الببغاء الذكي

بقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: George Pontino, Jr

كان الأستاذ مختار يحبُّ الطيورَ كثيرًا, وقد جعل بيتَه أشبهَ ما يكونُ بحديقةٍ للعصافير والطيور. كان يأملُ أنْ يحصلَ على ببغاء يتكلم, لأنه رأى في حديقةِ الحيوان ببغاء يقلِّد كلامَ الناسِ وأصواتَهم, وتهيأت له الفرصةُ للسفرِ خارجَ بلدِه إلى إحدى بلادِ أفريقيا فرأى طيورَ الببغاء وهي تطيرُ من شجرةٍ إلى شجرةٍ وتصدرُ أصواتًا تشابه ما تسمع، فهذا ببغاء يقلِّدُ الناسَ في كلامِهم، وذاك آخرُ يقلِّدُ أصواتَ بوقِ السيارة، و ثالثٌ يهبطُ على موائدِ الطعامِ التي افترشها البائعون فيأخذُ منها ويأكلُ ما يسرَّه. قرَّر الأستاذ مختار أنْ يشتري ببغاء، وأنْ ينقلَه إلى بيتِه. وحين وجد الببغاء الذي يعجبه اشتراه ووضعه في قفصٍ من الخوص، وحين أراد أنْ يغادرَ السوقَ نبَّهه بائعُ الببغاء أنَّ هذا الببغاء يُقلِّد أكثرَ الأصواتِ والحركات، وأنه قلَّد أصواتَ البشر.
حاول مختار أنْ يعلِّمَ الببغاءَ كلامَ البشرِ وبعضَ الكلماتِ المضحكة، وأنْ يحرِّك رأسَه يمنةً ويسرةً كما يصيحُ الإنسان، وأنْ يهتفَ الله أكبر، الله أكبر. بلغ من تعليمِه للببغاء أنه إذا قرع جرسَ البابِ راح يصيح: هناك وافدٌ إلى البيت، فإنْ دخل الضيفُ الدارَ رحَّب به الببغاءُ قائلاً: أهلاً وسهلاً، وإنْ لم يعجبْه شكلُ الوافدِ صاح: اطردوه.
حين اطمأنَّ مختار إلى شدّةِ ذكاءِ الببغاء وقدرتِه على التصرُّفِ أخرجه من القفص وأطلقه داخلَ البيت، وكان إذا سمع قرعَ الجرسِ صاح: اقرعْ البابَ بهدوءٍ فإنك على أبوابِ بيتٍ محترم، وهكذا أصبح الببغاءُ تسليةَ أهلِ البيت، إذ يخرج أحدُهم إلى خارجِ البيتِ ويبدأ بالقرعِ على الباب، فيصيح الببغاء: اقرعْ البابَ بصوتٍ منخفضٍ فأنت على بابِ بيتٍ محترم.
بلغ من ثقةِ مختار بطائرِه أنه كان يتركه في البيتِ وحيدًا لمعرفتِه أنه يرحبُ بالقادمين، ويصيحُ على من يسيئون قرعَ البابِ ما يحملُ القادمَ على الرجوع. وفي أحدِ الأيامِ كان مختار مع أهلِه خارجَ البيت، وجاء لصٌ فقرع البابَ بهدوءٍ يريدُ أنْ يعلمَ إذا كان في البيتِ أحدٌ فردَّ عليه الببغاءُ بكلمة: أهلاً و سهلاً، تفضل، فارتعب اللصُّ و فرَّ هاربًا، ظانًّا أنَّ هناك بعضَ سكانِ الدار. وفي مرةٍ أخرى جاء لصٌ آخرُ فأراد أنْ يقتحمَ الدارَ ويسرقَها، وأحبَّ أنْ يعلمَ إنْ كان في الدارِ أحدٌ، فقرع البابَ قرعاتٍ قويةً، فإذا بالببغاء يصيح به: اذهب من هنا ففر. وفي مرةٍ ثالثةٍ جاء لصٌ ومعه مجموعة مفاتيح وحاول فتحَ قفلِ الباب، وأحسَّ الببغاءُ بأمرٍ غريب، فراح يصيح: «حرامي، حرامي»، وفرَّ اللص، وحين جاء صاحبُ الدارِ وفتح الباب، صاح الببغاءُ: «حرامي، حرامي»، فعلم مختار أنَّ لصًا قد جاء إلى البيتِ وأنَّ الببغاءَ أخافه، فاقترب من الببغاء ومسح على رأسِه وريشِه وقدَّم له حبة تين جاف، فأمسكها بيده وبدأ يأكلها. وفي اليوم الثاني حين اجتمع مختار مع أصدقائه وحدَّثهم بما صنع الببغاء، قال له صديقُه عمر: هل تبيعني إياه، فاعتذر مختار إليه وقال له: إنَّ هذا الطائر خيرٌ من حارسٍ ومهرجٍ وصاحبِ طرفة، لذا فإنِّي لن أتنازلَ عنه أبدًا.