عرس جزيرة فرسان

يجسد المهرجان تظاهرة اجتماعية فريدة توارثتها الأجيال، لاصطياد أسماك الحريد كل عام.

فتحي سمير

لا تندثر عادات الأمم المستمدة من ماض عريق، بل تحيا وتترسخ عبر الزمان لتعانق المستقبل وتصبح جزءًا من حاضر الأجيال، المستمد من عبق تاريخ أصيل تجذر على أيدي أوائل من بشروا بحضارة هذه البلاد.

 

امهرجان الحريد السنوي من هذه الظواهر التي لا تزال شاهدة على احتفاء أهل جزيرة فرسان التابعة لمنطقة جازان منذ القدم بصيد أسماك الحريد أو ما يسميها أهلها بأسماك الببغاء، نظرًا لشكلها وألوانها الجميلة التي تشبه الببغاء.
المهرجان الذي احتفى به الفرسانيون، مؤخرًا، في نسخته الحادية عشرة، يجسد تظاهرة اجتماعية فريدة توارثتها الأجيال في الجزيرة، حتى أضحى مهرجانًا سنويًا يعزز من القيمة السياحية للجزيرة الحالمة، ليتخطى في سنواته الأخيرة حدود المحلية، بتوافد الكثير من السياح من منطقة الخليج، وبعض الدول الأوروبية. يعد المهرجان من أهم المهرجانات السياحية التي يتم تنفيذها في جازان من قبل مجلس التنمية السياحي بالمنطقة بالتعاون مع الاتحاد العربي للألعاب البحرية وفرع الهيئة العامة للسياحة والآثار، ويلقى اهتمامًا كبيرًا من أهالي المنطقة.

استعدادات خاصة
تستعد جزيرة فرسان كل عام لانطلاقة المهرجان الذي يتوافد له الآلاف من الزوار، لحضور المهرجان الذي يشهد العديد من الفعاليات التي تتضمن ألعابًا ومسابقات بحرية وشبابية ودعوية، إلى جانب الحفل الثقافي ومسابقات صيد الحريد، والفعاليات الشعبية وترديد الأهازيج.
تبدأ علامات اقتراب موعد المهرجان مع ظهور أسراب سمك الحريد بخليج الحصيص، الذي يعد الموقع الرسمي للمهرجان، ويسمى كل سرب من أسراب الأسماك «السواد»، وهي مجموعات الأسماك القادمة للممر الضحل والتي تبشر بموسم ناجح للصيد.
تعمل لجنة الصيد بالمهرجان على التعامل مع الأسراب المهاجرة إلى الجزيرة بحثًا عن الدفء في اقترابها للشاطئ فيما يشبه الانتحار الجماعي، وذلك عبر شباك خاصة تستهدف تجميعها بالقرب من الشاطئ وذلك حتى موعد انعقاد المهرجان.

المهرجان
يعرف الصيادون موعد اقتراب السمك من الجزيرة عبر رائحة مميزة تنبعث من البحر، يرجح أنها رائحة البيض التي تطلقها الشعاب المرجانية، التي تعيش الأسماك بقربها وتتناول غذاءها من خلالها. وهذه العملية تتم مرة واحدة في العام، وعادة ما تكون في نهايات شهر مارس وبدايات إبريل. تبدأ هذه الرائحة في الظهور بعد مغرب يوم الخامس عشر من الشهر القمري الذي يوافق أواخر شهر مارس، حينما يكون البحر في حالة الجزر، أو ما يعرف بـ«العراء» كما يطلق عليه أهالي فرسان.
دأب الجميع منذ القدم على التجمع على الساحل باكرًا، إذ يعتلي بعض الرجال القمم المجاورة للساحل لمراقبة المياه ومشاهدة أسراب الحريد حين تدخل إلى الخليج، ويبدأ نصب الشباك أو ما يعرف بـ«الدور» من قبل الصيادين، لتجميع أسراب الأسماك مع بعضها بعضًا، إذ يتجاوز عددها مئات الآلاف، ويظهر كل سرب منها على شكل بقعة سوداء في المياه. بعد إحكام الشباك على كل مجموعة يتم جرها إلى موقع قريب من الشاطئ الذي يقف عليه الأهالي والمشاركون في المهرجان متأهبين للانطلاق واصطياد الأسماك، كل منهم يحمل في يده شبكته الخاصة على شكل كيس لتسهيل عملية اصطياد السمك. وعند الانتهاء من عملية التجميع يتم استخدام أغصان شجر النبق أو الكسب التي يتوجه إليها السمك، فتصبح عملية الصيد سهلة.
بعد صدور إشارة الانطلاق يتسابق الجميع لنيل نصيبه من الأسماك، ولا يقتصر الاحتفاء بالحدث على المجتمعين على الساحل بل تكون المنازل في الجزيرة، أيضًا، في حالة احتفاء، إذ تحرص النساء على إهداء الأسماك للمتزوجين حديثًا، والاحتفال في منازلهم بهذا الحدث.

حضور متميز
يعطي حضور صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبدالعزيز أمير منطقة جازان، رئيس مجلس التنمية السياحية بالمنطقة، نكهة خاصة للمهرجان، خصوصًا مع دأبه طوال الأعوام السابقة على الحضور وإعطاء الإشارة بالانطلاق.
يصاحب المهرجان سباقات بحرية ينظمها الاتحاد العربي السعودي للألعاب البحرية بالتعاون مع مجلس التنمية السياحي ومكتب رعاية الشباب بالمنطقة، وذلك بشاطئ الغدير بالمحافظة. وتتضمن هذه الفعاليات استعراضات بحرية متنوعة تتضمن مشاركة دبابات بحرية تقوم بقفزات هوائية، وسباقات صيد الأسماك بمشاركة صيادين من عدد من مدن المملكة ودول الخليج، إلى جانب بطولات كرة القدم والطائرة الشاطئية.