منطقة بني مالك

بين الجبال والسحاب

تتمتع المنطقة بجو معتدل خلاب وطبيعة آسرة وآثار قديمة تجعلها مقصدًا سياحيًا متميزًا..

د. عبدالله بن محمد القرشي المالكي

الموقع و النشأة
تقع منطقة بني مالك «بجيلة أو سراة بني جرير سابقًا» جنوب غرب مدينة الطائف على مرتفعات جبال السروات الشاهقة، وتبعد عن مدينة الطائف بنحو 130كم تقريبًا، وعن مدينة الباحة بنحو 100 كم، ويعد سكان هذه المنطقة من أقدم من سكن جبال السروات. تنقسم المنطقة من حيث التضاريس إلى قسمين: قسم بالسراة حيث الجبال الشاهقة، والهواء العليل، والمناظر الجميلة، وقسم بسهول تهامة. من أشهر المناطق بالسراة منطقة حدَّاد ومنطقة القريع ويعدان المركزين الرئيسين للمنطقة . أما تهامة فيوجد بها مركز أضم ومركز الجايزة. وتبلغ مساحة المنطقة 4200 كم مربع، ويمر عبر قسمها الموجود في السراة الطريق السياحي الحديث نسبيًا، حيث يبدأ من منطقة الملعب جنوب مدينة الطائف مارًا ببني سعد ثم ميسان في بالحارث ثم يلتقي مع الطريق القادم من منطقة الجبوب «غزايل» في منطقة «مرتد»، ثم يتجه جنوبًا إلى حدَّاد والقريع إلى أن يصل إلى الباحة مارًا بمحافظة المندق. يشتهر هذا الطريق بكثرة الأنفاق والجسور، إلا أن السائح أو الزائر لا يمل لمروره بكثير من القرى والمزارع والمناظر الآسرة.
ويحد بني مالك من الشرق بالحارث، ومن الجنوب زهران، ومن الشمال ثقيف و بالحارث، ومن الغرب تهامة. أما مناخ منطقة بني مالك فيعد امتدادًا لمناخ مدينتي الطائف والباحة حيث إنه معتدل صيفًا وبارد ماطر شتاء. ويقدر عدد سكان هذه المنطقة تقريبًا بأكثر من 170 ألف نسمة، موزعين على أكثر من 600 قرية متناثرة على جبال السروات الرائعة وسهول تهامة. ومن أشهر الحرف التي يمارسها سكان المنطقة الزراعة، وتربية المواشي والنحل، والصناعة التقليدية البسيطة.

الزراعة والأسواق الشعبية
تنتج المنطقة كثيرًا من الفاكهة والخضراوات وتشتهر بزراعة اللوز والرمان والعنب والخوخ والتين بأنواعه والمشمش وغيرها. كما تنتج الخضراوات مثل الطماطم و الفاصوليا والفلفل بأنواعه والبقوليات. وتعد المنطقة مصدرًا للمياه الجوفية التي تفي بحاجة المنطقة من مياه الشرب والزراعة، إلا أنها في السنوات الأخيرة لم تعد كما كانت في العقود السابقة نتيجة للجفاف الذي استمر لعدة سنوات.
يقوم أهالي المنطقة بتسويق المنتجات الزائدة عن حاجة الأهالي إلى الأسواق المجاورة في مدينة الطائف والمناطق الأخرى. تشتهر المنطقة بأسواق اليوم الواحد مثل سوق الأحد بحدَّاد، وسوق الخميس بصيادة، وسوق الأربعاء بالقريع، وسوق الثلاثاء بأضم وغيرها، وهي أسواق شعبية لبيع المنتجات المحلية وشرائها من فاكهة وخضراوات ومواش وعسل وغير ذلك.

الثروة الحيوانية والصناعات التقليدية
من أهم الحيوانات التي يقوم سكان المنطقة بتربيتها الأغنام والماعز والأبقار، وذلك لوفرة المراعي بهذه المنطقة وبخاصة بعد هطول الأمطار. وهناك من يقوم بتربية الدواجن «الدجاج العربي كما يطلق عليه» والحمام والأرانب ونحوها.
وهناك من يعمل من سكان هذه المنطقة في تربية النحل وذلك لإنتاج العسل الطبيعي لسد الحاجة ولتسويق الفائض في المناطق المجاورة. ومن أشهر أنواع العسل: عسل الصيف، وعسل البله، وعسل السدر.
لا يزال قلة من أهالي المنطقة يمتهنون الصناعة التقليدية التي تستخدم في الزراعة والأدوات المنزلية مثل الأطباق والخزف والصحون «المصنوعة من الخشب» وبعض الأدوات الحربية مثل السيوف والخناجر وإن كانت مثل هذه الصناعات بدأت تصبح نادرة.

الآثار والمناطق السياحية
تكثر في هذه المنطقة الحصون والقلاع القديمة والتي تتجاوز ألفي حصن وقلعة والقرى المبنية بالكامل من الحجر الطبيعي والتي تعبِّر عن تاريخ هذه المنطقة وأصالتها، كما يوجد بها قبر الصحابي الجليل، جرير بن عبدالله البجلي، رضي الله عنه، ويوجد بها أيضًا الجبل الأبيض أو جبل بثرة «وهناك من يسميه جبل إبراهيم إذ يصل ارتفاعه إلى 2600م»، إذ تذكر الروايات أنه سمي باسم سيدنا إبراهيم عليه السلام، وجبل لقمان «البراقة» بين حدَّاد والحسناء والعامر عند وادي الحضن.
وفي المنطقة عدة متاحف لحفظ تراث المنطقة جمعت من قبل بعض الأهالي وبجهود فردية، ومنها، على سبيل المثال، متحف الشيخ سعود بن هريش في قرية الدشاما بقريش، ومتحف آخر في قرية العمشان للشيخ عبدالكريم بن دخيل الله. وبإمكان الزائر للمنطقة الاطلاع على تراث المنطقة على مر العقود والقرون الماضية. تعد هذه المنطقة امتدادًا لمنطقة الطائف إذ تكثر بها الأودية والغابات، وتكسو جبالها الأشجار والشجيرات، وتتخللها بعض الشلالات حين سقوط الأمطار، كما يعانق جبالها الضباب في فصلي الشتاء والصيف. من أشهر الأماكن السياحية بها: متنزه المواريد، وجبل العصيدة «جبل شبيه بالجبال البركانية الخامدة»، ووادي كيد، والجبل الأبيض، والشعيراء «حيث يوجد مطل شاهق على تهامة»، وبئر الكوكبة بوادي الحضن، وجبل جمح وغيرها.

الحياة الفطرية
تتميز المنطقة بالحياة الفطرية المزدهرة، ولكن الزيادة الواضحة لقردة البابون «السعدان كما يسميه الأهالي» يقلق الأهالي بشكل كبير وبخاصة في أوقات الجفاف، إذ تهاجم المنازل والمزارع من شدة الجوع أو العطش، ويناشد أهالي المنطقة بين الفينة والأخرى وزارة الزراعة وهيئة الحياة الفطرية للتدخل وحماية الأسر من هذه القردة، بل ويناشد بعضهم الآخر الجامعات والباحثين لإيجاد حلول لمثل هذه الحيوانات خوفًا عليها من الانقراض إما بسبب الجوع والعطش وإما بسبب قتلها المستمر من الأهالي.
وهناك أنواع أخرى من الحيوانات البرية مثل الذئاب والبشعة وهو حيوان بري متوحش من فصيلة القطط، وهناك النمر العربي الذي شوهد في السنوات الماضية في منطقة جبل بثرة، وكذلك الضباع والنيص والقنفذ والنمس والكلاب والقطط والسحالي وغيرها. وتكثر في المنطقة أيضًا الأرانب البرية والوبر والطيور مثل الحجل والصفرد والقهابا والقمري واليمام وغيرها من الطيور التي تعد من أفضل أنواع الطيور لهواة القنص بالمنطقه والمناطق المجاورة.
وتشتهر المنطقة ببعض أنواع الأشجار التي تغطي معظم الجبال وبمساحات كبيرة مثل العرعر والعتم والزيتون البري والأثب والشث وغيرها.
والمنطقة تفتح ذراعيها للزوار والسياح على مدار العام وفي فصل الصيف بشكل خاص نظرًا لاعتدال الجو. وتستقبل المنطقة الزوار والسياح بكلمات ترحيبية تقليدية وجميلة مثل «يا مرحبًا تراحيب المطر»، و«مرحبًا هيل عد وبل السيل» ونحو ذلك.