كثرة الرؤساء
تضر بالأعمال
تعدد الرؤساء في شركة ما يمكن أن يضعف النظام البيئي المؤسسي.
أندرو هيل Andrew Hill
إن تصادف وكتبت جادًا عبارة «جناح التنفيذيين»، فإني أعتذر، ذلك أنني كلما مررت بمثل هذه العبارة، زاد نفوري منها. الفكرة هي أن كلمة «جناح» في ذاتها مزعجة بما فيه الكفاية. فالمرافق والفنادق السيئة لا يظهر أنها ذات صلة بمواقع العمل الشائعة المفتوحة. إلا أن ما يقلقني حقًا هو صفة الرفعة، ليس لأن بوسعها إيهام شاغلي الأجنحة بالعلو، بل لأنها يمكن أن تبث فيهم، أيضًا، أوهام السيطرة.
أيًا كان اختيارنا لتسمية المكان الذي يتجمّع فيه الرؤساء، فإن الموضع ذاك يعاني الازدحام. شركة كورن فيري للتوظيف، كانت قد نشرت قائمتها لأعلى خمسة عشر منصبًا تنفيذيًا يكثر الطلب عليها لسنة 2015. وكانت جميعها, ما عدا واحدة، تتعلق بالرؤساء التنفيذيين بأوصاف مختلفة. شغل المناصب الخمسة الأولى منها رؤساء تنفيذيون للتجارة والابتكار، والشؤون الرقمية، والأمن الإلكتروني والاستدامة.
من بين الأدوار التي أبرزتها شركة كورن فيري رؤساء تنفيذيون، تقول الشركة إنهم، « مطلوبون دائمًا»، ويعزى ذلك جزئيًا إلى أنهم قادة نادرون، متعددو الكفاءات مهمون للعالم بما يحتشد حولهم من متخصصين. أعتقد أن منصب «الرئيس» يشكل عقبة في هذا الصدد. على أن استمرار مصطلح «جناح التنفيذيين» إنما هو عودة إلى التراتبية الجامدة التي جسدها جاك ليمون في فيلم الشقة The Apartment. وفيه يؤجر شقته إلى زملاء لعوبين يرأسونه، مقابل الحصول على ترقية تؤهله لمنصب رفيع يتيح له التمتع بمكتب خشبي وبمفتاح لمرافق التنفيذيين.
ومع الترقية إلى منصب الرئيس يساور المرء إحساس بأنه قد غدا غير قابل للمساءلة، ويتولَّد فهم أن كونك، مثلاً، الرئيس التنفيذي للأمن الإلكتروني أو الاستدامة فإنك من يحمي الأعمال من قراصنة الإنترنت، بل إنه مسؤول عن حمايتها من الاحتباس الحراري!
إن الرئيس التنفيذي إنما هو تجسيد لـوهم العصمة. أشارت هيلغا درموند، خبيرة صنع القرار في محاضرة لها في كلية غريشام مؤخرًا، إلى أن النجاح– الذي يشمل افتراض النجاح المؤدي إلى الترقية– «يؤكد كفاءتنا ويوحي بأنه لا يتأتى لنا أن نفشل». وأضافت: «تظهر الأبحاث أن اللاعبين سيزيدون من رهاناتهم إن كان بمقدورهم إدارة اللعبة، ذلك أنهم يشعرون بأنهم مسيطرون، وأنهم مرتاحون إلى ركوب المخاطر على نحو متعاظم. وكان الجرّاح أتول جاوند قد وصف في محاضرته الثانية في سلسلة محاضرة ريث، مؤخرًا، كيف أوهم وجود البنسيلين الأطباء والمرضى بدفعهم إلى الاعتقاد بأن الطب يتعلق بالتداوي البسيط، وليس بالعلاجات المعقدة للمشاكل المستعصية.
ينخدع مجتمع الشركات، على نحو مماثل، بفكرة أن التنفيذيين الأفراد مثلهم مثل دواء عجيب يمكن ضخه في أوصال الأعمال المتداعية لعلاجها. إنه من الأفضل التفكير في الشركات، بصفتها نظمًا متناسقة. ربما كان من شأنها أنها لا تعمل بنوع من التراتبية الإدارية. غير أن تلك الشركات ستنشط على نحو أفضل إذا ما أدرك المديرون والقادة أنهم مكون فردي فحسب، وإن كان مهمًا، وأن الإجراءات الفعالة وتحديد نسق واضح لأدوار الأفراد ومسؤولياتهم يعين على أن يضطلع الجميع بمسؤولياتهم على نحو سلس.
أثق يقينًا بالرؤساء التنفيذيين الذين يدركون حدود رئاستهم، على غرار رئيس إحدى الشركات البريطانية الكبرى التقيته مؤخرًا. لقد قال لي إن لديه طريقتين فحسب للتأثير في الشركة: أولاهما وضع الأسس وتعميم الثقافة، والأخرى «بناء آلية العمل».
على أن السؤال هو: كيف تبدو تلك الآلية؟ يميل د. جاوند إلى الأخذ بقوائم المراقبة، لإبقاء حتى الجراحين البارعين وفرقهم بعيدًا عن المشاكل. لقد استحدثت صناعة الطيران نظام «إدارة موارد الأطقم» في الثمانينيات، لتقليص الأخطاء القاتلة في غرف قيادة الطائرات. كما أن شركات التخطيط تستخدم الآن قوة الحاسوب، حتى يُتاح للشركات محاكاة الأزمات وممارسة عمليات صنع القرار، بما يقلل من مخاطر أن ينقاد القادة إلى غرائزهم عندما يتعرضون لأي ضغوطات.
إن الاعتماد على العملية الآلية وحدها أمر بالغ الخطورة بوضوح. فذلك قد يتسبب في غياب العقل على ما ذهب إليه الأستاذ الدكتور دراموند. وينبغي أن تحرر بدلاً من ذلك الإجراءات الصارمة والتدريب المبتكرين لركوب المخاطر الضرورية، وأن تدفع القادة للتصرف بصورة صحيحة في مواجهة التحديات الحتمية.
يشير جان هاغن في كتابه اللافت: «مواجهة الأخطاء» Con Fronting Mistakes، الذي يوضح الدروس المستخلصة من كوارث الطيران، إلى أن إدارة موارد الأطقم تشمل الفحوصات الصارمة والتدريب المكثف لأطقم الطيران. إلا أنه كان على صناعة الطيران، في المقابل، أن تدِّرب أعضاء الفريق على أن يفرضوا على الآخرين الاعتراف بمكانتهم على نحو أفضل. يقول هاغن: «لقد تم تعليمهم على أن ينظروا إلى أنفسهم على أنهم زملاء لقبطان الطائرة، لا أنهم موظفون تابعون له، وأن يضطلعوا بالمسؤوليات التي تأتي بهذا المستوى من التمكين». وبإيجاز، لو كان جناح التنفيذيين جناحًا للزملاء، وكان لكل منهم مفتاح لذلك الجناح، لكنا جميعًا أسعد و أمنًا.