مشترك إنساني لا يجيده ويطبق مراتبه إلا الأمم المتحضرة.
م. عوض سالم الحربي
المجلس السعودي للجودة
على الرغم من أن مصطلح الجودة وعلومها يعد أمرًا حديثًا نسبيًا، فهو لا يتجاوز القرن الواحد، بمساهمة علماء الجودة بدءًا من أمريكا في غرب الكرة الأرضية ومرورًا باليابان في شرقها وانتهاء ببقية دول العالم، إلا أن الجودة عرفتها البشرية منذ زمن بعيد. فهي مشترك إنساني ومع ذلك لا يجيدها ولا يتقن أداءها ويطبق مراتبها إلا الأمم المتحضرة الراغبة في ذلك.
إن أهمية الجودة في الأعمال والأفعال تكاد تكون اتفاقًا بشريًا لا شك فيه وإن اختلفت اللغات والثقافات.
بالجودة يتحقق المراد، ولتحقيقها يسعى أكثر العباد-.
بالجودة تسعد النفس العاملة، وتتطور ويزداد الاهتمام بها في المنظمات الناضجة-.
بالجودة يتم توفير الأموال وتقليل الأعطال والأخطاء وتوثيق المهام والأعمال.
بالجودة يرضى جميع المعنيين، ويزداد ولاء العاملين والمتعاملين.
بالجودة تزاد فرص النجاح، وتنمو الفرص التنافسية، وتتحقق الاستدامة، وتزداد نسب الأرباح.
للجودة في دين الاسلام شأن أكبر، فهي واجب شرعي وعبادة مثل سائر العبادات كما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء)، والله عز وجل يحب العمل المتقن كما في حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه). والجودة في الإسلام يطلق عليها أيضًا صفة الإتقان التي هي في الحقيقة ذروة سنام الجودة، وهي أدق وأشمل في المعنى، ويكفيها فخرًا أن الله سبحانه وتعالى وصف بها أفعاله وبديع خلقه فقال جل شأنه في محكم التنزيل: }صنع الله الذي أتقن كل شيء{.
وكما أن الجودة واجب شرعي، فهي مطلب وطني عزيز، إذ أشار إليها خادم الحرمين الشريفين مؤكدًا أهميتها ومكانتها، ومبينًا مصدرها الرئيس بقوله، حفظه الله: «ليس من سبيل للمملكة للمنافسة والمشاركة الفاعلة عالميًا، إلا عندما تكون الجودة معيارها الأساسي في كل ما تقدمه للعالم، مستمدة هذا الإتقان من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف»، لتصبح هذه الكلمة التاريخية رؤية خالدة لاستراتيجية وطنية واعدة.
والجودة مثل غيرها من العلوم البشرية فقد اجتهد في تعريفها المختصون انطلاقًا من أصولها الصناعية، ولذا يمكن تعريفها بصورة شمولية في ضوء تعريفات علماء الجودة لها كما يلي:
في مجال المنظمات هي اسم جامع لكل الإجراءات والأنظمة الإدارية والفنية المتبعة لإنتاج منتج أو تقديم خدمة وفق معايير ومواصفات وأدوات ومنهجيات متبعة تكون قادرة من خلالها على الوفاء باحتياجات عملائها ورغباتهم بالشكل الذي يتفق مع توقعاتهم، ويحقق الرضا والسعادة لهم، مع التطوير والتحسين المستمرين لكامل المنظومة للوصول إلى أفضل الممارسات المؤسسية المماثلة.
أما في المجال الشخصي فهي فعل الشيء الصحيح من قول وعمل، بطريقة صحيحة ومقبولة، لتحقيق الرضا الشخصي ورضا المعنيين بصورة مستمرة، وتطوير ذلك وتحسينه للوصول إلى أفضل الممارسات الفردية والمجتمعية.
ويجب أن ترتكز الجودة عند إرادة تطبيقها في شتى نواحي الحياة على أربع ركائز رئيسة كي تصبح نظامًا متكاملاً كما يلي:
التخطيط لما يراد فعله تحديدًا وتوثيقًا بصورة متكاملة ومناسبة.
الاستمرارية والاستدامة في تنفيذ ما تم التخطيط له وتطبيقه بشمولية وانتظام.
المراجعة والقياس لما تم فعله ونتائجه المستهدفة وفق مؤشرات ومعايير ومقارنات مرجعية.
التحسين والتطوير المستمران لما تم فعله والخروج بالدروس المستفادة.
فالجودة خيار استراتيجي وضرورة ماسة ومتطلب رئيس من الجميع، أفرادًا وجماعات، وهي ليست مستحيلة، ومن الممكن الوصول إليها وتحقيقها، من جهة المنظمات والمؤسسات في القطاعات المختلفة، ويجب أن تتحقق في خدمات المنظمات الحكومية، وفي منتجات الشركات الإنتاجية، وفي أعمال المؤسسات التطوعية والخيرية، وكذلك من جهة الأفراد، فكل فرد مطالب بها في مهامه ومسؤولياته وعباداته وتعاملاته وعاداته وأقواله وأفعاله وسائر أحواله. ومتى ما أصبحت صفتا الجودة والإتقان تجريان في العروق وتستنشقان مع الهواء في كل نواحي الحياة، مثل الطالب في دراسته، والمعلم في مدرسته، والمسؤول في إدارته، والوزير في وزارته، والوالدين في بيتهما ومع أبنائهما، والجار مع جاره، وجميع أفراد المجتمع فستصبح الحياة أجمل وأفضل وأسعد.