التربية الذكية

يتوق الأطفال إلى الاستقلالية من سن مبكرة ما يولد لديهم مشاعر غضب لا يعرفون كيفية السيطرة عليها.

بقلم: مارجيري د. روزن
By: Margery D. Rosen

 

عرفت تاشا شلاك فيستيل Tasha Schlake Festel، من بلدة وايكفيلك Wakefield بولاية ماساشوستس، أن الأمور بدأت تفلت من قبضتها. فبعد جدال مضن حول الزي الذي كانت ابنتها أديسون البالغة من العمر ست سنوات تريد ارتداءه ، طلبت فيستيل من الصغيرة أن تأخذ بعض المستقطع لكي تهدأ. فما كان من أديسون إلا أن رمتها بنظرة ثاقبة، ووضعت يدها على خصرها قائلة بنبرة حادة: «لا أعتقد ذلك. ما رأيك إذا قلت أنا من يقرر هنا؟».
تتذكر فيستيل تلك الواقعة فتقول: «لقد صعقت. لم يكن كلامها ما أثار استيائي وإنما طريقتها في الكلام. لم أصدق أنها تتحدث إليّ هكذا».
تختلف ردود الفعل تجاه الإجابات السلبية والتهكمية من شخص إلى آخر. لكن عندما يصدر التصرف الوقح عن طفلة كانت تهرع إليك لتعانقك، ستشعرين حتمًا بالغضب والألم. قد تتوقعين منها أن تجيب بوقاحة فيما تقلب عينيها باستهزاء، وأن تبدي تعليقات ساخرة وتعتمد سلوكًا بغيضًا، في السادسة عشرة من العمر وليس السادسة! لكن الأهالي والخبراء يؤكدون أن هذا السلوك بات يظهر عند الأولاد في وقت أبكر من ذي قبل.
يقول د. مايكل أوزيت Michael Osit، اختصاصي الطب النفسي السريري، ومؤلف كتاب Generation Text: Raising Well-Adjusted Kids in a World of Instant Everything (الجيل الرقمي: تربية أطفال متكيفين في عالم فوري بامتياز): «في العقود الأربعة التي مارست فيها مهنتي، لاحظت أن الوقاحة ازدادت بشكل كبير». وهو يلقي اللوم إلى حد بعيد على الإعلام وعلى الثقافة السائدة حاليًا. فسواء من خلال ما يتعرضون له من التنابز بالألقاب أو النبرات الساخرة في برامج الأطفال الرائجة، أو الكلام البذيء على برامج المواقع الأخرى، يخال الأطفال أن هذه التصرفات ليست مقبولة فحسب، وإنما مضحكة أيضًا. لحسن حظك، أمامك فرص كثيرة حتى تفرضي قواعدك الحازمة في المنزل.

وقاحة «طبيعية»
قد يتصرف طفلك بوقاحة نتيجة ضغط معين أو نتيجة وضع جديد، أو جراء بعض المشاكل في المنزل. ولكن غالبًا ما يكون تصرفه مرحلة من مراحل النمو ترافق سعيه إلى الاستقلالية. فالطفل الذي يصرخ: «هل أنت جادة؟ أنا لست متعبًا» حين تطلبين منه الاستعداد للنوم، سيعود بنفسه بعد 20 دقيقة ليقول لك «أحبك» فيما يطبع على وجنتك قبلة ما قبل النوم.
وفي هذا الصدد، تقول د. إيلين كينيدي-مور Eileen Kennedy-Moore، اختصاصية علم النفس والخبيرة الاستشارية في مجلة Parents، والمشاركة في تأليف كتاب Smart Parenting for Smart Kids: Nurturing Your Child’s True Potential (التربية الذكية للأطفال الأذكياء: تنمية قدرات طفلك الحقيقية): «يتوق الأطفال إلى الاستقلالية منذ سن مبكرة للغاية. فالطفل الرضيع يبصق الطعام الذي لا يحبه. ولدى بلوغه العام الثاني من العمر، لا تسمعين منه غير عبارة «لا». وعندما يرتاد المدرسة، يناضل ليكتشف هويته وينخرط مع زملائه التلاميذ. في كل مرحلة عمرية يمر بها، يحاول أن يعرف كم عليه الإصرار للحصول على مراده، ومتى يتمادى في ذلك». والواقع أن هذا النزاع العاطفي الذي يعيشه الصغار بين الرغبة في النمو والرغبة في البقاء قد يولد لديهم مشاعر غضب لا يعرفون بعد كيفية السيطرة عليها.
على الرغم من أن تصرف الأطفال على هذا النحو «طبيعي» أحيانًا، إلا أن تساهلنا معهم قد يشجعهم على أن يتمادوا في سلوكهم المشين. فعندما تكونين منهكة أو على عجلة من أمرك، لن تشعري بأي رغبة في أن تقضي الوقت المتاح لك مع أطفالك في الشجار. وحتى إن كنت تعلمين أنه لا يجدر بك تقبل الردود الفظة من طفلك حين تطلبين منه المساعدة، فإنك تسلكين الطريق السهل وتتغاضين عن ذلك حتى لا يصرخ «لا تستطيعين إجباري». ومن ثم تعدين المائدة وحدك من أجل تناول العشاء. لكن من الضروري أن تتخذي موقفًا حاسمًا من هذه السلوكيات الوقحة والفظة وإلا سيواظب ابنك عليها حد خروجه عن السيطرة.
• تذكري أن الأمر ليس شخصيًا: فقبل بضع سنوات، عاشت دالاس لويس Dallas Louis، وهي أم لثلاثة أطفال من هيوستن، ومؤلفة كتاب The Mommy Diaries: How I’m Surviving Parenthood Without Killing Anyone (يوميات الأم: كيف أعيش الأمومة دون أن أقتل أحدًا)، تجربتها الأسوأ في مجال تربية الأطفال. تقول لويس: «كان ابني البكر إيثان في السابعة من عمره، وكنت قد طلبت منه كثيرًا أن يخرج من حوض السباحة. لكنه ظل يتجاهلني، ويرمقني بنظرة تحدٍّ في كل مرة يعود فيها إلى الماء. وحين سحبته أخيرًا صرخ «أكرهك!». عندئذ شعرت بأن عيني تكادان تنفجران، وأحسست بإهانة بالغة، ثم تساءلت: ماذا فعلت لكي يشعر ابني بالكره تجاهي؟».
من الصعب ألا تأخذي تصرفات طفلك على نحو شخصي، لكن ذلك حتمًا لا يعني أنك أم سيئة. فالدكتورة كينيدي- مور تقول: «إن الأطفال يحبون أهاليهم بالطبع، لكن جل ما في الأمر هو أنهم أحيانًا لا يحبون ترك ألعابهم، أو الخروج من حوض السباحة، أو غير ذلك. لذا تأتي الردود الوقحة تعبيرًا عن الإحباط، وتمثل استراتيجية يتبعونها على أمل أن يحصلوا على مرادهم».
في أعقاب نهار يزخر بقواعد الكبار وتوقعاتهم، يمكن للأطفال في عمر المدرسة أن يصبحوا غريبي الأطوار وخائري القوى. وبحسب د. برونوين بي شارلتون Bronwyn B. Charlton، اختصاصية علم النفس والمشاركة في تأسيس مجموعة Seedlings Group، وهي منظمة تعنى بتربية الأطفال في مدينة نيويورك، «عندما يعبّر الأطفال عن آرائهم، يشعرون بأنهم يتحكمون في حياتهم بعض الشيء». هم يشعرون بالفضول تجاه أي تعليق مهين يسمعونه عبر شاشة التلفاز، أو من أخ أكبر، أو حتى من شخص عادي في السوق، فيقول الواحد منهم في سره: «يبدو هذا رائعًا. ترى ما الذي سيحصل إذا استخدمت أنا أيضًا هذا التعبير؟». وبالطبع، سيجربون الأمر مع أناس يحبونهم مهما بدر عنهم.
يُذكر أن المشكلة تكمن في تأخر مهارات الطفل الاجتماعية عن مهاراته الكلامية. فالدكتورة شارلتون تقول: «لا يتمتع الأطفال باللباقة. فهم لا يعرفون التعبير عن مشاعرهم «الكبيرة» دون إيذاء الآخرين، إلى أن تعلميهم ذلك».
• كوني واضحة ومباشرة: فإذا كان هدفك تربية أطفال متعاطفين مع الغير، ومتعاونين، وقادرين على حل المشكلات، فعليك أن ترسي بعض القواعد التي تبين لهم معنى ذلك. فعندما تتحدثين بفظاظة إلى النادل أو تنظرين باستخفاف إلى اقتراحات زوجك، تأكدي أن الأطفال يراقبونك ويسمعونك. وقد أدركت ساشا شاكل فيستيل أن النبرة الساخرة التي تتحدث بها ابنتها ما هي إلا انعكاس للطريقة التي تتحدث بها ساشا نفسها مع صديقاتها أحيانًا. هي تقول: «نفعل ذلك من أجل المرح، ولأننا لا نحب أن نتحدث بجدية طيلة الوقت. لكن أطفالي لا يعلمون ذلك». اليوم أصبحت ساشا تكبح تعليقاتها وتعتذر لأطفالها عندما يزل لسانها.
• سيطري على انفعالاتك: عندما تجيبك ابنتك برد ساخر، من الطبيعي أن تردي عليها بالقول «بل أستطيع إجبارك». لكن الخوض في جدال كلامي سيظهر لها أن الصراخ والغضب مقبولان لدى التحدث مع الآخرين. وفي هذا السياق تقول د. شارلتون: «عوضًا عن أن تتعلم طفلتك الدرس، ستركز على غضبك أنت وهجومك أنت وترد بما يناسب ذلك، لأنها لا تملك أي نموذج تفاعلي آخر تحتذي به عندما تكون غاضبة أو مستاءة. وإذ ذاك، ستجدين نفسك سريعًا في معركة كلامية يريد كل واحد منكما أن يحسمها لصالحه».
• انسحبي على الفور: تظاهري بالملل بعض الشيء ثم قولي لطفلك: «أنت تعرف كيف عليك أن تكلمني إذا أردتني أن أستمع»، ثم أديري ظهرك، دون الإلحاح أو السؤال. فبحسب د. كينيدي- مور: «حين تبالغين في التفسير أو تجادلين، تعطين لكلمات ابنك أهمية أكبر مما تستحق. وإذا استمر هذا التصرف، فتجاهليه أو اخرجي من الغرفة، وقولي له: «حين تصبح جاهزًا للتحدث باحترام، تستطيع أن تجدني في المطبخ». تستطيعين، أيضًا، أن ترمقيه بنظرة خاصة تكون أبلغ من الكلمات».
• عاملي طفلك باحترام: تقول د. كينيدي- مور: «غالبًا ما تولد الطلبات المحترمة رد فعل محترمًا». ولا يعني ذلك أن عليك تبرير كل شيء تطلبينه من طفلك. لكن استخدمي نبرة لطيفة وتكلمي في الوقت المناسب، وليس عندما يبدأ برنامجه التلفازي المفضل. إذا أمكن، أعطيه سببًا مقنعًا (كأن تقولي له مثلاً «إن الجدة آتية لزيارتنا اليوم. فما رأيك لو تجمع قطع الليغو حتى لا يدوس عليها أحد لو سمحت؟»)، أو دعيه يختر الوقت أو الطريقة لتنفيذ طلبك (قولي له مثلاً «هذه الفوضى في المنزل تزعجني حقًا. أريدك أن تأخذ أغراضك إلى غرفتك قبل أن تخرج»). ولا تتوقعي من ابنك طاعة عمياء. بل إن د. كينيدي- مور تنصحك بالآتي: «إذا تأفف الصغير يكون قد نفذ طلبك، لا تعلقي على الموضوع».
• راقبي وسائل الإعلام: فقد يشاهد طفلك برنامجه المفضل، وما إن ينتهي حتى تعرض القناة برنامجًا تجدينه غير مناسب لعائلتك! وبالحديث عن هذا الموضوع، تذكر د. تانيا غيسيك Tania Gesek، اختصاصية علم النفس في سيراكوز Syracuse بنيويورك، أن طفلها كان في السابعة من العمر عندما التقط بعض العبارات البذيئة من الرفاق في حافلة المدرسة ومن برامج التلفاز. ومنذ ذلك الحين، أصبحت تشاهد التلفاز معه حتى تحدد البرامج التي لم ترق لها أو تطفئ التلفاز عندما تدعو الحاجة. وتقول د. غيسيك: «في جعبتنا نحن الكبار، أيضًا، قائمة (لا تنفك تطول) من الكلمات والعبارات النابية ثم نتساءل: لماذا أولادنا غير مهذبين؟».
• دعي طفلك يتعلم من الواقعة: لا يدرك الأطفال دومًا ما الذي يجعل كلماتهم جارحة إلى هذا الحد. لذا أوضحي لصغيرك أنك تتفهمين شعوره ولكنك لا تسمحين مطلقًا برده. قولي له: «أنا أعلم أنك مستاء بشأن ذلك. وحسب قواعد المنزل، لا ضير في أن تشعر بالغضب ولكن لا يحق لك أن تكون شريرًا». حاولي أن تتجاوزي النبرة التي تحدث بها إلى معرفة السبب وراءها. فقولي له مثلاً: «تبدو غاضبًا بالفعل حيال هذا الأمر. لماذا؟». بهذه الطريقة، سيدرك طفلك أنك تهتمين برأيه. تقول د. شارلتون: «حين يشعر طفلك بأنك تصغين إليه، سيهدأ ويخبرك عما يجول في ذهنه». في هذه الحالة قولي له: «علينا أن نفكر كيف نقول ذلك بطريقة أخرى». وإذا كنت في الخارج ولاحظت وقاحة طفلة ما، دعي ابنك يتنبه إلى سلوكها ويعلق عليه. يقول د. أوزيت: «عندما لا تضعين طفلك تحت المجهر، سيتمكن من التماهي مع أفعاله بشكل أفضل».
• تعاطفي مع مشاعرها: قد يتحدث الأطفال بفظاظة أحيانًا لأنهم يشعرون بأننا لا نسمعهم. لكنك تستطيعين أن تكبحي هذا التصرف عندما تعكسين في كلامك شعور طفلتك، كأن تقولي لها: «أنت لا تحبين...»، «أنت تريدين...»، «هل يزعجك أن...».
• ركزي على الإيجابيات: يحب الجميع أن يشعر بأن من حوله يقدرونه. وحين تقولين لصغيرتك: «شكرًا، لقد ساعدني ذلك كثيرًا» أو «لقد أصبحت غرفتك رائعة!» دون أن تضيفي «لماذا لا تبقينها مرتبة دائمًا؟»، تساعدين طفلتك على الاستجابة لطلبك بإيجابية في المستقبل
.