بقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: George Pontino, Jr
نصحتِ الغزالةُ الأمُّ ولدَها الصغيرَ فقالت: يا بُني، إنِّي ناصحةٌ لك، فاحفظْ نصيحتي، يجبُ أنْ تبقى ضمنَ القطيع، وإياك أنْ تنفردَ وحدَك. لكنَّ الغزالَ الصغيرَ عصى نصيحةَ أمِّه فمضى وحيدًا مختالاً بقرونِهِ الطويلة، حتى وصل إلى النهرِ وشرِبَ من الماءِ ثمَّ راح يتباهى بقرونِهِ الطويلة وانعكاسِ صورتِها على الماء، ولاحظ على سطحِ الماءِ خيالَ فهدٍ إلى جانبِهِ، فالتفتَ فرأى الفهدَ، ولكنَّه تماسَكَ برباطةِ جأشِهِ وقال للفهد: مرحبًا يا صاحبي، وزأرَ الفهدُ محنقًا، فليس من العادةِ أنْ يكونَ الفهدُ صاحبًا للغزال، وتابَعَ الغزالُ فقال: لماذا لا ننفي العداوةَ بيننا ونصبح أصدقاء؟ وعندي اقتراحٌ، وهو أنْ نذهبَ إلى قطيعِ الغزلان، وسأتحدَّثُ مع رئيسِ القطيعِ لكي ينشئ صداقةً دائمةً بيننا، ونتعاهد على بناءِ الثقةِ العميقةِ مع بعضِنا.
خُدِعَ الفهدُ بهذه الحيلة، وسار مع الغزال إلى قطيعِ الغزلان، ووصل الاثنان وتحدَّث الغزالُ الصغيرُ بلغةِ الغزلان مع رئيسِ القطيع الذي دُهِشَ من منظرِ الفهد والغزال معًا، وفهم رئيسُ القطيع مقصدَ الغزالِ الصغير، فتلقى الفهدَ بالترحابِ والتحيةِ وقال له: لماذا نحن أعداء؟ أنا أعرفُ أنَّك قويٌّ وسريعٌ، وكل همِّك ينحصرُ في الصيد، ولكن هذا لا يمنعُ أنْ نكونَ أصدقاء، لكنَّ هناك سؤالاً يُحيِّرُني، فنحن نعلمُ أنَّك من أسرعِ الحيوانات، كما أنك قادرٌ على صعودِ الأشجار، حيث يعجزُ الأسدُ عن صعودِ الشجر، لكن لسنا ندري هل تستطيعُ أنْ تقفزَ مسافاتٍ واسعةً إذا صادفتك حفرٌ طويلةٌ في صيدِك؟ فأجاب الفهدُ معجبًا بنفسِه: أنا من أسرعِ الحيوانات وأخطرِها، وأستطيعُ أنْ أصطادَ وحيدًا، كما أنني أستطيعُ أنْ أقفزَ مسافاتٍ واسعةً وفوقَ حفرٍ عميقةٍ وطويلة. قال رئيسُ الغزلان: نريدُ أنْ نرى قدرتَك على القفز، فهذه الحفرة أمامَك فاقفزْ من فوقِها، وذهب الفهدُ إلى أول الحفرة ومضى بعيدًا ليأخذَ سرعةً في الجري، بينما طلب رئيسُ الغزلان من غزالين كبيرين أنْ يقفا على طرفِ الحفرة التي سيصلُ إليها الفهد، واختارهما ممَّن يحملان على رؤوسِهما قرونًا طويلةً وطلب منهما إذا قفز الفهد أنْ يقابلاه بقرونِهما الحادة. مضى الفهدُ إلى ما قبل الحفرة، ثمَّ بدأ بالجري، وتسارعتْ حركتُه ووصل إلى أول الحفرة وقفز، ولكنَّه حين وصل إلى آخرِ الحفرة تلقاه الغزالان برأسيهما، وصفَّقتِ الغزلانُ لهذه الحيلةِ الرائعة، وقال الرئيس: إنَّ هذا الغزالَ صغيرٌ في جسمِه ولكنَّه كبيرٌ في عقلِه، فقد أنقذكم من الفهد، لكنَّه يُعابُ عليه أنه لا يقبلُ النصيحةَ، فإنَّ أمَّه نصحته ألا يبتعدَ عن القطيع، فعصى نصيحتَها ولو لا هذه الحيلة لكان صيدًا ثمينًا للفهد.
تقدَّم الغزالُ الصغيرُ على استحياء، وقال لرئيسِ القطيع: إنِّي أعترفُ بخطئي، ثمَّ التفتَ إلى أمِّه فمسَحَ وجهَه بوجهِها وقال: أعتذرُ إليكِ يا أمي، فلن أعصيَ لك أمرًا، فإنَّ الكبيرَ أدرى وأعلمُ من الصغير.