الجوف..
سياحة الشتاء

منذ أن تبدأ ملامح الشتاء تغزو المنطقة الشمالية، إلا وتسبقها المنافسة في نصب الخيام وإشعال الحطب وارتداء الفرو.. تلك التفاصيل التي يحبها أبناء منطقة الجوف حيث يتوجهون للبر بغرض السياحة الصحراوية.

تيسير العيد
تصوير: أحمد الجروان

لقد أصبحت تلك المخيمات العلامة البارزة لإطلالة الفصل، أكثر من برودة الجو الذي يحبه الشماليون، ويتلهفون لحلوله لممارسة هوايتهم في التخييم.

نكهة البر | عشرات المواطنين نصبوا خيامهم، منذ إطلالة الشتاء بالمنطقة، بمواقع مختلفة من الجوف، يؤنسهم «شب» الحطب أو إشعاله، ورائحة الهيل وشاي الجمر عندما يتسامرون، حيث تبدأ حكايا الليالي الباردة بجمع الحطب و«شبة» النار، يليها إعداد القهوة والشاي. وتتوزع المجموعة في مهامها لإعداد وجبة العشاء بعيدًا عن المنازل, في نكهة يعدونها مختلفة، بهارها البر، وملحها البرد ومذاقها الشتاء, ولا يغيب عن هذه المخيمات الطير الحُر «الصقر الأبيض» والشِعر والقصة، فكلها ذات علاقة بالخيمة والشتاء لدى أبناء الشمال.

المخيمات | أحد أصحاب تلك المخيمات يعشق السفر في فصل الصيف، لكنه لا يترك روعة شتاء الشمال، وجمال البر فيه. فمنذ أن بدأ الطقس يميل إلى البرودة اتجه مبكرًا إلى شمال «سكاكا» على طريق الجوف، عرعر، لنصب مخيمه، حتى لا تفوته روعة الليالي الباردة، وحلاوة السمر فيها. وهو يصف المخيم بالبيت الصغير، حيث يحتوي على كل شيء يحتاج إليه المرء في رحلته الشتوية تلك، بداية من المجلس الداخلي، وهو الخيمة الكبيرة، وصولاً إلى «الكرفان»، وهو مخيم مغلق، مصنوع من الحديد، ومرتفع عن الأرض، مناسب للنوم, ثم خيمة صغيرة، وهي عبارة عن مطبخ, ودورة مياه متنقلة, ليشكل كل ذلك منتجعًا بقلب الصحراء. ويحرص «الكشاتة» عشاق بر الشتاء، على نصب مخيماتهم مبكرًا ليحظوا بأماكن مميزة، إما أن تكون قريبة من الطريق، أو يحفها الجبال للتخفيف من شدة برودة الجو، أو في مواقع قريبة من العشب والخضرة.

صناعة المكشات | هذا النوع من السياحة دعا هواة البر لتنفيذ العديد من الصناعات اليدوية التي ابتكروها وتفننوا في صناعتها لتفي بحاجاتهم خلال سياحتهم تلك، حيث محل إقامتهم فيها خيام, ومتنزهاتهم صحراء, وترفيههم «شبة» نار.
أحد هؤلاء عرف عنه تنفيذ عدد من الابتكارات للبر، فقد ابتكر دورة مياه متنقلة وضعت على عجلات لا تحتاج إلا إلى تعليقها بالسيارة، ونقلها إلى أي مكان, ثم توصيلها بالماء، كما ابتكر رواقًا، وهو جدار قصير يحيط بمن يجلس بداخله لتجنب الهواء البارد، وله سقف متحرك يتم رفعه عند هطول المطر. كما ابتكر غرفًا خاصة، خفيفة الوزن لسهولة نقلها وتحريكها من مكان إلى آخر, سواء كانت غرفًا للنوم أو لاستخدامها مجلسًا، فضلاً عن ابتكاره عربات للماء، وأخرى للغسيل, وهي تعد تجارة مربحة له لكثرة زبائنها في الشتاء.
المدفون والمندي | هؤلاء «الكشاتة» لا يبحثون عن المطاعم في البر، فلا تهفو أنفسهم إلى الـ«برجر» سريع التحضير، ولا إلى الـ«مشاوي» الجاهزة, فالقيام بالطهي من أولويات الرحلة وجمالها, فهم يجيدون أنواع الطبخ، وغالبًا ما يكون «للكبسة» النصيب الأكبر, باختلاف طرق إعدادها. وتوفر محلات البر أنواعًا متعددة من المعدات المختلفة للطهي بالبر, ومنهم من يعد أدواته بيده حيث يغلف وجبته بالقصدير ويدفنها داخل الجمر, ومنهم من يستخدم أواني الفخار, وينافسون بوجباتهم تلك أرقى المطاعم وأفضل الطباخين. كما يقومون بتحضير خبز «الجمري»، وهو نوع من الخبز تعرف به منطقة الجوف، حيث يدفن الخبز داخل الجمر, فضلاً عن أنواع الخبز الأخرى كخبز «المصلي» و«الصاج».

السياحة | وقد ساعد توسع الطرق وتمددها على انتشار هذا النوع من السياحة في الجوف، حيث تزورها أعداد كبيرة لهذا الغرض، يساعدهم على ذلك توافر محطات الوقود، وعدد من محلات بيع احتياجات عشاق السياحة الصحراوية في برد الشتاء.

 

التخييم.. ثقافة ترويحية

يعد التخييم من وسائل الترويح عند العرب قديمًا وحديثًا، ففي دول الخليج العربي، خصوصًا في المملكة، ما إن يبدأ موسم سقوط الأمطار، يخرج الناس إلى البر مصطحبين كل ما يلزم من طعام وشراب، ووسائل الترويح من تلفاز وأدوات رياضية، وينصبون خيامهم في وسط الصحراء.
والتخييم «camping» هو نوع شائع من أنواع الترويح خارج المنزل وخارج المدينة، ويعشقه أناس كثيرون من مختلف دول العالم، حيث تتيح الأنواع المختلفة من المخيمات فرصًا للاستمتاع بقضاء أيام وربما أسابيع في بيئة طبيعية غير تقليدية إذا ما قورنت بحياة المدينة، وبأقل التكاليف أيضًا. كما قد يلجأ المخيمون إلى إقامة مخيمهم على ساحل البحر أو في البر، أو ربما يخيمون وسط الغابات، أو في الصحاري، أو بجوار البحيرات، أو على سفوح الجبال. ويظل بعض المخيمين في موقع واحد طوال رحلتهم، ليكون نقطة انطلاقهم لزيارة أماكن سياحية بالقرب من موقع تخييمهم، وقد يستقرون في موقعهم لمجرد الراحة والاستجمام. كما قد يقضون وقتًا في مشاهدة الطيور، أو جمع الصخور، أو التصوير، أو مزاولة رياضة المشي وسط الأجواء النقية المحيطة بمخيمهم. وقد يفضل الكثيرون من المخيمين التنقل بسياراتهم من موقع إلى آخر، وفي كثير من البلدان تحكم القوانين الأماكن التي يمكن أن ينصب الناس فيها خيامهم، بحيث تضمن المحافظة على أماكن التخييم ونظافتها. ومن أنواع المخيمات، مخيمات الخيام، وهي أكثرها شيوعًا، وأقلها تكلفة. وتأتي الخيام في أحجام وأشكال مختلفة. وقد لا يتسع بعضها إلا لشخص واحد، بينما يتسع بعضها الآخر لمجموعة من الأفراد. وتصنع الخيم الحديثة من مواد خفيفة الوزن، لسهولة حملها، وبساطة تركيبها لتسهيل نصبها لمن ليس لديه خبرة في نصب الخيام.
وهناك مخيمات العربات والمقطورات، والتي تشبه إلى حد كبير البيت المتحرك، وتكون مجهزة بضروريات الحياة، وبعض كمالياتها. وعلى من يود الذهاب في رحلة تخييم، فعليه أن يبدأ بالتخطيط لها جيدًا كاختيار المنطقة المناسبة، ولا ينسى شيئًا من المعدات والأدوات التي ينبغي له أن يصطحبها معه كأكياس النوم، والطعام والماء الكافيين له ومن معه خلال أيام التخييم، ومواد إشعال النار، وغيرها من مستلزمات الرحلة.