كسوة الكعبة المشرفة

يتم تطريز الكسوة بالأسلاك الفضية والذهبية، وتستهلك نحو 700 كيلو غرام من الحرير، وتبلغ تكلفتها نحو 22 مليون ريال.

من أهم مظاهر التبجيل لبيت الله الحرام كسوة الكعبة المشرفة، حيث يعد تاريخ كسوتها جزءًا من تاريخ الكعبة نفسها، الذي مر منذ أن رفع قواعدها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بأطوار مختلفة، ارتبطت بعوامل معينة لها صلة بالعصور التي مرت بها. غير أن الوازع المشترك في نية من كسا الكعبة هو التقديس لهذا البيت الحرام، والتقرب بها من الله سبحانه وتعالى، حتى في عصور الشرك قبل الإسلام، فقد كان الناس منذ زمن الجاهلية يتسابقون إلى كسوتها مرتين في السنة، ويعدون ذلك من أعمال البر، وكانت القبائل تتعاون فيما بينها كل حسب قدرته في كسوتها، ومنهم من كان يتولى كسوتها بشكل منفرد، ويرونه واجبًا من الواجبات الدينية.

بعد الفتح
بعد فتح مكة، أبقى النبي، صلى الله عليه وسلم، على كسوة الكعبة، ولم يستبدلها حتى احترقت على يد امرأة تريد تبخيرها، فكساها الرسول، صلى الله عليه وسلم، بالثياب اليمانية، ثم كساها الخلفاء الراشدون من بعده، فكساها أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، القَبَاطي المصرية (حيث كانت تحاك في مصر القبطية وقتها)، ثم كساها من بعده عمر، رضي الله عنه، بالقباطي أيضًا، وأمر أن تكون الكسوة من بيت مال المسلمين، وسار على سنته عثمان بن عفان، رضي الله عنه، إلا أن عثمان كان أول من قرر أن تكون للكعبة كسوتين، الأولى بالديباج يوم التروية، والأخرى بالقَبَاطي يوم السابع والعشرين من رمضان. وذلك بعد أمر بصنعها، فكان أول رجل في الإسلام، يضع على الكعبة كسوتين، إحداهما فوق الأخرى. أما علي، رضي الله عنه، فلم يذكر المؤرخون أنه كسا الكعبة، نظرًا لانشغاله بالفتن التي حدثت في عهده، من أجل ضمان وحدة المسلمين. ومنذ عام الفتح حتى يومنا هذا والمسلمون يتفردون بكسوة الكعبة، إلا في سنوات معدودات كان يكسوها أفراد من الموسرين، أو من ذوي المناصب الرفيعة، أو حكام بعض الدول الإسلامية.
العهود الإسلامية
في عهد بني أمية استمرت كسوة الكعبة من بيت مال المسلمين، وكانت أيضًا تكسى مرتين في السنة، إلا أنه تغير موعد كسوتها،إلي يوم عاشوراء، وآخر رمضان.
واستمرت كسوة الكعبة في عهد العباسيين مرتين في السنة، حتى عهد الخليفة العباسي المأمون، فقد كسيت الكعبة ثلاث مرات في السنة، الأولى بالديباج الأحمر في يوم التروية، والثانية بالقباطي في غرة رجب، والثالثة بالديباج الأبيض في السابع والعشرين من رمضان. وبدأت تكسى الكعبة بالديباج الأسود منذ كساها الناصر لدين الله أبو العباس أحمد الخليفة العباسي، واستمرت على لونها الأسود إلى يومنا هذا.

كسوة سعودية
تعاقب ملوك اليمن وملوك مصر على كسوة الكعبة حتى انفردت مصر بكسوتها، فقد كانت تأتي من مصر من مال الوقف الذي وقفه الملك الناصر ابن قلاوون على الكسوة منذ سنة 750هـ، ثم صارت بعد ذلك ترسل من قبل الحكومة المصرية، وكلما وقع خلاف بين الحكومة المصرية والحكومة التي تتولى أمر الحجاز، امتنعت الحكومة المصرية عن إرسال الكسوة، وقد حدث ذلك مرات عدة قبل تولي الملك عبدالعزيز، رحمه الله، الحكم في الحجاز، وفي سنة 1344هـ بعد توليه الحكم، حدثت حادثة المحمل المصري، حيث امتنعت مصر عن إرسال الكسوة في سنة 1345هـ، وشعرت بذلك الحكومة السعودية في غرة شهر ذي الحجة، فصدر الأمر الملكي الكريم بعمل كسوة الكعبة المشرفة لهذه السنة بأسرع ما يمكن وفي أيام معدودة، حتى يتم إكساء الكعبة في العاشر من ذي الحجة، وبالفعل تم ذلك، وكانت البداية الميمونة لصنع الكسوة في مكة المكرمة في العهد السعودي الزاهر. وعملت كسوة من الجوخ الأسود الفاخر مبطنة بالقلع القوي، ولم يأت يوم كسوة الكعبة المشرفة، وهو يوم النحر العاشر من ذي الحجة من عام 1345هـ، إلا والكعبة المعظمة قد ألبست كسوتها.

مراحل التصنيع
تمر كسوة الكعبة بمراحل فنية عدة، فيتم أولاً تزويد قسم الصباغة بأفضل أنواع الحرير الطبيعي الخالص في العالم، ويتم تأمينه على هيئة شلل خام، وهو خيوط مغطاة بطبقة من الصمغ الطبيعي تسمى «سرسين»، تجعل لون الحرير يميل إلى الاصفرار، ويتم استيراده من إيطاليا، وتتم صباغة الحرير على مرحلتين، الأولى مرحلة الغسيل، والثانية مرحلة الصباغة عبر خطوات فنية معينة خضعت إلى عمليات تطوير مستمرة، وبعدها تدخل الكسوة في عملية التجفيف بعد صباغته. ثم تبدأ مرحلة النسيج الآلي وإدخال العبارات والآيات القرآنية المنسوخة، وكذلك إدخال المطرزات، وهناك مرحلة النسيج اليدوي المعروفة قيمته العالمية، والذي يتبارى الكثيرون على اقتنائه كلما تطور النسيج المنتج آليًا. وفي مصنع الكسوة يتكاتف قسم النسيج اليدوي الذي ينتج كسوة الكعبة مع قسم الثوب الداخلي في إنتاج الجاكارد وهو القماش المنقوش الأسود والأخضر، في عمل دائم ودقيق.

المختبر
يقوم المختبر بمطابقة الخيوط للمواصفات من حيث رقمها وقوة مقاومتها، كما يقوم بتركيب ألوان الصبغة وتجربتها على عينات مصغرة من الخيوط لاختيار أفضلها، ومن ثم تزويد هذه النسب للمصبغة للعمل بموجبها مع وضع عينة في ماكينة الصباغة، ومن ثم تعاد ثانية للمختبر لإجراء الاختبارات اللازمة عليها من حيث ثبات اللون، ومقاومتها للغسيل، وقوة شدها. وبعد إنتاج القماش يتم تزويد المختبر بعينات عشوائية من الأقمشة ليتم أيضًا فحصها والتأكد من أن المنتج على المواصفات المطلوبة نفسها، كما يتم في المختبر عمل بعض الأبحاث في اختيار أجود أنواع الأصبغة وبعض المواد الكيميائية التي تزيد من مقاومة الأقمشة للغسيل، وكل ما يساعد على زيادة جودة الأقمشة. وقد تم تأمين أجهزة المختبر من كبرى الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال.

الطباعة
ينال التصاميم الفنية والخطوط المكتوبة على الكسوة شيء من التغيير من وقت إلى آخر بغية الحصول على ما هو أفضل، ثم يجري أخذ إذن تنفيذها من سماحة الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ثم المقام السامي الكريم. وفي قسم الطباعة يتم أولاً تجهيز المنسج، وهو عبارة عن ضلعين متقابلين من الخشب المتين يشد عليهما قماش خام للبطانة، ثم يثبت عليه قماش حرير أسود غير منقوش وهو الذي يطبع عليه حزام الكسوة وستارة باب الكعبة المشرفة وجميع المطرزات. وتتم الطباعة بوساطة «الشبلونات» أو السلك سكرين، أي الشاشة الحريرية، وهذه الشبلونات يتطلب إعدادها جهدًا فنيًا معينًا، لتتم في النهاية طباعتها بشكل دقيق وثابت.

التطريز
بعد إنتاج الأقمشة وبعد أن تتم طباعة النسيج الخالي منها، نأتي إلى أهم ما يميز ثوب الكعبة المشرفة وهو التطريز بالأسلاك الفضية والذهبية. تتم عملية التطريز الفريدة أولاً بوضع الخيوط القطنية بكثافات مختلفة فوق الخطوط والزخارف مع الملاحظة الفنية في كيفية أصول التطريز، والمطبوعة على الأقمشة المشدودة على المنسج حيث يشكل إطارًا على مستوى سطح القماش، ثم يطرز فوقها بخيوط متراصة من القطن الأصفر لما ستطرز عليه بالأسلاك المذهبة، ومن القطن الأبيض لما ستطرز عليه بالأسلاك الفضية في اتجاهات متقابلة وبدقة، ليتكون الهيكل الأساسي البارز للتصميم والحروف، ثم يغطى هذا التطريز بأسلاك من الفضة المطلية بالذهب ليتكون في النهاية تطريز بارز مذهب يصل ارتفاعه فوق سطح القماش من سنتيمتر واحد إلى 2.5 سم. وتعمل الأيدي دون ملل أو تعب وبمهارة عالية في تنفيذ تحفة فنية رائعة تتجلى فيها روعة الإتقان ودقة التنفيذ وجمال الخط العربي الأصيل.

22 مليون ريال
عندما يحين موعد تغيير كسوة الكعبة المشرفة بكسوة أخرى جديدة، تتجه أنظار المسلمين،إلى مكة المكرمة، لمشاهدة هذا التقليد الذي يتكرر منذ عصر ما قبل الإسلام، حيث يتم تسليم كبير سدنة الكعبة المشرفة كسوة الكعبة الجديدة، والتي تبلغ تكلفتها نحو 22 مليون ريال سعودي، في مراسم تليق بهذا الحدث الإسلامي الرفيع، ليتم في فجر يوم التاسع من شهر ذي الحجة إنزال الكسوة القديمة للكعبة، وإلباسها الكسوة الجديدة، ويستمر العمل فيها حتى صلاة العصر من اليوم ذاته، لتعود الكسوة القديمة إلى مستودع المصنع للاحتفاظ بها
.