العين الزرقاء أشهر عيون المنطقة التي تجري في الوادي بين الجبال ويتميز ماؤها بالعذوبة الشديدة.
فتحي سمير
تصوير: عبدالعزيز العريفي
تحفل المملكة العربية السعودية بالكثير من الأماكن السياحية الرائعة التي ربما تخفى على الكثيرين من أهلها، رغم ما لها من مقومات جمالية رائعة، وبيئة تختلف كثيرًا عن بيئة جزيرة العرب الصحراوية وطقسها الحار. إحدى أجمل هذه الأماكن هي قرية الديسة الواقعة في منطقة تبوك شمال غرب المملكة، التي ذكر عنها إبراهيم بن شجاع الدمشقي في كتاب ألفه في عام 623هـ، أنها كانت المنزلة الأولى بعد تبوك لقاصدي الحجاز.
في هذه المنطقة الجميلة يفيض الماء العذب من العيون ويتقطر من بين الجبال الشامقة فتلقي الرواسي بظلالها الوارفة من هاماتها العالية ليستظل بها الزوار، ويستمتعون بأجواء القرية التي تجمع كل مقومات السحر والجمال.
هذه القرية الواقعة في وادي داما المشهور بروعته، وطبيعته المكونة من الرمال الحجرية التي تقطعها الأجراف العميقة والسهول الساحلية الرملية، تتمتع بطقس شبه معتدل صيفًا، ودافئ في الشتاء، إذ ترتفع عن سطح البحر حوالي 400م، ما أهلها لتصبح منطقة زراعية تنتج أفضل الخضراوات والفواكه وعلى رأسها المانجو ذات الجودة العالية.
تقع القرية جنوب غرب مدينة تبوك على مسافة تراوح 200 كيلو متر، ويقع في غربها ميناء ضباء على ساحل البحر الأحمر. وتعد القرية ملاذًا لسكان المنطقة الباحثين عن أجواء طبيعية مختلفة، بين المياه والخضرة، ومشاهد الجبال بتكويناتها الصخرية الجميلة، التي يحلو التجول بالسيارات بين مجاريها غير الممهدة لتجربة استثنائية ينعتق فيها الإنسان من ضجيج المدينة، ويرتمي في أحضان الطبيعة الجميلة ليمارس طقوسه في الاستمتاع بالسكون وسط هذا الوادي الهادئ.
الطريق المعبدة التي يسلكها الزوار في رحلتهم إلى القرية تنتهي مع الوصول إلى الموقع المقصود، والذي تستقبل فيه الزوار الجبال الشاهقة على الجانبين فيضطرون إلى القيادة على جداول المياه غير العميقة بسياراتهم متجاوزين الحشائش التي تغلف المركبات من الجانبين في بعض المناطق الضيقة التي لا تلبث أن تنتهي بالخروج من رحم الحشائش إلى أفق أكثر رحابة، مع مشاهد للنخيل تعانق الجبال على الجانبين، والفراغات التي تتخلل الأشجار، ويستغلها الزوار للاستقرار أسفلها والتمتع بروعة تنظيم الطبيعة وجمال إبداع الخالق.
هذه الجبال الشامخة التي تحيط المكان لا تمنح الزوار متعة الجمال فقط، بل لها وظيفة مهمة في حجب الرياح الشديدة داخل الوادي، فتبسط عليه أجواءً من الهدوء والطمأنينة يفتقدها الكثير من سكان المدن التي تعاني، في مواسم محددة، عواصف ورياحًا شديدة تحمل معها الغبار فتحجب الرؤية، وتعكر صفو الأجواء.
هناك حيث الطبيعة الجميلة ينتصب جبل منفرد بشكل مميز يجذب إليه أنظار جميع الزوار، بارتفاعه وتفرده بمساحات من الفراغ من حوله، يحرص زوار المكان على التقاط الصور إلى جانبه، ويطلق عليه سكان البلدة «جبل عاتر». وقد اكتسب شهرة واسعة لكثرة الصور التي التقطت له بفضل موقعه وتميزه وسط الجبال.
تصنف منطقة تبوك ذاتها على أنها إحدى أجمل المناطق السعودية، وتتميز بطقسها المعتدل بحكم وقوعها في الشمال، حيث الحدود السعودية الأردنية، كما تحفل بالعديد من المناطق السياحية والتاريخية، ومن بينها الديسة التي لا تتمتع فقط بالطبيعة الساحرة، ولكنها تضم آثارًا نبطية تشهد على حضارة قديمة عاشت في هذا الوادي الخصيب. إضافة إلى ما يجاورها من وديان تحظى بشكل طبيعي فريد بما يجري فيها من عيون مياه على مدار العام، ما أسهم في خلق مشاهد طبيعية جميلة.
وتعد العين الزرقاء هي أشهر عيون المنطقة التي تجري في الوادي بين الجبال في كل الأنحاء، ويتميز ماؤها بالعذوبة الشديدة، حيث ينهمر بين الصخور ويتدفق بين النباتات الخضراء، ما جعل من زيارة الديسة وارتيادها نكهة خاصة، بتوافر المياه الطبيعية التي يحرص الزوار على استغلالها في إعداد الشاي، لتكتمل تفاصيل رحلتهم إلى الديسة في ظل أجواء طبيعية خالصة.
ا يكتفي الزوار في أثناء زيارتهم للمكان بالاستمتاع بمشاهد الجبال الشاهقة، بل يفرض بعضهم على نفسه التحدي لمجابهة هامات الجبال الشامخات التي يحاول تسلقها إن كان له من الهمة والخبرة ما يسعفه في ذلك، ولكن في النهاية تفرض الجبال إرادتها وتنتصر حين يعجز أكثرهم عن بلوغ القمم العالية التي نادرًا ما تسمح لأحد أن يطأها عبر التسلق.
هذه المزايا غير المتناهية للوادي البديع، جعلته مستهدفًا لدراسات المستثمرين وبحثهم، الساعين إلى الاستثمار في المنطقة، لإنشاء مشاريعهم السياحية الخاصة، التي يتردد حولها الكثير من الأخبار والأفكار عن كيفية استثمار المكان من فترة لأخرى، ما يبشر بمستقبل أكثر إشراقًا لهذا الموقع المميز على أرض المملكة.
ولا تزال الديسة تضم مقابر نبطية منحوتة بالصخر غير مكتملة وبقايا جدران لمبان سكنية، كما يوجد بها الكثير من الكتابات النبطية والعربية بالخط الكوفي. وقد اهتمت وكالة الآثار بوضع سياج حول هذه المواقع لمسحها أثريًا.