زيدوا السعادة

زيادة إجمالي السعادة القومية لأي بلد هي بأهمية زيادة إجمالي الناتج المحلي.

بيتر سنجر*

تُعرف مملكة بوتان الصغيرة الواقعة على جبال الهيمالايا، على المستوى الدولي، بأمرين: رسوم التأشيرة المرتفعة «التي تحد من تدفق السياح إليها»، وسياسة تعزيز «مستوى السعادة الوطنية الإجمالي» بدلاً من النمو الاقتصادي. والواقع أن الأمرين مرتبطان: فالزيادة في عدد السياح من شأنها أن تدفع عجلة الاقتصاد، ولكنها قد تلحق الضرر ببيئة بوتان وثقافتها، وهذا يعني تدني مستوى السعادة الوطني الإجمالي في الأمد البعيد.
عندما سمعت لأول مرة عن ذلك الهدف الذي تبنته مملكة بوتان بتعظيم مستوى سعادة شعبها، تساءلت ما إذا كان ذلك الهدف يعني أي شيء في الواقع العملي، أو كان مجرد شعار سياسي آخر. وعندما كنت قد زرت العاصمة تيمفو سابقًا، لإلقاء كلمة في إطار مؤتمر «التنمية الاقتصادية والسعادة»، الذي نظمه رئيس الوزراء جيجمي ثينلي، وشارك في استضافته جيفري ساكس، مدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا والمستشار الخاص لأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، علمت أنه أكثر من مجرد شعار. لم يسبق لي من قبل قط أن حضرت مؤتمرًا تأخذه الحكومة الوطنية على محمل الجد إلى هذا الحد. ولقد توقعت أن يفتتح ثينلي المؤتمر بالترحيب الرسمي بالمشاركين في المؤتمر، ثم يعود إلى مكتبه. ولكن ما حدث هو أن الخطاب الذي ألقاه كان بمنزلة استعراض مدروس للقضايا الرئيسة التي تشترك في تعزيز السعادة بوصفها سياسة وطنية. ثم مكث في المؤتمر طيلة يومين ونصف اليوم، وقدَّم إسهامات ملموسة في مناقشاتنا. وكان العديد من الوزراء حاضرين أيضًا في أغلب جلسات المؤتمر. منذ العصور القديمة كان البشر على مستوى العالم ينظرون إلى السعادة بوصفها أمرًا خيرًا. والواقع أن المشكلات تنشأ عندما نحاول الاتفاق على تعريف للسعادة ومقياس لها.
من بين التساؤلات المهمة في هذا السياق ما إذا كنا ننظر إلى السعادة من حيث كونها فائضًا من المتعة يغلب الألم على مدى أعمارنا، أم أنها الدرجة التي نشعر عندها بالرضا عن حياتنا. يحاول التفسير الأول أن يجمع عدد اللحظات الإيجابية التي يعيشها الناس، ثم يطرح من ذلك العدد اللحظات السلبية. وإذا أتت النتيجة في النهاية إيجابية بشكل ملموس فإننا نعد حياة الشخص سعيدة، وإذا أتت سلبية فإننا نعد حياته تعيسة. لذا فإذا أردنا قياس السعادة طبقًا لهذا التعريف، فما علينا إلا أن نأخذ عينات عشوائية من حياة الناس، ثم نحاول معرفة ما إذا كانوا يعيشون حالة ذهنية إيجابية أم سلبية.
أما النهج الآخر فإنه يسأل الناس: «إلى أي مدى تشعرون بالرضا عما آلت إليه حياتكم حتى الآن؟». وإذا قالوا إنهم راضون، أو راضون للغاية، فهذا يعني أنهم سعداء وليسوا تعساء. ولكن المسألة المتعلقة بأي من هاتين الطريقتين في فهم السعادة أكثر نجاحًا في رصد ما يتعين علينا أن نسعى إلى تعزيزه تثير تساؤلات جوهرية عظيمة القيمة.
تبين الدراسات الاستقصائية التي تستخدم النهج الأول أن أداء بلدان مثل نيجيريا والمكسيك والبرازيل وبورتوريكو طيب إلى حد كبير في هذا السياق، الأمر الذي يوحي بأن الإجابة ربما تتعلق بشكل أكبر بالثقافة الوطنية مقارنة بتعلقها بمؤشرات موضوعية مثل الصحة والتعليم ومستوى المعيشة. وعندما نطبق النهج الآخر فإنه يميل إلى وضع البلدان الأكثر ثراءً مثل دانمارك وسويسرا على رأس القائمة. لكن من غير الواضح ما إذا كانت إجابات الناس على أسئلة الاستطلاع بلغات مختلفة وفي ثقافات مختلفة تعني في واقع الأمر الشيء نفسه. قد نتفق على أن هدفنا لا بد أن يكون تعزيز السعادة، وليس الدخل أو الناتج المحلي الإجمالي، ولكن إن لم يكن لدينا مقياس موضوعي للسعادة، فهل يُعقَل هذا؟ وتحضرني هنا الجملة الشهيرة التي قالها جون ماينارد كينز: «أفضل أن أكون محقًا بعض الشيء على أن أكون مخطئًا تمامًا». فقد أشار إلى إن الأفكار عندما تأتي إلى العالم لأول مرة فمن المرجح أن تكون مبهمة غامضة، وفي احتياج إلى المزيد من العمل من أجل تحديدها بشكل حاسم. ولعل هذه هي الحال فيما يتصل بفكرة السعادة من حيث كونها هدفًا للسياسة الوطنية.
لكن هل نستطيع أن نتعلم كيف نقيس السعادة؟ يعكف مركز دراسات بوتان، الذي أسسته حكومة بوتان قبل 15 عامًا، على معالجة نتائج المقابلات التي أجريت مع أكثر من ثمانية آلاف شخص من أهل بوتان. والواقع أن المقابلات رصدت العاملين الذاتيين، مثل مدى رضا المستجيب عن حياته، والعوامل الموضوعية مثل مستوى المعيشة والصحة والتعليم، فضلاً عن المشاركة في الحياة الثقافية، والحيوية المجتمعية، والصحة البيئية، والتوازن بين العمل وغيره من الأنشطة. ويبقى أن نرى ما إذا كان هناك ترابط أو علاقة ما بين هذه العوامل المتنوعة. لا شك أن اختصار كل ذلك في رقم واحد سوف يتطلب بعض الأحكام الصعبة على القيم. في بوتان توجد لجنة معنية بإدارة مستوى إجمالي السعادة الوطنية، ويتولى رئاستها رئيس الوزراء، وتعمل هذه اللجنة على غربلة كل المقترحات السياسية الجديدة التي تطرحها وزارات الحكومة. وإذا تبين أن سياسة ما تتناقض مع هدف تعزيز مستوى إجمالي السعادة الوطنية، فإنها تُعاد إلى الوزارة لإعادة النظر فيها. ومن غير الممكن تمرير أي سياسة دون موافقة اللجنة عليها.
من بين القوانين التي أثارت الجدال قبل إقرارها في فترة سابقًا، والتي تشير إلى مدى استعداد الحكومة لاتخاذ التدابير الصارمة التي ترى أنها من شأنها تعظيم إجمالي السعادة الوطنية، ذلك الحظر الذي فُرِض على بيع التبغ. فبموجب هذا القانون يستطيع المواطن في بوتان أن يُدخِل إلى البلاد كميات صغيرة من السجائر أو التبغ من الهند للاستهلاك الشخصي، ولكن ليس للبيع، ويتعين عليه أن يحمل معه إيصال سداد ضريبة الاستيراد كلما دخن في مكان عام.
قبل سنوات، كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد مررت، دون معارضة، القرار الذي اقترحته مملكة بوتان بمبادرة منها، ويعترف هذا القرار بأن السعي وراء السعادة يشكل هدفًا إنسانيًا أساسيًا، ويضيف أن هذا الهدف لا ينعكس في الناتج المحلي الإجمالي للدولة. كما وجَّه القرار الدعوة إلى الدول الأعضاء بطرح تدابير إضافية تعمل بشكل أفضل على رصد هدف السعادة. ولقد رحبت، آنذاك، الجمعية العامة فضلاً عن ذلك بعرض تقدمت به مملكة بوتان بعقد حلقة نقاش حول موضوع السعادة والرفاه في أثناء دورتها السادسة والستين.
إن هذه المناقشات تشكل جزءًا من حركة دولية متنامية لإعادة توجيه السياسات الحكومية نحو الرفاه والسعادة. ويتعين علينا أن نتمنى لهذا الجهد أن ينجح وأن يصبح الهدف في نهاية المطاف السعادة العالمية، وليس الوطنية فحسب.

* أستاذ أخلاق الطب الحيوي في جامعة برينستون، وأستاذ فخري بجامعة ملبورن. من بين مؤلفاته كتاب «أخلاق عملية»، وكتاب «الدائرة المتوسعة»، وكتاب «الحياة التي يمكنك إنقاذها».
Project Syndicate
www.project-syndicate.org