الزلفي.. عبق الماضي التليد

تقع بين جبال طويق ونفود الثويرات وتكثر فيها المراعي والمتنزهات الجميلة.

إعداد وتصوير: ظافر الشهري

تعد مدينة الزلفي من كبرى المدن التجارية والصناعية في المملكة، إذ تلعب دورًا كبيرًا في اقتصاد البلاد، هذا فضلاً عن مكانتها الاستراتيجية كمنطقة عبور بين شمال المملكة وبلدان الخليج العربي والقصيم والديار المقدسة. كما أنها تقع في المنطقة الرابطة بين الرياض وحائل والمدينة المنورة والكويت، ما ساعد على تقدمها تجاريًا، حيث كانت ممرًا للقوافل التجارية داخل الجزيرة العربية وخارجها. تتميز الزلفي بموقعها الجغرافي الفريد وتنوع مظاهر السطح فيها، هذا علاوة على جمالها الطبيعي، وبخاصة في فصل الربيع، حيث يقصدها المتنزهون من سائر أنحاء المملكة ودول الخليج العربي، إذ إنها تشتهر بكثير من المتنزهات والأماكن الطبيعية، كما عرفت الزلفي بخصوبة أرضها ووفرة المياه الجوفية فيها، وقد مكنتها هذه العوامل من احتلال مكانة مرموقة بين مدن المملكة إذ تفوح بعبق الماضي التليد.
عرفت الزلفي بهذا الاسم منذ القدم، حيث إنها ذكرت في كثير من المؤلفات والروايات التاريخية، ومن بينها كتاب (بلاد العرب) للأصفهاني المتوفى سنة 310 هـ، عندما وصفها بأنها ماء لبني عنبر من تميم في القرن العاشر. وقد اختلف في أسباب تسمية المدينة، فهناك من قال إنها زليفات لتدرج جبل طويق في الارتفاع عندها، وقال ابن خميس هي «زلفى». وقيل إن زليفات تعني القرى المحيطة بالزلفي، وهناك من قال من الازدلاف وهو الانتقال من مكان إلى آخر، وقال ابن بليهد في معجمه «بل أعرف الموضع الذي قال فيه الحطيئة شعرًا، فالزليفات المذكورة في بيت الحطيئة هي بلد الزلفي نسبة إلى موقعها والتابع لها من القرى يقال لها زليفات، وقد ورد لها ذكر في أشعار العرب وأخبارها، وهي تحمل هذا الاسم إلى هذا العهد».
تقع الزلفي في شمال نجد، وهي تتبع إداريًا إلى إمارة منطقة الرياض، وتبعد عن مدينة الرياض مسافة 250 كلم تقريبًا إلى الشمال الغربي، وتبلغ مساحتها 5540 كلم مربع، وترتفع عن سطح البحر بحوالي 600 متر، وتحدها من الشمال والغرب منطقة القصيم، ومن الجنوب محافظة الغاط، ومن الشرق محافظة المجمعة، وترتبط بمدينة الرياض بطريق الرياض - القصيم السريع، وهي تُعد محافظة من الفئة (أ)، كما أنها المحافظة الخامسة في منطقة الرياض بعد محافظات الخرج والمجمعة ووادي الدواسر والدوادمي من ناحية الكثافة السكانية، وتبلغ نسبة التحضر فيها أكثر من 80%، وكذلك تعد ثاني أكبر مدينة من حيث المساحة وعدد السكان في منطقة الرياض بعد مدينة الخرج.
تتمتع المدينة بموقعها الفريد والمتميز، حيث تقع بين جبال طويق ونفود الثويرات، وتغطي رمال الثويرات مساحة شاسعة منها من الشمال والغرب والجنوب الغربي، وتتوافر فيها المراعي والمتنزهات الجميلة، كما تتميز بأنها تقع على مفترق طرق، فمن يأتي من الرياض متوجهًا إلى القصيم ثم الحجاز أو الشمال يمر بها، ومن يقدم من الكويت أو الشمال الشرقي بشكل عام باتجاه القصيم يمر بها، ولذا فهي ملتقى طرق وتجارة، وقد مر بها عدد من الرحالة الأوروبيين في وقت مبكر من القرن العشرين، وتركوا انطباعات عنها، ومنهم الرحالة الدنماركي باركلي رونكيير، والرحالة الإنجليزي الكابتن شكسبير، إضافة إلى الرحالة الشهير وليم جيفورد بالجريف الذي يُعد من أقدم الرحالة الأوروبيين الذين زاروا الزلفي أو مروا بها.
تعود عمارة الزلفي إلى أواخر القرن الحادي عشر الهجري تقريبًا حوالي 1090هـ، وسجلت بعض التواريخ النجدية القديمة أحداثًا ووقائع لهم، وقد بدأ التعليم النظامي في الزلفي عندما افتتحت أول مدرسة بها وهي مدرسة القدس الابتدائية، وكان ذلك في عام 1368هـ، ومن ثمَّ افتتحت ثاني مدرسة بالزلفي وهي مدرسة ابن خلدون الابتدائية عام 1372هـ، بعدها تم افتتاح مدرسة علقة الابتدائية عام 1374هـ، وكانت تابعة آنذاك لإدارة التعليم بمنطقة سدير، ثم توالى افتتاح المدارس الابتدائية إلى أن بلغت اليوم أكثر من ثلاثين مدرسة في كل الأحياء والقرى، يضاف إلى ذلك المعاهد والكليات المختلفة والتي تتبع إلى جهات ومؤسسات تعليمية أخرى. أما تعليم البنات فقد تم افتتاح أول مدرسة عام 1384هـ، ثم توالى افتتاح المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية والتي بلغت27 مدرسة ابتدائية، و13 مدرسة متوسطة، و7 مدارس ثانوية، إضافة إلى كلية التربية للبنات، ومركز للتفصيل والخياطة، ورياض الأطفال والحضانات، وقد تم افتتاح إدارة تعليم البنات عام 1405هـ.
تُعد الزلفي مصيفًا سياحيًا، وهي تشتهر بكثير من المتنزهات والأماكن الطبيعية مثل روضة السبلة التي تعد من أشهر الرياض على مستوى المملكة لما حباها الله من خصوبة التربة، وتجري فيها بعض الأودية مثل وادي مرخ، ووادي النوم، ونفود الثويرات الذي يحيط بالزلفي من ثلاث جهات عدا الشرق، إضافة إلى متنزه المطل الغربي الذي يقع على مدخل المحافظة الغربي على ارتفاع 125 مترًا وبمساحة مليون متر مربع تقريبًا، ومتنزه المطل الشرقي وقد تم إنشاؤه على جبل طويق ليشرف على الزلفي من جهة الشرق فضلاً عن متنزه الزلفي الوطني وهو متنزه بري حديث الإنشاء ويقع غرب المحافظة على مسافة 35 كم، ومتنزه الكسر الذي يقع في شمال شرق المحافظة وتجتمع فيه السيول في موسم الأمطار ويكون مقصدًا للأهالي وزائري المحافظة. كما توجد بالزلفي بحيرة الكسر وروضة السبلة، كما يوجد بها المطل الشرقي جبلي والمطل الغربي رملي. أما الأودية فتوجد بها ثلاثة أودية مشهورة هي: وادي مرخ, ووادي النوم، ووادي سمنان. ويعد وادي سمنان وجهة حضارية للزلفي، كما يوجد في الزلفي عدد من المتاحف الصغيرة منها: متحف سعود الدوسري، ومتحف ابن حميدان، ومتحف البواردي.
تحتضن أرض الزلفي كثيرًا من المواقع والمعالم والمناطق والأماكن الأثرية والطبيعية والتاريخية والتي ما زال بعضها يحتفظ بمعالمه والآخر اندثر بمرور الزمن، ومن أبرزها قرية علقة القديمة، وجزرة وقرية العقلة الجنوبية، وبيت التراث، ومكتب الآثار بالمحافظة، ومتحف الضويحي الشعبي بعلقة، ومتحف الحمد، والمطل الغربي، والمطل والشرقي. وتضم الزلفي قرية المنزلة وهي قرية قديمة عبارة عن مكان أثري، كان بها قصر قديم يسمى قصر المنزلة بقربه مقبرة قديمة فيها قبور طويلة، وقرية سمنان وهي قرية زراعية قديمة تقع على مجرى وادي سمنان يعود تاريخها إلى العصر الجاهلي وتحتوي على منازل ومزارع قديمة، وبها كهف كبير في أعلى الوادي يحتوي على كتابات قديمة إلى جانب قرية عريعرة وهي أيضًا قرية قديمة يمر بوسطها واد يمتد إلى علقة والسيح ويعود تاريخها إلى العصر الجاهلي، إضافة إلى قصر سعود وهو قصر تاريخي بناه الإمام سعود الكبير عندما حاصر الزلفي عام 1194هـ في عهد والده الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، وما زالت بعض أسواره قائمة على الرغم من حاجتها إلى الصيانة والترميم، وقصر ضبعان الذي كانت معالمه وآثاره قائمة إلى وقت قريب. أما اليوم فقد اندثرت معالمه. يقع هذا القصر الأثري إلى الشمال الشرقي من بلدة علقة، إضافة إلى قصر القصير وهو من المعالم الأثرية في الزلفي، والقصير تصغير قصر، ولا تزال آثار هذا القصر وما حوله من بيوتات بارزة، ويقع هذا القصر إلى الشمال من علقة، ويمر بجواره شعيب يسمى شعيب القصير.
الزلفي مدينة زراعية، وتعد الزراعة من أهم مقومات الحياة الاقتصادية فيها بسبب خصوبة أرضها ووفرة مياهها، ما جعلها من المناطق الزراعية المشهورة بإنتاج عدد من المحاصيل الزراعية وعلى رأسها القمح والتمور والخضراوات والشعير والأعلاف. وصل عدد مزارعها إلى خمسة آلاف مزرعة، وتعد الزلفي من المناطق الرئيسة في إنتاج هذه المحاصيل، إذ يصل إنتاج المنطقة إلى 150 مليون كيلو من القمح، إضافة إلى المنتجات الزراعية الأخرى التي تغطي المنطقة ويتم تسويقها للمناطق المجاورة، كما تعد الزلفي مدينة ذات طابع تجاري، حيث تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية لدى سكانها الذين عرفوا بالتجارة منذ القدم، وقد ساعد موقع المدينة على تقدمها تجاريًا، فقد كانت ممرًا للقوافل التجارية من داخل الجزيرة العربية وخارجها، حيث إنها تربط بين شمال المملكة ودول الخليج العربي والديار المقدسة، ما جعلها منطقة تجارية في الوقت الحاضر والماضي، حيث إن أبناءها كانوا يعملون بالتجارة والتنقل بين البلدان بوساطة الجمال وكان عشقهم للتجارة منذ القدم.
وتذكر الروايات التاريخية أن أهل الزلفي وصلوا بتجارتهم ومعاملاتهم إلى بلدان كثيرة كالبصرة والكويت والشام والزبير والهند. وفيما يخص الصناعة فقد كان أهالي الزلفي يعتمدون على الصناعة اليدوية في الماضي لسد احتياجاتهم، أما الآن فإن الصناعة بالمحافظة أخذت اهتمامًا كبيرًا، إذ إن هناك مصانع بالمدينة تعد الأولى بالمملكة من ناحية الإنتاجية والتصدير.
ومثل غيرها من المناطق والمحافظات الأخرى، فقد تحقق لمحافظة الزلفي العديد من المنجزات الحضارية وفي مجالات مختلفة، سواء من الناحية العمرانية أو الزراعية أو الصناعية أو التعليمية، ففي المدينة أكثر من 35 مصنعًا للمنتجات البلاستيكية، والمعدات الزراعية، وهياكل السيارات، والرشاشات المحورية، ومصانع الخرسانة، ومصانع الألبان، كما تصل أعداد الورش والنقليات إلى 170 ورشة ونقلية، فيما تبلغ أعداد المؤسسات والمحال التجارية بمختلف نشاطاتها نحو 2200 مؤسسة ومحل تجاري. أما المشاريع الزراعية فتصل إلى 79 مشروعًا، إضافة إلى خمس مؤسسات طبية، وتسع وكالات ومطابع، وتتوافر فيها مكاتب ومندوبون للصحف المحلية، ومحطة تلفازية، إلى جانب ناد للفروسية وميدان لسباق الخيل، وفرع لجمعية الهلال الأحمر السعودي، ومكتب لصندوق التنمية العقارية، ودائرة للكهرباء، وفروع للبنوك الوطنية، إضافة إلى الدوائر الحكومية الأخرى .