كوين ماري.. الفندق العائم
أشهر عابرة للمحيطات ترسو على شواطئ كاليفورنيا وتعد مدينة متكاملة الخدمات.
عبدالله بن علي الزهراني
لوس أنجلوس
يسافر الإنسان شرقًا وغربًا في هذا العالم الفسيح، يزور مواقع عديدة، ربما قصدها أو قادته المصادفة إليها، ولكن تبقى هناك أماكن ليست كغيرها، تبقى ذكرياتها محفورة في أذهان الزائرين ولا تُنسى ولا تُمحى بسهولة. من بين تلك المواقع، السفينة الشهيرة كوين ماري الراسية على شاطئ لونغ بيتش في لوس أنجلوس، جنوب كاليفورنيا، إنها الترجمة الحقيقية للتجربة الأمريكية في الحفاظ على آثارها الوطنية، وذلك إيمانًا منها بأنها الثروة الوطنية الحقيقية الباقية، حيث جعلت للاستثمار في تراثها أهمية خاصة في نموها الاقتصادي وتنمية فرص العمل لمواطنيها.
اهتمام وعناية
لقد شاهدت معلمًا تاريخيًا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، حال دخولي السفينة انتابتني فترة ذهول من المشاهد التي رأيتها والتي ذكرتني بفيلم (تايتنيك) الشهير، حيث السلالم والممرات والمحال التجارية، والمسابح والمطاعم، وغرفة النوم وقاعة احتفالات كبرى، ومسرح، وملعب اسكواش، و مستشفى صغير وغيرها من المواقع والخدمات، والتي لم تفقد أصالتها وتاريخها حتى اليوم، فقد حظيت السفينة باهتمام كبير وعناية كاملة، حتى إن أحد الزملاء همس لي قائلاً: هل صحيح أننا في السفينة الشهيرة التي بنيت قبل حوالي 85 عامًا؟
أناقة ورفاهية
البداية، كانت مع الكابتن (will kayne) الذي استقبلنا هو ومساعده بالزي الرسمي لربان السفينة، وتولى مرافقتنا في الجولة داخل ممراتها وطوابقها وأقسامها المتعددة، وأفاد أن الملك جورج الخامس هو الذي أطلق اسم زوجته (كوين ماري) على السفينة، وكان تدشينها حدثًا غير عادي وقصتها ضاربة في أحداث القرن الماضي بالأناقة والرفاهية، إذ كانت بداية بنائها في عام 1930، باسكتلندا، وبسبب النكسات الاقتصادية التي عانت منها البلاد خلال فترة الكساد الكبير، فقد توقف بناء السفينة لعدة سنوات، وتشير بعض المعلومات إلى أن عملية بنائها تطلبت عشرة ملايين مسمار!
الأغنياء والمشاهير
في 27 مايو عام 1936 غادرت الملكة ماري من ساوث هامبتون بإنجلترا في رحلتها الأولى، ووضعت (كوين ماري) معايير جديدة في مجال السفر عبر المحيط الأطلسي، ويعدها الأغنياء والمشاهير آنذاك الطريقة المتحضرة الوحيدة للسفر، وسرعان ما سيطرت على قلوب الجمهور على جانبي المحيط الأطلسي، إذ تمثل روح عصر تشتهر فيه الأناقة، والأسلوب والطبقة الراقية.
أروع عابرة
لمدة ثلاث سنوات بعد رحلتها الأولى، كانت الملكة ماري أروع عابرة محيطات في العالم تحمل مشاهير هوليوود مثل بوب هوب وكلارك غيبل، والملوك مثل دوق ودوقة وندسور، وكبار الشخصيات مثل ونستون تشرشل. خلال ذلك الوقت سجلت رقمًا قياسيًا في مجال السرعة، واستطاعت المحافظة عليه لمدة 14 عامًا، ولكن عندما رست كوين ماري في نيويورك في سبتمبر 1939 كانت المرة الأخيرة التي تحمل فيها الركاب المدنيين منذ حوالي عقد من الزمان.
سفينة الجند
بعد عام 1939 بدأت الحرب العالمية الثانية، لتتحول الملكة ماري إلى سفينة جنود، ورسمت بلون رمادي للتمويه، وتجردت من وسائل الراحة الفاخرة، وكانت أكبر وسيلة لنقل الجنود وأسرعها في ذلك الوقت، وقادرة على نقل ما يصل إلى 16 ألف جندي، وكانوا لا يستطيعون النوم إلا على ثلاث دفعات! بعد نهاية الحرب العالمية الثانية استأنفت كوين ماري خدمة الركاب العادية عبر المحيط الأطلسي، واستمرت في القيام بذلك لما يقارب عقدين آخرين.
اللحظة الأخيرة
ساعد ازدياد شعبية السفر الجوي بالطائرات، إلى نهاية عصر السفينة كوين ماري، فبحلول عام 1965، قررت الشركة المالكة التقاعد وبيع جميع أسطولها ومن بينها كوين ماري، وذلك في 31 أكتوبر عام 1967، وغادرت السفينة إلى بلدها ووصلت إلى لونغ بيتش بكاليفورنيا في 1967، ولكن كوين ماري لم ينته بها المطاف عند هذا الحد، ولم تهمل، فقد تم استثمارها باحترافية وإبداع من خلال مشاريع سياحية ضخمة، ومركز تجاري وفندق عائم، ومركز للمؤتمرات والحفلات والمناسبات الضخمة، وتحتوي أيضًا على ثلاثة مطاعم على مستوى عالمي، كما أنها تمثل وجهة سياحية رئيسة كونها تتربع على قائمة السجل الوطني الأمريكي للأماكن التاريخية، وهي بذلك تعد رمزًا وطنيًا أمريكيًا بارزًا في جنوب كاليفورنيا.
.
|