حديقة العصافير

بقلم: محمد سعيد المولويبقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: George Pontino, Jr

قال قاسِمٌ لعائلتِهِ لقد مللتُ الحياةَ في البيوتِ التي عُمِّرتْ بالإسمنت والحديد، وأنا أتوقُ إلى الحياةِ في أحضانِ الطبيعةِ والتمتُّعِ بجمالِها وصفاءِ هوائها. لذلك قرَّرتُ يا أولادي أنْ أشتري بيتًا في الحدائق، وقد رأيتُ منطقةً مناسبةً بشكلٍ جيِّدٍ، فهناك بيتٌ يحيطُ به الوردُ يشكّلُ دائرةً واسعةً، وفي منتصفِ الدائرةِ شجرةٌ خضراءُ من أشجارِ السرو، والمنظرُ بإجمالِهِ رائعٌ وجميلٌ. وقد اشتريتُ المنزلَ دونَ أنْ أعلمَكم لأجعلَ ذلك مفاجأةً لكم، وهيأتُه للسكن، وأريدُ أنْ أنتقلَ إليه. قال محمود: نِعْمَ الفكرةُ يا والدي، فنحنُ قد مللنا الحياةَ في المدينة، ونحبُّ أنْ نتمتعَ بجمالِ الطبيعة.
انتقلتِ الأسرةُ إلى البيتِ الجديد، وقد لاحظ الأبُ والأبناءُ أن رجلاً آخرَ اشتري بيتًا إلى جانبِ بيتِهم، كما لاحظوا أن هناك عصفورينِ جميلينِ يغردانِ بين فترةٍ وأخرى يسحرانِ الإنسانَ بروعةِ الغناء. لاحظ عمرُ أنَّ العصفورين المغردين قد بنيا عشًّا لهما في شجرةِ السرو، وأنَّ العصفورَ يأتي إلى العشِّ فيمكثُ زمنًا، وأنَّ العصفورةَ تحلُّ مكانَه زمنًا آخر، فقال الأبُ حين حدَّثه ابنُه بما رأى: هذا عشٌّ باضتْ فيه العصفورةُ وهي تتناوبُ الجلوسَ على البيضِ مع العصفور. بدأ قاسم يُقدِّمُ الطعامَ إلى العصفورين في أسفل الشجرة، وكان العصفوران يهبطان فيأكلان ويشربان من الماء الذي وضعه قاسم، وكان قاسم مسرورًا جدًا، لكنه في أحدِ الأيام سَمِعَ العصفورين يصيحان بصوتٍ مرتفعٍ يدلُّ على ذُعرِهما، فخرج من البيت فإذا بأفعى قد تسلقتِ الشجرةَ وأكلتْ إحدى البيضات، وتريدُ أن تأكلَ البيضتين الأخريين، فسارَعَ قاسِمٌ إلى عصا غليظةٍ وضرب بها الأفعى فوقعت ميتةً. وقد شاهد العصفوران ما فعل قاسم، فراحا يطيران حولَ رأسِ قاسمٍ وكأنهما يشكرانه على إنقاذِ ما تبقى من البيض. شاهد الجارُ ما فعل قاسم، فذهب إلى السوقِ واشترى قفصًا فيه بضعةُ عصافيرَ وعلَّقه على الشجرة، وراحتِ العصافيرُ تغرِّدُ وتزقزقُ وتعطي ألحانًا حلوةً جميلةً، وبدأ الناسُ يتوافدون إلى المنطقة، يشترون من أراضيها ويبنون عليها البيوت، وكانتِ العصافيرُ كلما فقستْ بعضَ بيضِها وفتح لها صاحبُ القفصِ القفصَ ذهبتْ إلى الأشجارِ والبيوتِ المعمرة، وأصبحتِ المنطقةُ عشًّا كبيرًا للعصافيرِ ولفرقةٍ موسيقيةٍ تطربُ السكان، ونالت شهرةً كبيرةً فتهافتَ الناسُ إلى المنطقة، وراحوا يشترون الأراضيَ ويببنون عليها البيوتَ والدكاكين والمخازنَ، فأصبحت منطقةً حافلةً بالسكانِ والنشاط، وأصبح الناسُ يرتادون المنطقة، وأسسوا لجنةً لرعايةِ المنطقة، وفرضوا على السكان القدامى والجدد أن يزرعوا الوردَ وأن يحصلوا على الطيور والعصافير التي تغرِّدُ بصوتٍ حلو ٍجميلٍ، فنالتِ المنطقةُ شهرةً واسعةً، وأقام السكانُ متنزهًا جميلاً زوَّدوه بالمقاعد والطاولات، وبنوا فيه مطعمًا للقاصدين، فأصبحتِ المنطقةُ منطقةً سياحيةً يقصدُها سكانٌ من المناطقِ المجاورة، واكتسبت شهرةً كبيرةً، ومن ثمَّ فإنَّ السكانَ استفادوا فائدةً كبيرةً مما حصل. قال الابنُ عمرُ لابيه: أرأيت يا أبتِ كيف تطورتِ المنطقةُ وأصبحتْ سياحيةً تدُرُّ الربحَ على سكانِها؟ فقال الأب: إنَّ الفضلَ يرجعُ أولاً لله ثمَّ إلى حُسْنِ تصرُّفِ السكانِ وإدراكِهم أن السياحةَ أمرٌ جيِّدٌ يتهافتُ الناسُ عليه إذا رأوا ما يسرُّهم فيها، وهكذا ترى يا بُني أنَّ الأمورَ البسيطة تتولّدُ منها أمورٌ عظيمةٌ أو مشروعاتٌ كبيرةٌ. والأصل أنْ يعرفَ السكانُ كيف يتعاملون مع المنطقةِ وروّادِها والعاملين عليها. ويا ليتَ شبابنا بدلاً من أنْ يقولوا ليس هناك عملٌ أنْ يبدؤوا بمشروعاتٍ صغيرةٍ تكبرُ يومًا بعدَ يومٍ، وتُقدِّمُ لهم مستقبلاً زاهرًا مشرقًا.