الدُّبُّ والعسلُ

بقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: George Pontino, Jr

كانَ محسنٌ يتجولٌ في الغابةِ، فاسترعَى انتباهَه شجرةٌ كبيرةٌ فيها حفرةٌ عميقةٌ في ساقِها وأمامَها ساحةٌ كبيرةٌ، فأعجبَه المنظرُ وبحثَ عن صاحبِ الشجرةِ واشتراهما وبنى في الساحةِ بيتًا كبيرًا، وانتقلَ إليه وقد زاد تعلقُه بكثرةِ العصافيرِ التي كانتْ ترِدُ إلى الشجرةِ وتُكْثِرُ الزقزقةَ والغناءَ، وتجعلُ أعشاشَها على الشجرةِ.
لاحظَ محسنٌ كثرةَ الحيواناتِ في الغابةِ ولكنه لم يهتمْ بها، لكنّ الذي لفتَ انتباهَه أن مجموعاتٍ من النحلِ اتخذتْ من حفرةِ الشجرةِ الكبيرةِ بيتًا، وكانت في كلِّ موسمٍ تنتجُ العسلَ وتضعُه في الحفرةِ.
لكنَّ الذي أزعجَ محسنًا أن بعضَ الحيواناتِ كانت تتسلطُ على خليةِ النحلِ تأكلُ العسلَ.. وكان أشدَّ الحيواناتِ أذى دُبٌّ يتسلقُ الشجرةَ ويُدْخِلُ رأسَه في الحفرةِ ويلتهمُ العسلَ كلَّه. وقد تعوَّدَ الدُّبُّ وعرفَ ميقاتَ نضوجِ العسلِ، فإنه يتسلقُ الشجرةَ في موسمِ حصادِ العسلِ ويأكلُه، ما كان يسببُ لمحسنٍ الأسَى والغضبَ.
وصارَ محسنٌ يتربصُ بالدُّبِّ حتى يعرفَ أوقاتَ مجيئِه، وحين أدركَ ذلك ذهبَ إلى السوقِ، فاشترى سلاسلَ حديديةً ومصائدَ يمكن أن تعْلُقَ بفمِ الدُّبِّ، وترصدَ محسنٌ للدُّبِّ أيامًا عديدةً ينتظرُ مجيئَه حتى كان يومٌ أحسَّ بصوتِ الدُّبِّ وأظفارِه وهو يتسلقُ الشجرةَ فاطمأنَ إلى المصائدِ الحديديةِ التي نصبَها، لأنها ستمنعُ الدُّبَّ من اصطيادِ العسلِ. وجاءَ الدُّبُّ لأكلِ العسلِ وراحَ يتسلقُ الشجرةَ حتى إذا وصلَ إلى الحفرةِ التي فيها العسلُ أدخلَ رأسَه في الحفرةِ ليأكلَ العسلَ فصادتْهُ المصائدُ من فمِهِ، وعلُقَتْ به. وحاولَ الدُّبُّ أن يتخلصَ من المصيدةِ، فرفعَ يدَه إلى فمِ الحفرةِ، فأمسكتْ مصيدةٌ أخرى يدَه. وحين أدخلَ يدَه الأخرى من الجانبِ الثانِي أمسكتْ بها المصيدةُ الثالثةُ. وحاولَ الدُّبُّ جاهدًا أن يتخلصَ من المصائدِ، وبقي معلقًا على الشجرةِ. فبادرَ إليه محسنٌ بعصا غليظةٍ كان قد هيأهَا، وانهالَ ضربًا على جنباتِ الدُّبِّ. وهكذا بقي الدُّبُّ معلقًا على الشجرةِ، وتركَه محسنٌ بضعةَ أيامٍ حتى ضعفتْ قوتُه، ثم قدَّمَ إليه بعضَ الطعامِ. وحين أحسَّ أن الدُّبَّ قد انكسرت شوكتُه، أنزلَه من على الشجرةِ، وقدَّمَ إليه بعضَ الطعامِ من زبيبٍ، وعنبٍ، وتينٍ. وأعادَ محسنٌ الكَرَّةَ مراتٍ عدةً حتى أحسَّ بأن الدُّبَّ قد انصرفت عنه وحشيتُه، وأصبحَ يتعلقُ بمحسنٍ لأنه كلما رآه قدَّمَ له الطعامَ.. وهكذا مع مرورِ الأيامِ أصبحتْ هنالك ألفةٌ بين الدُّبِّ ومحسنٍ. وقد عمدَ محسنٌ إلى وضعِ أشواكٍ على الشجرةِ قبل عشِّ النحلِ حتى لا يتمكنَ أيُّ حيوانٍ من الصعودِ إلى الشجرةِ وأكْلِ العسلِ الناضجِ. اشتهرَ الدُّبُّ وصاحبُه محسنٌ ولا سيما أنه صارَ أليفَا، حيثُ صارَ محبو الحيواناتِ والتعرفِ عليها وعرضِها على أولادهم يأتون إلى محسنٍ فيشاهدون الدُّبَّ ويدفعون بعضَ المالِ ترضيةً لمحسنٍ.. وبذلكَ أصبحَ لمحسنٍ دخلان: واحدٌ من العسلِ، والآخرُ من عرضِ الدُّبِّ.