
كريستيان بريشو
رئيس معهد باستور
Pasteur Institute |
بالرغم من أن أخبار هذا الوباء لم تعد تحتل مساحات على الصفحات الأولى، فإن احتواء فيروس إيبولا لا يزال أمرًا بعيد المنال، بل إنه، على العكس من ذلك، لا يزال يشكل تهديدًا صحيًا عالميًا خطرًا.
كنت قد سافرت، مؤخرًا، إلى كوناكري عاصمة غينيا مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، ثم زرت ماسنتا، وهي منطقة ريفية في منطقة الغابات في غينيا، على مقربة من المنطقة التي بدأ فيها انتشار المرض. في كل من المكانين، شهدت عن كسب تأثير الفيروس المدمر من المعاناة والخوف واليأس، ثم الموت في نهاية المطاف. حتى الأمور البسيطة أصبحت مثقلة بالمعاني: لا أحد يصافح أحدًا. الحقيقة أن فيروس إيبولا يواصل انتشاره وبسرعة. صحيح أنه قد تم احتواؤه في ليبيريا، ولكن في ليبيريا فقط. حتى هناك لا شيء يضمن عدم تفشيه مرة أخرى. إن فيروس إيبولا ينتشر بطرق تختلف عن كل ما رأيناه من قبل. فهو لا ينتشر بالسرعة التي تنتشر بها فيروسات أخرى كثيرة، مثل الإنفلونزا، وهو ما كان يحد من نطاق انتشار الوباء في الماضي، خصوصًا أن حالات تفشي المرض كانت مقتصرة على مناطق ريفية. ولكن هذه المرة، دخل الفيروس إلى المدن والبلدات، الأمر الذي جعله خطرًا على نحو خاص. ذلك أن الكثافة السكانية المرتفعة توفر أرضًا خصبة لأي فيروس، ناهيك من إيبولا. إن التركيبة الغادرة لغرب إفريقيا التي تتألف من الفقر الواسع الانتشار، وندرة الموارد الطبية، والمناطق الحضرية المكتظة بالسكان، قد تصبح مهلكة إلى حد مدمر.
تشير التقارير إلى وفاة ما يقرب من 7500 إنسان بسبب الإيبولا وإصابة أكثر من 16 ألف شخص بالعدوى العام المنصرم. وهي أرقام تقريبية. وبالرغم من أنها تقدم معلومات مهمة عن مسار الوباء ومدى فعالية الجهود التي تتصدى له، فإن المسؤولين يحذرون من أن الأعداد الحقيقية ربما تكون أعلى كثيرًا.
إن الصحة منفعة عامة عالمية. وفي أغلب بلدان العالم تكرس الدساتير أو التشريعات حق الحصول على خدمات صحية. ويشمل هذا الحق، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، «القدرة على الوصول إلى رعاية صحية مقبولة وميسورة التكاليف ذات جودة مناسبة في الوقت المناسب». ولكن في حالة الفيروسات مثل إيبولا، فإن قِلة قليلة من البلدان قد تتمكن من تقديم مثل هذه الضمانات.
وجهة نظر خُلُقية، يتحتم على المجتمع الدولي، بكل مؤسساته، وسلطاته، وشركاته وفيرة الموارد، وأفراده- فضلاً عن معرفته وثروته- أن يعمل على توفير الوسائل اللازمة لوقف انتشار الإيبولا. وهذه الحتمية لا تقل قوة من منظور المصلحة الذاتية المحضة. ذلك أنه إذا لم يتم احتواء الفيروس بسرعة، فإن كل إنسان، وكل بلد، سوف يكونان عُرضة للخطر.
أما الخبر السار فهو أنه يمكن احتواء وباء الإيبولا. بل يمكن استئصاله في نهاية المطاف. وإذا كان لنا أن نحقق هذه الغاية، فلابد من فهم الفيروس وتشخيصه. ولابد من منع انتشاره وجعل علاجه متاحًا.
رغم عدم وجود لقاح مثبَت سريريًا ضد الإيبولا، فإن هذا قد يتغير قريبًا. فمنذ تفشي الفيروس في مارس آذار الماضي، عكف معهد باستور، وهو منظمة بحثية مستقلة غير ساعية لتحقيق الربح، على محاولة فهم كيف يمكن احتواء الفيروس وما العلاج الذي يمكن تقديمه. يتعقب باحثونا انتشار الفيروس في محاولة لفهم كيف تطورت الأوبئة. وإننا نعمل على تمكين العلماء والعاملين المحليين في القطاع الطبي. ونتوقع التوصل إلى لقاحين يمكن إجراء التجارب السريرية عليهما في هذا العام (2015).
إن فريق عمل الإيبولا التابع لمعهد باستور يكافح الفيروس على الأرض في غرب إفريقيا وفي المختبر في فرنسا، ويدرس الفيروس وكيفية انتشاره، ولا يترك حجرًا إلا قَلَبه باحثًا عن الحل الطبي الكفيل بوقف تفشي الفيروس ومنع عودته إلى التفشي مرة أخرى. ويلتزم معهد باستور بمكافحة الفيروس وأسبابه، جنبًا إلى جنب مع منظمة الصحة العالمية ومنظمات غير حكومية مثل أطباء بلا حدود والصليب الأحمر والهلال الأحمر. لقد تعهدت البلدان في مختلف أنحاء العالم بتوفير الدعم المالي وغيره من أشكال الدعم لمعالجة المخاوف الأكثر إلحاحًا: مساعدة الناس والمجتمعات المتضررة. ويساهم العديد من البلدان بالفعل في البحث في أسباب فيروس الإيبولا وانتشاره وعلاجه. وتم في هذا السياق إنشاء «تحالف الراغبين» الدولي. ونحن ندعو كل الدول، والمنظمات المعنية، والشركات المهتمة، والأفراد المؤهلين للانضمام إليه. فمعًا نستطيع أن نرى نهاية الإيبولا، ولسوف نفعل.
|