فقيد الوطن

ترك خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبد العزيز،
بعد رحيله لأبناء وطنه رصيدًا كبيرًا من الإنجازات النوعية غير المسبوقة في شتى المجالات.
أسس عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ابن عبدالعزيز، يرحمه الله، لمرحلة مفصلية في تقدم المملكة العربية السعودية على جميع الصعد التنموية التي تهدف إلى تحقيق الرخاء لأفراد الشعب السعودي كافة، وتغني المحتوى المعرفي بأرقى تفاصيله الثقافية المبنية على علوم عصرنا الراهن الزاخر بتعدد الأطر العلمية الحديثة البالغة التطور.
وقد ترك الملك عبدالله بعد رحيله لأبناء وطنه رصيدًا كبيرًا من الإنجازات النوعية غير المسبوقة في شتى المجالات التنموية، والتعليمية، والاقتصادية، والاجتماعية التي غيرت وجه المملكة، وطبعت في مفاصل حراكها المتعدد الأوجه ما طمح إليه الملك عبدالله من تقدم ورخاء لبلده وشعبه، واتبع نهجًا إصلاحيًا كان أبرز تجلياته إشراك المرأة السعودية في خدمة وطنها وتنميته، والاستفادة من خبراتها في مختلف المجالات. وكان أول ذلك في تعيين أول سيدة سعودية في موقع نائب وزير، ثم تلا ذلك دخول المرأة السعودية مجلس الشورى وتمكينها من المشاركة في الانتخابات البلدية. وكان للشباب الحيز الأكبر في اهتمامات الملك الراحل من خلال توفير فرص التعليم والعمل لهم. إلى جانب ما تقدم فإن أكثر من سيفتقد الملك الراحل بعد وطنه وشعبه، هو الساحتان العربية والدولية والخليجية، والأخيرة أصر الملك عبدالله قبل رحيله على صياغة اتفاقات نزعت فتيل التوتر والتأزم داخل الصف الخليجي والعربي، وأسهم بحنكة عالية في وضع المملكة على منصة الإطلالات الدولية إلى جانب الكبار في الجانبين الاقتصادي والسياسي، وأصبح الدور السعودي مطلبًا دوليًا في القمم التي تعقد لمناقشة أفضل الحلول المرجوة لقضايا لها علاقة بالنفط والسياسة والمال. ويسجل للملك عبدالله، أيضًا، حنكته في إدارة ملفات يشوبها التعقيد على غرار الوضع اللبناني الذي أولاه الراحل الكبير الكثير من اهتمامه الذي تجلى مؤخرًا في هبة الثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني. وكان لافتًا، أيضًا، التحول الكبير الذي أشرف عليه الملك عبدالله بنفسه في العلاقة السعودية– المصرية التي أصبحت مثالاً يحتذى به في العلاقات العربية– العربية.
بالتوازي مع ذلك كان الاهتمام الداخلي يأخذ قسطًا وافرًا في توجه الملك عبدالله، وقد تحقق في عهده أعلى معدلات النمو التي شهدتها المملكة على مر العصور إلى درجة غير مسبوقة فاقت كل التوقعات، وشملت كل قطاعات الاقتصاد الوطني في المملكة. وقد كان في صلب اهتمام الملك عبدالله أولوية تطوير الهيكل العام للوضع الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة. وتميز عهده بالتركيز على المشاريع الطويلة الأجل، على غرار إنشاء مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، وتطوير المدينتين المقدستين من خلال تنفيذ مشاريع التوسعة وقطار المشاعر. كما أمر بإنشاء مركز الملك عبدالله المالي الذي سيجعل الرياض مركزًا ماليًا رائدًا على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
ولحرصه، رحمه الله، على المواطن الذي يعد هدف التنمية، أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، بإنشاء الجامعات في مختلف أنحاء المملكة، وقاد أكبر عملية تطوير للتعليم تمثلت في إنشاء جامعة الأميرة نورة وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وأقر في عام 2005 برنامج الابتعاث الخارجي لمدة خمس سنوات. إلى جانب ذلك تبدى حرص الملك عبدالله على تحسين ظروف المواطن المعيشية من خلال إنشاء أضخم مشروع سكني في تاريخ المملكة بلغ «500» ألف وحدة سكنية بتكلفة إجمالية بلغت 250 مليار ريال.
ومن أبرز مبادراته العالمية أنه شجع الحوار بين الأديان والحضارات.سيذكر له السعوديون والعرب والمسلمون ما خلَّفه بينهم من إرث سياسي يغلِّب البناء والتطوير والتسامح والتصالح. رحمه الله رحمة واسعة.