلى منطقة سدير على وجه التحديد. وسدير بضم السين المهملة وفتح الدال موضع ديار غطفان كما ذكر ذلك ياقوت الحموي. وقيل إن سدير قرية لبني العنبر. وتبعد سدير عن الرياض نحو 180 كيلومترًا وتتوسط نجد بين درجتي عرض 25.30 و27.00 ودرجتي طول 44.50 و46.30، بمساحة تقدر بخمسة عشر ألف كيلومتر مربع، حيث تمتد من وادي العتش جنوبًا حتى روضة التنهات شمالاً، ويفصلها عن منطقة القصيم نفود الثويرات التي تمتد إلى الغرب كذلك، وفي الشرق تفصلها نفود الدهناء عن المنطقة الشرقية، وإقليما الوشم والمحمل من الجنوب. وتتخللها عدة سلاسل من الجبال الصغيرة الحجم والمتوسطة، أهمها سلسلة جبال طويق التي تمتد من صحراء الربع الخالي جنوبًا حتى تغمرها نفود الثويرات شمالاً. وسدير ثرية بالموروث الثقافي النجدي، ويعمل أهلها بالزراعة والتجارة، فضلاً عن كونهم أهل علم وثقافة. ومناخ سدير قاري حار جاف صيفًا بارد شتاء.

أشهر أودية سدير
وادي الفقي ويعد أهم أودية المنطقة، إذ تقع عليه معظم بلدان المنطقة وقراها. وله مجارٍ عديدة، وادي المشقر أو وادي النمل بني له سد قرب المجمعة، ووادي أراط، ووادي الحائر، ووادي الكلبي، ووادي مرخ، ووادي تمير، ووادي المياه، ووادي مبايض، ووادي الشوكي، ووادي الأرطاوية، ووادي الغاط، ووادي جراب، ووادي النخيل، ووادي العصل.
رياض سدير
روضة التنهات، روضة الحيرا، روضة مطربة والخفيسة، روضة النظيم، روضة الزلعاء، روضة زيدة، روضة المجمع، روضة الخشم روضة السبلة، روضة حطابة، روضة المزيرعة، رياض الحمادة، رياض العبلة، روضة بناء.

أشهر بلدان سدير
المجمعة، والعودة، وحرمة، والزلفي، والغاط، وأشي، والحائر، وجلاجل، والروضة، والداخلة، والحصون، والحوطة، والعطار، والتويم، والجنوبية، والخيس، ومقبلة، والجنيفي، والمعشبة، والخطامة، وعشيرة، وتمير، وكلها في منحدرات جبال طويق عدا تمير فهي في جبال المجزل.

قرية عودة سدير أو قرية الأحلام
بعد أن قطعنا حوالي 170 كيلو مترًا نحو الشمال الغربي من مدينة الرياض وصلنا إلى قرية كبيرة من قرى سدير يقال لها عودة سدير، فوجئنا بنهضتها العمرانية وما تزخر به من مواقع سياحية وأثرية تستحق تكرار الزيارة، حيث تولى أحد رجالاتها بالتجوال بنا في مرابعها ومناطقها المشهورة، حيث بدأنا زيارتنا لمدرسة (ابتدائية ومتوسطة عودة سدير) للبنين، واستقبلنا القائمون عليها ببشاشة وهشاشة، ومن ثم تداعت علينا حشود من طلبة المدرسة الذين توافق قدومنا لهم مع احتفالهم باليوم المفتوح، وهو يوم تقيمه عادة المدرسة مرة أو مرتين في العام، حيث تقف فيه الدراسة ويعم فيه الفرح والأنشطة الرياضية، والمهارات الأخرى من بيع وشراء، وطبخ وشواء، وتصوير، وما إلى ذلك من مناشط تربوية تعود الصغار الاعتماد على النفس، وتوقظ فيهم مكامن الإبداع وملكات الابتكار وتكتشف الموهوب منهم. واحتفى بنا مدير المدرسة وأخذنا بجولة على أرجاء المدرسة التي فوجئنا بما وصلت إليه من تطور وحداثة تضاهي أفضل مدارس الرياض العاصمة. بعدها قمنا بتناول إفطار عامر بكل ما لذ وطاب من أطباق تراثية كالحنيني، والثريد، والمراصيع، إلى أطباق أخرى تنم عن توجه أهل القرية الفعلي إلى التمدن والحضارة أسوة بمدن المملكة الكبيرة. كل ذلك في ساحة المدرسة حيث اختلطت أجواء الألفة والمحبة بأجواء الطقس الصباحي الجميل.
وبحكم وقوع عودة سدير على وادي سدير أو وادي الفقي وقربها من وادي أراط الغني بالمراعي جعل منها بلدًا زراعيًا بامتياز، حيث تنتشر مزارع النخيل بشتى أصنافه، فضلاً عن الفواكه والخضراوات، إذ كانت عودة سدير فيما مضى وسدير عمومًا سلة غذاء البلاد المجاورة، وظلت على هذا النحو لمئات السنين. كما لا تزال الغزلان تجوب مراعيها المحمية بعد أن أوشكت على الانقراض، وتكثر فيها الأرانب وبعض الطيور المهاجرة. وتنتشر المباني الأثرية والأطلال في عودة سدير حتى تكاد تطغى على الوجه العام للبلدة، ففضلاً عن بقايا الحوامي عالية الأبراج أو سور المدينة القديم فهناك المراقب والقصور الطينية بأسوارها العالية والأسواق، حيث قام الكثير من الأهالي بإعادة ترميم الكثير منها وإصلاحه على غرار ما تم فعله بقرية أشيقر بالوشم. وعادة إعادة التأهيل هذه دأب عليها الكثير من مناطق المملكة بإشراف هيئة السياحة.

حوطة سدير قاعدة سدير التجارية
انطلقنا مرة أخرى نحو الشمال وعلى بعد يقارب عشرة كيلو مترات من عودة سدير ها نحن نمر على حوطة سدير الجميلة مرور الكرام رغم إلحاح الكرم العربي على إبقائنا أطول فترة ممكنة، بيد أن الوقت بدأ يداهمنا ولا يزال هناك الكثير لاستكشافه. والحوطة أو الحائط أشار إليها الهمداني بقوله: «ثم تصعد في وادي الفقي فترد الحائط حائط بني غبر قرية عظيمة فيها سوق». وقال عنها ياقوت الحموي: «الحائط من نواحي اليمامة كان به سوق عظيمة» ما يدل على أن الحوطة كانت تدعى بالحائط، وأنها كانت عامرة في صدر الإسلام، وكانت تعد القاعدة التجارية لبلدان وادي الفقي. (المرجع: كتاب منطقة سدير في عهد الدولة السعودية الأولى- دراسة تاريخية- تأليف د.عبدالله التركي). ولا تزال حوطة سدير مركزًا تجاريًا مهمًا للمنطقة، حيث تحوي العديد من المراكز التجارية، والدوائر الحكومية التي تخدم المدن والقرى المجاورة.

روضة سدير أو تونس سدير:
في شمال غرب حوطة سدير وعلى مسافة كيلو مترين فقط تقبع قرية أخرى ألا وهي روضة سدير الخضراء، والتي يلقبها بعضهم بتونس سدير، لما تتمتع به من وفرة في المياه العذبة، فضلاً عن اتساع الرقعة الزراعية، ما يجعل أغلب قاطنيها من المزارعين، ناهيك من كثرة حدائقها ومتنزهاتها. كما تضم عددًا كبيرًا من المباني الأثرية التي يعمل الكثير من الأهالي على مدار الساعة في إصلاحها وترميمها، خصوصًا المساجد والمدارس القديمة. ويوجد بروضة سدير سد السبعين الذي بني عام 1079هـ ليحجز مياه وادي الفقي أي قبل 356 عامًا، ويتكون من 70 مصبًا تصب المياه منها بعد ارتفاع منسوب المياه في الوادي لتغمر مزارع نخيل البلدة. وبما أن الحاجة ما زالت قائمة لإقامة المزيد من السدود فقد قامت الدولة عام 1977 ببناء سد روضة سدير الحديث، والذي يعد من أكبر سدود المملكة العربية السعودية في المنطقة الوسطى، حيث يحجز تقريبًا ثلاثة ملايين من الأمتار المكعبة من المياه. ويعرف سد روضة سدير (بالعملاق) حيث يبلغ طوله 524 مترًا، ويوجد بجانب السد متنزه السد.

المجمعة حاضرة سدير:
بعيد صلاة الظهر من اليوم نفسه تابعنا رحلتنا حتى وصلنا محافظة المجمعة حاضرة إقليم سدير وأكبر مدنه، وتبعد عن الرياض بنحو 185 كيلو مترًا باتجاه الشمال الغربي. وهي تتوسط سدير، ما أكسبها مكانة استراتيجية كبيرة، إضافة إلى أن الطرق المعبدة التي تربطها بالمناطق الأخرى تعد من الطرق الرئيسة المهمة في المملكة. والمجمعة قاعدة لأكبر جزء من إقليم سدير ما دعا لتسميته بمحافظة المجمعة، تأسست عام 820هـ، وهي نقطة التقاء طريق الرياض القصيم المدينة المنورة السريع المتجه من الجنوب إلى الشمال الغربي، ويلتقي بطريق الكويت مكة المكرمة المتجه من الشرق إلى الغرب، ما أكسبها موقعًا متميزًا، حيث يمر بها سنويًا عشرات الآلاف من الحجاج في موسم الحج، وآلاف المعتمرين طوال العام إلى الأراضي المقدسة من جنوب المملكة وشرقها، ومن عمان، والإمارات العربية، والكويت، والعراق، وإيران، وغيرها من الدول الإسلامية. يذكر المؤرخ عبدالله بن خميس، يرحمه الله، في معجم اليمامة «أن تسمية المجمعة جاءت من تجمع الأودية، أو أنها ملتقى أودية، خصوصًا وادي المشقر وروافده، ووادي (الكلب). وتدل الآثار والمعالم التاريخية، فضلاً عن النقوش والكتابات التي تزخر بها المدينة، على أزليتها وقدمها وتوغلها في أعماق التاريخ، مثل مقابر بني هلال، والنصلة والقريفة والمراقب والحوامي وغيرها. وبتعداد سكاني يناهز الخمسين ألف نسمة ترتقي المجمعة لتكون إحدى مدن نجد الكبرى. كما لا تخفى مكانة المجمعة العلمية والثقافية.