الجوهرة المشعة

مدينة رياضية جسَّدت أدق المعايير العالمية وأرقاها وفق إتقان هندسي في التصميم والتنفيذ.

محمود الديب

تتحقق حلم المدينة الرياضية الأضخم في الشرق الأوسط على أرض جدة، عروس البحر الأحمر، وجسَّدت جوهرة جدة المشعة رؤية خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لمستقبل الرياضة في المملكة. فهي تضم أضخم المنشآت الرياضية المقامة وفقًا لأعلى المقاييس والمعايير العالمية لتنافس مثيلاتها في الدول الأكثر تقدمًا.
أمر خادم الحرمين الشريفين بإنشاء المدينة هدية منه للرياضيين. قام بتنفيذ المشروع الضخم شركة أرامكو السعودية. بلغت تكلفة المدينة الرياضية مليارًا و900 مليون ريال سعودي، إذ تبلغ مساحتها ثلاثة ملايين متر مربع. صُمِّم الملعب الرئيس في المدينة على شكل جوهرة مشعة تزيد من تألق عروس البحر الأحمر وتوهجها. كانت هندسة «الرواشين» حاضرة في تصميم المدينة بتناغم كبير للدمج بين ماضي جدة ومستقبلها الواعد. صُمِّمت المدينة لاستضافة الفعاليات غير الرياضية من مهرجانات وفعاليات ثقافية بحكم تصميمها الفريد والتجهيزات التقنية العالية. روعي في تصميم المدينة وتنفيذها الظروف البيئية والمناخية للمنطقة، إذ تم تصميم الملعب بما يتيح تهويته بشكل طبيعي عبر تجميع الهواء من محيط الملعب وضخه إلى الأعلى بشكل دوري ومستمر، ما يمنح فرصة لتجدد الهواء وانتشاره، وتقليل دخول الهواء الساخن، وتقليل أثر الرطوبة. أخذت في الحسبان حركة الرياح واتجاه الشمس لإعطاء بُعد بيئي مهم للمدينة الرياضية للحفاظ على موارد الطاقة فيها.
اعتمد التصميم على الرسومات الطبيعية للكثبان الرملية التي استخدمت في عدد من المرافق من بينها المسجد الرئيس في المشروع، بينما تم اعتماد الزخارف الإسلامية في مرافق الملعب. علاوة على ذلك تميز تصميم المشروع بالعصرية والأناقة الفريدة.
طرزت المدينة بأعمال فنية للعديد من الفنانين السعوديين موزعة على أنحاء مختلفة من الملعب، وبادر عدد من كبار التشكيليين برسم إبداعاتهم على جدران مرافق الملعب الرئيس لإضفاء لمسة جمالية.
تضم المدينة الرياضية «الحلم» ملاعب ومساحات ومرافق رياضية مصممة وفقًا لأرقى المعايير العالمية وأحدثها. من تلك المرافق ملعب كرة القدم الذي أنشئ بمعايير دولية وبطاقة استيعابية تصل إلى نحو 60 ألف متفرج، ولا يوجد بالملعب مضمار يحيط به ويسيجه ليقرب الجمهور من الحدث، ولإضافة مزيد من التفاعل والاستمتاع بالمباريات. وبالملعب شاشتان إلكترونيتان عملاقتان بمقاس (9.5 متر × 16مترًا) تقدمان للمتفرج متعة بصرية إضافية.
تحتضن المدينة صالة رياضية مغلقة للألعاب المختلفة بسعة عشرة آلاف متفرج، وتحتوي على ثلاثة ملاعب كرة قدم خارجية، وأربعة ملاعب لسداسيات كرة القدم، وستة ملاعب تنس أرضي، ومرافق ومضامير خارجية لألعاب القوى. الملعب الرئيس في مدينة الملك عبدالله الرياضية مجهز بتسعة مواقع ثابتة و15 موقعًا متحركًا خاصًا لكاميرات النقل التلفازي لتمكنها من نقل الفعاليات. تتكون المدرجات المخصصة للجماهير من ثلاثة مستويات لتقديم رؤية واضحة لأرضية الملعب، وتمت تغطية سقف المدرجات بنسيج قماشي وشبكة فولاذية متينة لوقاية الجماهير من الشمس والأمطار، واستخدم في تصميم الملعب أحدث التقنيات اللازمة للتحكم في درجة الحرارة وتدفق الهواء في الملعب. كما أن الجماهير يمكنها الاستفادة من إنترنت مجاني يغطي جميع أرجاء المدينة ويتيح للجمهور مشاركة اللحظات الماتعة التي يقضيها في المدينة مع أحبائه وأصدقائه عن طريق المشاركة في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
تحتوي المدينة على مسجد رئيس ومصليات عدة موزعة على أنحاء متفرقة من المدينة، إضافة إلى ثلاثة استديوهات مجهزة للتحليل الرياضي والمقابلات الرياضية.إنجاز هذا المشروع وخلال وقت قياسي كان هو التحدي الأكبر الذي واجه شركة أرامكو والشركات المنفذة للمشروع، ففترة التنفيذ لم تتجاوز أربعة عشر شهرًا. لذا فإن الشركات بدأت بأقصى طاقاتها من اليوم الأول، وتم تجنيد قرابة عشرة آلاف شخص لإنجاز المشروع، وهذه الآلاف قضت أكثر من 23 مليون ساعة عمل على مدى 13 شهرًا حتى تسليم المدينة قبل الموعد المحدد بشهر كامل.
شارك في إنجاز هذا المشروع الضخم كبرى الشركات العالمية، وكان تصميم المدينة من تنفيذ مكتب «أروب» ARUP البريطاني، وهو من أشهر دور التصميم الهندسي في العالم، إذ صمم عددًا من أشهر المعالم الإنشائية في العالم من بينها دار الأوبرا في سيدني بأستراليا، وبرج كانتون أحد أطول أبراج العالم والعديد من المدن والصالات الرياضية، من بينها ملعب «إليانز أرينا» في ألمانيا، وشركة «بيسكس» البلجيكية التي شاركت في تنفيذ برج خليفة في دبي، وحلبة «فيراري» في أبو ظبي. استخدم نحو 200 ألف متر مكعب من الخرسانة الجاهزة، و90 ألف طن من الحديد المسلّح، ونحو سبعة آلاف طن من الهياكل الحديدية الأخرى لتنفيذ مساحة الملاعب، والتي بلغت مساحتها 169.622 مترًا مربعًا. تجاوزت أعمال حفر المشروع أكثر من 1.2 مليون متر مكعب، وأعمال تمديد للأنابيب وصل مجموع أطوالها إلى 15.7 ألف متر، إلى جانب أعمال الطرق المؤدية للموقع والتي بلغ إجمالي أطوالها نحو 8.5 كيلو متر، ومواقف السيارات بلغت مساحتها أكثر من مليون متر مربع. كل من يشاهد هذا الصرح الرياضي لا يسعه سوى أن يرى جوهرة جدة مثل جوهرة حقيقية عملاقة، تتألق في سماء جدة والمملكة بفضل تقنيات الإضاءة المتقدمة التي تزين الملعب من الخارج، إلى جانب التصميم الذكي لواجهات الملعب التي تشكل تموجات رائعة بفضل الاتقان الهندسي في التصميم والتنفيذ إذ روعي فيهما أدق المعايير العالمية وأرقاها. .