الصديقان الحميمان

بقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: George Pontino, Jr

إنكانَ محمودٌ وسامرٌ صديقيْن متجاوريْن في البيوتِ ومتجاوريْن في المدرسةِ. فقد كانا في صفٍّ واحدٍ وفي مقعدٍ واحدٍ، وكانَتْ بينهُما صداقةٌ قويةٌ، ولكنَّ الفرقَ بينهما أن محمودًا كانَ والدُه غنيًا لا يبخلُ عليه بشيءٍ، وأن سامرًا كانَ والدُه فقيرًا، وكانَ يعملُ في زراعةِ الحدائقِ. هذا الأمرُ أدَّى إلى مفارقةٍ بينهما. فبينما كانَ والدُ محمودٍ يعيشُ في رفاهيةٍ كانَ والدُ سامرٍ يعيشُ في بؤسٍ. وأدى الأمرُ إلى أن محمودًا كان يحصلُ على ما يلزمُه من الكتبِ، والدفاتر،ِ والأقلامِ، والأدواتِ المدرسيةِ، بينما كان سامرٌ يعاني فقدانَ هذهِ الكتبِ والأدواتِ، مَا كان يسببُ له الحرجَ أمامَ أستاذِه، الذي كان يؤنِّبُه لعدمِ إحضارِ الكتبِ، وعدمِ كتابةِ الوظائفِ بشكلٍ جيدٍ. وكان سامرٌ يضطرُ إلى استعارةِ الكتبِ المدرسيةِ ودفاترِ الوظائفِ من صديقهِ محمودٍ، ما قوَّى الروابطَ بينهما، فكانا يتعاملان كأنهما أخوان.
وذاتَ يومٍ ذكرَ محمودٌ لوالدِه وضعَ سامرٍ المادِّي، وأنه ذكيٌّ جدًا لكنه لا يستطيعُ مسايرةَ المدرسةِ في طلباتِها. وكان الأبُ صاحبَ وجدانٍ حيٍّ، ونفسٍ طيبةٍ، فطلبَ من ولدِه أن يشتريَ مجموعةَ كتبٍ ودفاترَ دونَ أن يُعْلِمَ صديقَه، ثم قال لولدِه يا بُنَيَّ: إذا طلبَ صديقُك كتابَك ليقرَأَ فيه فأعطهِ إياهُ، وإذا جاءَ ليردَّه إليك فقلْ أبقِه معك حتى نهايةِ السنةِ، فأنا أملكُ كتابًا آخرَ. وإياكَ أن تقولَ له: خذْهُ حتى لا يشعرَ بالانكسارِ والذِّلَّةِ.
هذا الموقفُ أدى إلى تطورِ وضعِ سامرٍ المدرسيِّ، فأصبحَ يحفظُ دروسَهُ، ويكتبُ وظائفَه بشكلٍ جيدٍ، ما أدَّى إلى إعجابِ أستاذِهِ بهِ شيئًا فشيئًا، خصوصًا أنه كانَ ذكيًا. وحين جاءتْ نهايةُ السنةِ كان سامرٌ ومحمودٌ من الأوائلِ في الصفِّ.
أنهى سامرٌ ومحمودٌ دراستَهُما وتخرجا في المدرسة، وزادتْ الصلةُ بين الصديقينِ فلمْ يكنْ أحدٌ لا يعرفُهما يشكُّ أنهما أخوان. ودخل الاثنان الجامعةَ وسارا على الخطةِ نفسِها، وكان الأبُ مسرورًا جدًا من نجاحِ الولدين وحسنِ الصلةِ بينهما. وافتتحَ الأبُ لولدِه شركةً تجاريةً وأوكلَ له إدارتَها، بينما تخرجَ سامرٌ في كليةِ الاقتصادِ حائزًا شهادةَ المحاسبةِ. وحين تحدثَ مع صديقهِ أنه يريدُ أن يبحثَ عن عملٍ فيكفي ما قدماه إليه، قال محمودٌ: أولسنا أخوين؟ فأجابَ سامرٌ: بل أكثرُ من ذلكَ، وما قدمتَه إليَّ من معروفٍ لن أنساهُ أبدًا، وإني لا أشعرُ تجاهَكَ إلا بشعورِ الأخوةِ، ولا أشعرُ تجاهَ والدِك إلا بشعورِ البنوةِ نحو الأبِ، وأنا لا أستطيعُ مكافأتَكم، بل أسألُ اللهَ عزَّ وجَلَّ أن يكافئَكم.
وقالَ محمودٌ ما رأيكَ يا سامرٌ أن تكسبَ رزقَك بتعبِك، ولا تكونُ لأحدٍ عليك ملاحظةٌ؟ قال كيفَ ذلكَ؟ فقالَ أحتاجُ إلى محاسبٍ، وأنت درستَ المحاسبةَ، فما رأيُك أن تكونَ محاسبَ الشركةِ بالراتبِ الذي تريدُه، فتكونَ بذلكَ تؤدِّي لنا خدمةً وفضلاً بأمانتِك وإتقانِك لعملِك؟
أصبح سامرٌ محاسبَ الشركةِ، ومحمودٌ مديرَها. وتطورت الشركةُ ونجحتْ. ولاحظَ والدُ محمودٍ أن لسامرٍ أختًا ملتزمةً بأخلاقِ الإسلامِ، فقالَ: ما رأيُك يا محمودٌ وقد حان وقتُ زواجِك أنْ نخطبَ لكَ شقيقةَ سامرٍ وتزدادُ الأواصِرُ بينكما؟
حين أقيم الاحتفالُ بزواجِ محمودٍ من شقيقةِ سامرٍ، وعمت الاحتفالاتُ وقف سامرٌ في الحفلِ وقالَ بملءِ فيهِ: إن الرسولَ، عليه الصلاةُ والسلامُ، يقول: «مَنْ لَمْ يشكرِ النَّاسَ لَمْ يشكرِ اللهَ»، وإن ما ترونَه اليومَ من معالمِ السعادةِ إنما هو بفضلٍ من اللهِ، ثم بفضلٍ من والدِ محمودٍ، ومحمودٍ، فأوجِّه حمدِي للهِ، وشكري لهذهِ العائلةِ الكريمةِ.. ودامت المحبةُ. .